الرئيسية » هاني المصري »   07 تشرين الثاني 2009

| | |
مناورة كبيرة قد تصل إلى حد المغامرة
هاني المصري

 

اعلان ابو مازن عن رغبته بعدم الترشح بالانتخابات الرئاسية القادمة خطوة كبيرة ستكون لها تداعيات خطيرة. فهي مناورة كبيرة تستهدف انقاذ طريق المفاوضات الذي وصل الى طريق مسدود. وهي يمكن ان تتحول الى مغامرة اذا لم تتجاوب معها ادارة اوباما وتنقذ عملية السلام من الانهيار.

الرد الاول من الادارة الاميركية خصوصا من هيلاري كلينتون يوحي بأنها ليست في الوضع الذي يسمح لها او يفرض عليها تغيير سياستها المنحازة بشكل مطلق لاسرائيل خصوصا بعد تراجعها عن وعودها بحل الصراع وتجميد الاستيطان تجميدا تاما.

اكد ابو مازن في خطابه انه رغم كونه لا يزال مؤمنا بالسلام وطريق المفاوضات رغم الاحباط والمرارة، وجد نفسه امام خيارين، كلاهما مر: فإما ان يختار اللجوء الى المقاومة والوحدة الوطنية ومواجهة مصير ياسر عرفات والتعرض لتحميله المسؤولية عن اضاعة فرصة اوباما للسلام.

وإما ان يواصل المفاوضات العقيمة وفقا للشروط الاسرائيلية ما يجعله يقدم على انتحار سياسي،لأن المفاوضات ستكون دون افق سياسي يتجاوز الدولة ذات الحدود المؤقتة (الدائمة فعليا).

ابو مازن لم يختار لا هذا ولا ذاك وانما اختار ان يرمي بقفاز التحدي باظهار عدم الرغبة بالترشح، وهذا يعطيه وقتا يستكشف فيه امكانيات احداث اختراق بالطريق المسدود الذي وصلت اليه المفاوضات.

عدم الرغبة بالترشح استدعت موقفا من "فتح" والمنظمة بالتمسك بأبو مازن كمرشح وحيد للرئاسة.

وفي حال اصراره على ذلك يمكن ان يؤدي الى تأجيل الانتخابات. فالانتخابات كان من المشكوك عقدها في ظل الانقسام وعدم توفر الوفاق الوطني ولا شمولية اجرائها في الضفة الغربية وغزة والقدس قبل خطوة ابو مازن، واصبحت الآن مستبعدة جدا، لأن الانتخابات دون مفاوضات ولا افق سياسي تفقد جزءا مهما من دوافعها واهدافها.

تأسيسا على ما سبق، فإن خطوة ابو مازن تضعنا في وضع انتظاري صعب. فإذا اصر عليها سيكون رئيس تصريف اعمال لحين اجراء الانتخابات او قيام المجلس المركزي بتأجيل الانتخابات باختيار رئيس آخر للسلطة او ببقاء ابو مازن في موقعه الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.

واذا تراجع ابو مازن بعد حصوله على انجاز يمكنه من استئناف المفاوضات فهذا سيقويه وسيجعل اجراء الانتخابات ممكنا.

واذا تراجع دون انجاز سياسي استجابة للضغط الفتحاوي والفصائلي والشعبي سيكون مطالبا باختيار طريق آخر غير طريق المفاوضات لأنه اذا استأنف المفاوضات العقيمة سيفقد مصداقيته.

نحن الآن في وضع غريب عجيب لا نعرف فيه هل ستكون هناك انتخابات او لا، ام هل ستكون هناك مصالحة او لا، وهل ستكون هناك مفاوضات او لا، وفي ظل رئيس فعلي او رئيس مهمته تصريف الاعمال لحين انتخاب او تكليف رئيس آخر. علما ان الرئيس هدد باتخاذ خطوات اخرى والتي قد تمس مواقعه الاخرى كرئيس للمنظمة والدولة الفلسطينية وحركة فتح.

ان رفض الرئيس ابو مازن الخضوع للضغوط الاميركية والاسرائيلية لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة ودون تجميد الاستيطان، وتحديد مرجعية واضحة وملزمة لعملية السلام، موقف وطني يستحق الدعم والثناء من الجميع، بما فيهم حركة حماس، التي من المفترض ان تتخذ موقفا مسؤولا يفتح الباب واسعا لتحقيق المصالحة.

نقطة الضعف في خطاب ابو مازن، انه لم يستنتج الاستنتاجات الضرورية من وصول طريق المفاوضات الى طريق مسدود، والتي على رأسها ضرورة فتح الباب امام خيارات اخرى تقوم على تجميع اوراق القوة الفلسطينية والعربية والدولية بما يضمن احداث الضغط اللازم على الادارة الاميركية واسرائيل حتى تستجيبا لمتطلبات ايجاد حل يحقق الحقوق والاهداف الفلسطينية، وهذا امر لا يمكن تحقيقه بعدم الترشح وانما باعتماد خيار جديد يتطلب كفاح طويل ومرير.

ان أبو مازن من حقه الشخصي ان يترشح او لا يترشح ولكن من واجبه وواجب الفلسطينيين جميعا ان يفتحوا الابواب امام خيارات اخرى لا تعتمد على المفاوضات لوحدها، وانما على توحيد وتعبئة الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده على اساس اعادة الاعتبار للبرنامج الوطني، برنامج العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، برنامج الدفاع عن مصالح وحقوق الفلسطينيين اينما تواجدوا، بما في ذلك داخل 1948 والشتات. برنامج اعادة الصراع الى طبيعته الاصلية بحيث يتم اعتماد المقاومة الشعبية واستعادة البعد العربي والاسلامي والدولي للقضية الفلسطينية، واللجوء الى الامم المتحدة ومجلس الأمن والقانون الدولي لملاحقة اسرائيل على احتلالها وجرائمها في المحاكم الدولية والوطنية، ومقاطعتها وفرض العقوبات عليها.

ان الرئيس من حقه ألا يترشح عندما يفتح باب الترشيح، وهو لم يفتح حتى الآن وقد لا يفتح اذا تم تأجيل الانتخابات بقرار من المجلس المركزي المقرر ان يعقد اجتماعا في نهاية الشهر القادم. تأجيل الانتخابات يمكن ان يستند الى عدم قدرة لجنة الانتخابات على تنفيذ المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. والرئيس من حقه ان يستقيل من كافة مناصبه ولكنه بحاجة حتى تكون استقالته من الرئاسة نافذة الى موافقة ثلثي المجلس التشريعي المشلول منذ فترة طويلة.

ان المطلوب اسرائيليا واميركيا ان يكون الرئيس الفلسطيني القادم طرطورا يوافق على مفاوضات الى الابد او على دولة الكانتونات المقطعة الاوصال. وهذا ما رفضه ابو مازن، وما سيرفضه اي رئيس وطني آخر.

ان هذا الموقف قد يمنع أي شخص من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، واذا ترشح احد وفاز سيكون من الصعب جدا ان يقبل ما رفضه ابو مازن، مثلما كان من الصعب على ابو مازن ان يقبل ما رفضه ياسر عرفات في كامب ديفيد.

ان الوضع السياسي الفلسطيني اصبح معقدا جدا، وكل شيء بحاجة الى اعادة نظر، والخلاص الوطني لن يكون الا ببلورة استراتيجية قادرة على تحقيق الاهداف الوطنية ..!

 

مشاركة: