الرئيسية » هاني المصري »   03 نيسان 2012

| | |
يومُ الأرض: نقطةُ تحوّل أم إحياء مناسبة؟
هاني المصري

 


جاء إحياء ذكرى يوم الأرض مختلفًا هذا العام عن الأعوام السابقة، حيث نُظِّمت مظاهراتٌ في عشرات الدول، خصوصًا في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، وبلدان الطوق، وشارك فيها ممثلون عن ثمانين دولة تحت عنوان واحد هو القدس، وسقط فيها شهيد وأكثر من 300 جريح، بعضهم جراحهم متوسطة وخطيرة.

إنّ هذه المسيرات علامةٌ مشجعةٌ على أنّ مكانة القضيّة الفلسطينيّة لا تزال محفوظة بالرغم من الانهماك العربيّ الإقليميّ والدوليّ بما يحدث في المنطقة والعالم من تغيرات وثورات، وبالرغم من الانشغال بما يمكن أن يحدث فيها في ظل تزايد احتمال الحرب على إيران الذي تبقيه الحكومة الإسرائيليّة خيارًا مطروحًا بقوة وتفرضه كأولويّة الأولويات بديلًا عن الصراع العربي– الإسرائيلي.

من السابق لأوانه اعتبار إحياء يوم الأرض هذا العام بداية مرحلة جديدة أو نقطة تحول، لأنه يمكن أن يكون مجرد تعبير قوي عن التضامن مع الشعب الفلسطيني جاء أقوى هذا العام بعد الثورات العربيّة التي أطاحت بأنظمة أو جعلت قبضة الأنظمة أضعف، ما أتاح هامشًا أكبر للتحرك الشعبي.

يمكن أن تكون المسيرات مجرد رد فعل طبيعيّة على اشتداد الهجمة، الاستعماريّة الاستيطانيّة العدوانيّة العنصريّة الإسرائيليّة، التي شملت مختلف المناطق، وتركّزت على القدس التي تتعرض لأوسع هجمة محمومة تستهدف استكمال تهويدها وأسرلتها لإبقائها عاصمة أبدية موحّدة لإسرائيل.

على أهميّة المظاهرات واختلافها الملحوظ عما شهدته أيام ذكرى يوم الأرض في الأعوام السابقة، إلا أنها جاءت أقل من التوقعات والاستعدادات التي كانت تخطط لمسيرات مليونيّة داخل فلسطين وخارجها.

فالمشاركة في جميع المظاهرات لم تصل إلى المليون، بل إلى أقل من هذا العدد بكثير، ما يدل على أن الأحزاب والحركات والجماعات التي دعت إليها لم تلقِ بكل ثقلها. لو سارت المظاهرات وضمت المليون أو الملايين لكانت الرسالة أقوى بكثير، ولأمكن الجزم أننا أمام نقطة تحول وبداية موجة نهوض وطني فلسطيني جديدة، مدعومة عربيًّا ودوليًّا.

إلا أن حجم المشاركة لا يجب أن يؤدي -كما فعل البعض- إلى الإحباط ونعي الشعوب العربيّة وحركة التضامن الدوليّة مع الشعب الفلسطيني التي استمرت ناشطة في كل الظروف والأحوال، كانعكاس لإيمان الرأي العام الدوليّ بعدالة القضيّة الفلسطينيّة وضرورة نصرتها.

إذا أردنا أن نبحث في الأسباب التي حالت دون مشاركة الملايين نجد من ضمنها أن الدول العربيّة منشغلة بالثورات وتداعياتها، خصوصًا أنها تمر في مرحلة انتقاليّة تشهد صراعًا حادًا ما بين الأنظمة القديمة التي سقطت أو تخشى السقوط والأنظمة الجديدة التي تحاول التقدم ببطء شديد، أي صراع محتدم لم يحسم بعد ما بين الثورة والثورة المضادة.

 كما أن قوى الإسلام السياسي التي قطفت ثمار الثورات لا تريد إبراز اهتمامها الكبير بالقضيّة الفلسطينيّة حتى لا تخيف قوى محليّة وإقليميّة ودوليّة منها، لدرجة أنها بالغت بإرسال رسائل وتطمينات بأنها ستحافظ على الاستقرار الإقليمي، وعلى معاهدتي السلام مع إسرائيل، وبعضها أبدى استعدادًا للشروع في حوار مع إسرائيل.

كما أن هذه المصلحة للتيارات والأنظمة الصاعدة في نسج علاقات جيدة مع أميركا وأوروبا حتى لا تعمل على إسقاطها قبل أن يشتد عودها؛ يمكن، وأشدد على كلمة يمكن، أن تخفي قناعة بأن القضيّة الفلسطينيّة مستمرة منذ عشرات السنيين، ويمكن أن تنتظر سنوات أخرى إلى أن تقف الأنظمة الإسلاميّة الصاعدة على أقدامها، وحينها يمكن أن تنتقل للاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة والتعامل مع إسرائيل.

الخطورة في مثل هذا الرأي – إن سيطر- أنه يساهم في ضياع القضيّة الفلسطينيّة التي لا تحتمل المزيد من الإهمال، خصوصًا في ظل احتمال استمرار الفترة الانتقاليّة لسنوات طويلة.

لا يعني ما سبق دعوة لوضع القضيّة الفلسطينيّة على رأس الأولويات وعدم أخذ احتياجات الثورات بالحسبان، وإنما إلى ضرورة إبقائها حيّة في هذه المرحلة، وعلى أساس وجود ترابط عضوي بين القضية الوطنية والاستقلال من جهة، وبين الديمقراطية والتقدم الاجتماعي الاقتصادي من جهة أخرى. فمن أسوأ ما يمكن أن يحدث الفصل ما بين الاستقلال الوطني والديمقراطية.

لقد لعب استمرار الانقسام الفلسطيني دورًا سلبيًّا للغاية كما ظهر في حجم المشاركة في المظاهرات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 فبالرغم من الثورات العربيّة وتراجع تأثير العوامل العربيّة والإقليميّة على الأطراف الفلسطينيّة المتنازعة ما سمح بتوقيع اتفاق القاهرة؛ نشهد مؤخرًا تدهورًا ملموسًا في جهود المصالحة، كما ظهر ذلك بتجميد "إعلان الدوحة" وعودة التراشق الإعلامي على ضفتي الانقسام مع عودة الاستدعاءات والاعتقالات بما ينذر، إذا لم يتم تداركه سريعًا، بالعودة إلى ما هو أسوأ مما كان الوضع عليه قبل اتفاق القاهرة الذي تقترب ذكرى التوقيع عليه.

بالرغم من أن القضيّة الفلسطينيّة عامل موحد، والكفاح من أجلها يمثل قاسمًا مشتركًا لمختلف الأطراف الفلسطينيّة والعربيّة وأحرار العالم إلا أن استمرار الانقسام الفلسطيني أحد أهم الأسباب بعدم خروج الملايين، لأن الشعب الفلسطينيّ وبقية الشعوب العربيّة والإسلاميّة والأحرار في العالم كله يثبط من عزائمهم أن أصحاب القضيّة منشغلون عنها بصراع داخلي مفتوح حتى إشعار آخر، مركز على سلطة تحت الاحتلال، يتفق الجميع بأنها سلطة بلا سلطة.

إن الوحدة ضرورة لا غنى عنها وشرط أساسي للنهوض الوطني الفلسطيني، لأنها مطلوبة سواء من أجل تحقيق السلام الذي يبدو الآن أكثر من ذي قبل بعيد المنال، أو لخوض المقاومة التي من دونها لا يمكن تغيير ميزان القوى المختل بشدة لصالح إسرائيل، ما يعطيها القدرة على توظيف الوقت لصالحها، خصوصًا في ظل أن الاحتلال مصدر ربح لها. فإسرائيل بالرغم من استمرار حركات التضامن والمقاطعة لها، خصوصًا بعد وقف المفاوضات وتزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وانضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو؛ في وضع اقتصادي وأمني جيد، وتمضي في تطبيق سياستها الراميّة إلى استكمال فرض أمر واقع احتلالي يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًّا.

تأسيسًا على ما سبق، حتى يكون هناك ثورة فلسطينيّة جديدة، ولتفسير لماذا لم تحدث حتى الآن؛ لا بد من ملاحظة أن الانقسام وما قبله وما بعده مجرد نتيجة من نتائج تراجع أو حتى غياب المشروع الوطني الفلسطيني الجامع للفلسطينيين أينما وجدوا، بحيث من الصعب حدوث النهوض الفلسطيني مجددًا إلا في سياق إحياء المشروع الوطني القادر على جمع الشعب الفلسطيني كله، وليس "فتح" و"حماس" وحدهما، ولا الفصائل وحدها.

إحياء المشروع الوطني - الذي أحد طرق الوصول إليه استمرار مقاومة الاحتلال والاستيطان - هو الكفيل بإعادة بناء الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة على أسس جديدة تأخذ المستجدات والخبرات بالحسبان، بحيث تكون قادرة على إعادة تشكيل منظمة التحرير لتعود قولًا وفعلًا الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

فحتى يتحرك العرب مع الفلسطينيين لنصرة القضيّة الفلسطينيّة، وحتى يتضامن العالم كله معها؛ على الفلسطينيين أن يعيدوا الصراع إلى طبيعته الأصليّة، بوصفه مسألة تحرر وطني، وصراع بين الاحتلال والشعب الذي يناضل للتخلص من هذا الاحتلال.

إن "عمليّة السلام" ماتت وأصبحت عمليّة من دون سلام، ولا جدوى من انتظار استئنافها، لأن استئنافها على ذات الأسس السابقة أو بتعديلات بسيطة، ودون أن يملك الفلسطينيون والعرب أسباب القوة والضغط القادرة على تغيير موازين القوى، لا يمكن أن تجد القضيّة الفلسطينيّة حلًا عادلًا أو مقبولًا لا مرحليًا ولا إستراتيجيًّا.

فالأمر الحاسم هو ليس أن نفاوض أو لا نفاوض، أو أن نقاوم أو لا نقاوم، أو نبني مؤسسات أم لا، وإنما توفر القناعة العميقة بوجود بديل إستراتيجيّ عن الخيارات المعتمدة سابقًا. بديل قادر على إحباط البدائل الإسرائيليّة وتحقيق البدائل الفلسطينيّة، قادر على الانتصار.

Hanimasri267@hotmail.com

مشاركة: