الرئيسية » هاني المصري »   15 آب 2009

| | |
مؤتمر "فتح" "بروفة" للانتخابات القادمة!!
هاني المصري

 

كان عقد مؤتمر "فتح" السادس يبدو مستحيلاً، لأسباب داخلية وخارجية، خصوصاً لأن القيادة التاريخية لـ "فتح" لم ترغب بعقد المؤتمر طوال عشرين عاماً، دفاعاً عن مصالحها ونفوذها وخشيتها من التغيير.

فـ"فتح" كانت في السنوات الماضية شبه مشلولة جراء الفراغ الناجم عن غياب ياسر عرفات، وعدم قيام مؤسسة لسد هذا الفراغ تؤمن بالعمل الجماعي وتقسيم العمل وتنشئ مؤسسات مستقلة وموازنة قادرة على توفير الاحتياجات، وعلى خلفية الخلافات والصراعات داخل قيادة "فتح"، بينها وبين رئيسها الجديد من جهة وبين اجنحتها المختلفة من جهة أخرى.

إن عقد مؤتمر "فتح" السادس، ليس قراراً اتخذته "فتح" وحدها بل حصلت على ضوء أخضر اميركي اسرائيلي عربي دولي حتى تمكنت من عقده. لقد عقدت "فتح" مؤتمرها في بيت لحم رغم الاحتلال والانقسام، ورغم المعارضة الداخلية القوية، وقرار "حماس" برفض مشاركة أعضاء المؤتمر من قطاع غزة. ولم يكن لـ"فتح" أن تنجح في عقد مؤتمرها، لولا أن عقده أصبح حاجة فلسطينية وأميركية وعربية ودولية، وذلك لأن ترتيب البيت الفتحاوي أصبح شرطاً ضرورياً لترتيب البيت الفلسطيني، والشرط اللازم لبلورة شريك فلسطيني يسمح باستئناف المفاوضات ويكون قادراً على توفير المظلة الفلسطينية لها، ولما يمكن أن ينجم عنها من حل، بعد أن أعلنت ادارة أوباما أن حل الصراع في المنطقة أصبح أولوية لديها، وأنها ستعمل جاهدة من أجل الوصول اليه.

إن ترتيب بيت "فتح" وحدها لا يكفي فهنالك حاجة ماسة لترتيب البيت الفلسطيني كله حتى يتوفر الدعم والشرعية والقوة للشريك الفلسطيني. لا يمكن طبعاً ترتيب البيت الفلسطيني دون وجود "فتح" جديدة قوية وموحدة وقادرة على ترتيبه. فـ"فتح" القوية تستطيع: إما أن تذهب للحوار من موقف قوة لإنهاء الانقسام أو تدعو لإجراء انتخابات، بموافقة أو عدم موافقة "حماس". فالانتخابات هي البوابة الشرعية التي دخلت "حماس" منها الى البيت الفلسطيني، وهي البوابة المناسبة لكي تخرج منها ضعيفة أو تبقى مدجنة، سواء كأقلية لا تستطيع تغيير الاتجاه أو أغلبية تفي بقواعد والتزامات التحرك السياسي نحو تسوية تريدها الإدارة الأميركية بشدة.

في هذا السياق تبرز فكرة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، دون التوصل الى اتفاق وطني عام أو حتى اتفاق خاص بالانتخابات فقط.

ان فكرة إجراء انتخابات مبكرة طرحت منذ الانقسام والانقلاب، عن جهل من البعض وبوعي من البعض الآخر، الذين رقصوا ولا يزالون يرقصون على انغام الانقسام. وكما نلاحظ يتكرر طرح هذه الفكرة الآن ويتسع حجم المؤيدين لها مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات الدستوري في 25 / 1 / 2010، وفي ظل عدم توصل الحوار الوطني الى اتفاق حتى الآن.

إن الذي اعطى زخماً لهذه الفكرة ان الرئيس ابو مازن طرحها مؤخراً، الأمر الذي يوجب مناقشتها بعمق ودراسة ايجابياتها وسلبياتها حتى لا يداهمنا الوقت ونجد أنفسنا امام الاستحقاق الدستوري.

ان شرعية السلطة ستكون في خطر شديد اذا وصلنا الى 25/ 1/2010 دون اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية. فالرئيس والمجلس التشريعي سيفقدان الشرعية ويصبح لدينا فراغ دستوري سيتم ملؤه، اذا لم تجر الانتخابات، بشكل غير ديمقراطي ولا قانوني، ومن قبل سلطتين تحاول كل واحدة منهما إثبات عدم شرعية السلطة الأخرى، ولو من خلال السعي للحصول على الاعتراف والدعم من اسرائيل الدولة المحتلة والتي تتحكم بكل شيء.

اذا أمعنا التفكير في الدعوة لإجراء الانتخابات دون اتفاق وطني سنجد أنها حق يراد به باطل. ففي ظل الانقسام أي دعوة انفرادية لإجراء الانتخابات ستؤدي اما الى انتخابات في الضفة فقط أو الى انتخابات منفصلة في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة.

إن الوحدة الوطنية شرط ضروري لا غنى عنه لإجراء الانتخابات. فدون وجود توافق وطني على مرجعية واحدة تحتوي "ركائز المصلحة الوطنية العليا" التي على رأسها الاهداف الاساسية وأشكال النضال والعمل الكبرى، وما يجمع الفلسطينيين، وقواعد اللعبة السياسية التي تحكم العلاقات الداخلية، فإن الانتخابات تكرس الانقسام وتعطيه الشرعية وتحوله الى انفصال دائم وتجعل كافة الاطراف الفلسطينية في موقف ضعيف ازاء الاحتلال وتحت رحمته أكثر فأكثر.

ولا تقتصر خطورة اجراء الانتخابات دون الاتفاق على ما سبق، بل ان حتى الانتخابات في الضفة فقط لن تكون انتخابات فعلية لأنها ستكون انتخابات للون واحد. فمقاطعة "حماس" والجهاد الإسلامي لها، وربما الجبهة الشعبية وغيرها من الفصائل والأحزاب وقسم من الشخصيات الوطنية المستقلة، ستجعل المجلس التشريعي القادم، والرئيس القادم بدون شرعية.

إن نجاح مؤتمر "فتح" رغم الصعوبات الهائلة التي كانت تقف امامه، يجب أن لا يغري بإجراء انتخابات انفرادية دون اتفاق وطني وذلك لأسباب التالية:

1- ان "فتح" تنظيم شارك في مؤتمرها 2500 عضو كحد أقصى. أما الانتخابات العامة فيجب ان تتوفر فيها حرية مشاركة كل أبناء الشعب المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين بلغوا السن القانونية للانتخاب.

2- إن مؤتمر "فتح" تعرض لهزات كبيرة أخرت عقده ولا تزال تخيم عليه، وكادت تطيح به جراء الخلاف حول العضوية وكيف تم اختراعها دون انتخابات لغالبية الأعضاء، ودون مشاركة كاملة من الخارج وغزة، ودون مراعاة الأصول اللازمة لعقد المؤتمرات من ضرورة تقديم التقارير السياسية والمالية والالتزام بالنظام الداخلي للانتخابات والفرز الفوري للأصوات، ما فتح الباب لتداعيات سلبية كبيرة لا تزال تخيم على نتائج المؤتمر .

إن الانتخابات خطوة ضرورية وحاسمه وأهميتها في أن تأتي بعد الوفاق الوطني والاتفاق على ركائز المصلحة الوطنية العليا. كما أن الحفاظ على الوحدة السياسية والجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ضروري جداً لدحر الاحتلال وقيام دولة فلسطينية ودحر المخططات الاسرائيلية الرامية لابتلاع الأرض وتهويدها وتقسيم الفلسطينيين وقضاياهم حتى تتمكن من فرض الخيارات الاسرائيلية على الفلسطينيين.

إن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة واحدة، والانقلاب الذي نفذته "حماس" له شروطه الخاصة بحيث لا ينفع الحل العسكري أو اعلان قطاع غزة اقليماً متمرداً، أو الدعوة لإجراء انتخابات انفرادية.

وأخيراً لا ينفع بديلاً لإجراء الانتخابات الدعوة للتمديد للرئيس والمجلس التشريعي استناداً الى اجتهادات قانونية زائفة بأن الرئيس يبقى رئيساً طالما لم ينتخب رئيس آخر يحل محله، وأن المجلس التشريعي يبقى لحين انتخاب مجلس تشريعي آخر. فالتفويض الذي منحه الشعب مدته محددة وهي انتهت، ولا مفر من أجل تمديد الشرعية من الاحتكام للشعب مصدر السلطة والصلاحيات والشرعية.

ولا ينفع لتجاوز مسألة الشرعية اللجوء للمنظمة بوصفها المرجعية العليا، وذلك لأن المنظمة مشلولة وليست فاعلة ولا تحظى بثقة قطاعات سياسية وشعبية واسعة.

لا بديل، مثلما أقر مؤتمر "فتح"، عن الحوار لحل التناقضات الثانوية على اساس أن تناقض الشعب الفلسطيني الرئيسي هو مع الاحتلال.

لا بديل عن التوافق الوطني حول الانتخابات والمنظمة والسلطة والاجهزة الامنية والحكومة والمقاومة والمفاوضات لأن البديل، وهمي ويمثل في الحد الادنى قفزة في المجهول وفي الحد الأقصى قفزة الى الجحيم !!!

 

مشاركة: