الرئيسية » هاني المصري »   06 كانون الثاني 2009

| | |
من يسبق من: العدوان أم الجهود الدبلوماسية لوقفه؟
هاني المصري

 

يشتد السباق المحموم بين استمرار العدوان الاسرائيلي الهمجي على غزة، بهدف كسر إرادة الفلسطينيين على الصمود والمقاومة وفرض حل إقليمي دولي لا تكون حماس طرفا به يتضمن وقف إطلاق القذائف والصواريخ وإقامة ترتيبات دولية تمنع إطلاقها في المستقبل، وبين الجهود الدبلوماسية التي يرافقها صمود غزة الأسطوري وانتفاضة شعبية عالمية عارمة مرشحة للاستمرار والتصاعد، والتي تضغط بقوة من أجل وقف العدوان والانسحاب من المناطق التي احتلتها وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وإنهاء الحصار وفتح الحدود والمعابر.

اسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس بوش تحديدا، لا تزال تراهن من خلال استمرار وتصعيد العدوان، والذي اتخذ شكل المجزرة المستمرة ضد الحجر والبشر وخصوصا الاطفال والنساء والمنازل، على أنها ستفرض شروطها على حماس بالقوة والمزيد من القوة بحيث تجبرها على القبول بشروطها، لأنها ستفكر مليون مرة بالثمن الذي ستدفعه قبل إطلاق الصواريخ، وذلك عن طريق إلحاق ضربة قاصمة بها وعمل ترتيبات دولية لحماية اسرائيل ومنع تقوية حماس من خلال منع تهريب السلاح.

وحماس من جهتها تأمل بتكرار تجربة حزب الله عام 2006 وتراهن على صمود غزة، وعلى الدمار والدماء النازفة فيها بغزارة وعلى قدرة المقاومة الفلسطينية فيها على إلحاق خسائر فادحة في القوات الإسرائيلية المعتدية، لكي تدفع الرأي العام الاسرائيلي الذي أيد الحرب بأغلبية كبيرة الى الانقلاب عليها والضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقفها، وتراهن حماس كذلك على الانتفاضة الشعبية العارمة التي يشهدها العالم كله، ولم يسبق لها مثيل بهذه القوة والاتساع والاستمرارية، حيث سيضمن لها الصمود والاحتجاجات الشعبية رأس مال كبير سياسي وشعبي، مهما كانت نتيجة المعارك العسكرية، تستطيع أن تستثمره في تقوية موقفها ودورها كلاعب رئيسي في الخارطة السياسية الفلسطينية.

والى أن يحقق أحد طرفي الحرب أهدافه أو حتى يقتنع الطرفان بعدم القدرة على تحقيق أهدافهما، أو الى أن تتوفر إرادة دولية قادرة على وقف العدوان، الحرب ستبقى مرشحة للاستمرار.

على حماس أن تدرك أنها ليست حزب الله وغزة ليست لبنان، ومصر التي تحيط بغزة على خصومة مع حماس وليست سوريا التي تحيط بلبنان ويربطها تحالف استراتيجي مع حزب الله وإيران، وأن الفلسطينيين في حالة انقسام والعرب في أسوأ أوضاعهم، والوضع الدولي عاجز تماما.

أما السلطة الفلسطينية فهي في وضع حرج ولا تحسد عليه، فهي تدين العدوان ولا تستطيع، رغم أنها ليست طرفا في هذه الحرب، إلا أن تدينه، ولكنها تخشى عواقبه ومن ضمنها تحول التحركات الشعبية الفلسطينية الى انتفاضة ثالثة تؤدي الى عودة الفوضى والفلتان الأمني، ويمكن أن تأخذ في طريقها هذه المرة السلطة نفسها، لذلك اختارت أن تقف حائلا ما بين المظاهرات الشعبية وقوات الاحتلال حتى لا يسقط شهداء وجرحى يجعلوا كرة النار تكبر وتتسع بدون القدرة على السيطرة عليها.

كما ان القيادة الفلسطينية والسلطة، تخشيان من أن يؤدي العدوان العسكري الاسرائيلي الى تثبيت سلطة حماس في غزة، وبداية الاعتراف العربي والإقليمي والدولي بها. فأي اتفاق يجب أن توافق عليه حماس ويجب أن تحصد ثماره، فلأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي تقود الحرب في الجانب الفلسطيني حركة حماس وليست حركة فتح وم.ت.ف والرئيس الراحل ياسر عرفات الذي قاد كافة الحروب الفلسطينية – الإسرائيلية، واستطاع تحويل الهزائم العسكرية التي لحقت غالبا بالفلسطينيين الى انتصارات سياسية. فمن ملحمة صمود بيروت، ومن على السفينة التي أقلته الى اليونان قال ياسر عرفات أنه عائد الى فلسطين. ولقد عاد فعلا الى أن قضى شهيدا في مقره في رام الله بعد العدوان الاسرائيلي الذي أعاد احتلال الضفة الغربية مجددا بعد عملية السور الواقي في نهاية آذار عام 2002. تعتقد حماس أنه ليس هناك ما يمنعها من أن تفعل نفس الشيء، متجاهلة الظروف المختلفة كليا.

إن تعقيد الموقف يظهر في أن أي قرار صادر عن مجلس الأمن لا توافق عليه اسرائيل وحماس أو إحداهما لن يجد طريقه للتنفيذ، وأي قرار توافق عليها حماس لا بد وأن يشمل إنهاء الحصار وفتح الحدود والمعابر، بما يضمن مشاركتها في السيطرة على معبر رفح ضمن الصيغة الرباعية التي اقترحتها منذ عام ورفضتها السلطة الفلسطينية ومصر.

وما دامت اسرائيل لا تريد أو لا تستطيع القضاء على حماس، ولا تريد احتلال غزة والبقاء فيها طويلا حتى تكون قادرة على الإطاحة بسلطة حماس لأنها أولا: لا تريد أن تغطس في مستنقع غزة مجددا وتخسر خسارة مستمرة في حرب شوارع ستبدأ ولا أحد يعرف متى تنتهي، كما أنها ثانيا: خرجت من غزة لكي لا تعود إليها، ومن أجل ثالثا استمرار وتعميق الانقسام الفلسطيني الذي أوجدته وتستفيد منه فوائد هائلة، لأن فصل الضفة عن غزة، وإلقاء غزة في حضن مصر يجعلها لا تتحمل أي مسؤولية عنها بوصفها دولة الاحتلال ويقطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية.

وما دامت الصواريخ لا تزال تسقط على جنوب اسرائيل وما دام كل طرف يعتقد أنه قادر على الانتصار فالجهود الديبلوماسية لن تتكلل في النجاح حتى لو إفترضنا جدلا بأن مجلس الأمن سيكون قادرا على الاتفاق على قرار، فأي قرار غير متفق عليه تستطيع حماس أن ترفضه، كما تستطيع اسرائيل أن ترفضه.

تأسيسا على ما تقدم، على الفلسطينيين حتى يربحوا ملحمة صمود غزة ويخرجوا جميعا منتصرين فيها، مهما كانت نتائجها، عليهم أن يسارعوا الى الحوار الوطني وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وإن لم يفعلوا ذلك اليوم قبل الغد، سيستمر الانقسام وسيتصاعد بعد أن يسكت هدير المدافع، ومهما كانت نتيجة الحرب.

فإذا انتصرت حماس ستحصد ثمار انتصارها من غريمها الفلسطيني أيضا، وإذا هزمت ستحمل مسؤولية هزيمتها للسلطة والأطراف العربية التي ناصبتها العداء خلال هذه الحرب!!

 

 

مشاركة: