الرئيسية » هاني المصري »   19 تشرين الأول 2015

| | |
المعضلة أكبر من حكومة وحدة وطنية
هاني المصري

حكومة الوحدة الوطنية سترى النور خلال أيام. لقد تم تحقيق تقدم بنسبة 80%، ثم اتسع التقدم ليصل الى 59-89%، لا الحكومة لن ترى النور. فهي عالقة امام البرنامج السياسي والحصص سواء في السلطة او المنظمة. كما انها لا يمكن ان ترى النور دون توفير ضمانات لانهاء الحصار. لقد تم وقف المشاورات. لا فقد تم تعليق المشاوات. لا لم يحدث ذلك، المشاورات مستمرة ولكن هناك عراقيل.
حكومة او لا حكومة. دوامة بدأت منذ عدة اشهر ولا يعرف احد متى تنتهي. الطبيعي اذا تم التوصل الى اتفاق على برنامج الحكومة، ان تستقيل الحكومة الحالية، ويكلف الشخص المتفق عليه بتشكيل حكومة جديدة. ولكن في فلسطين لا يوجد شيء طبيعي. فكل شيء له نكهة فلسطينية. فبرنامج الحكومة، وهو الامر الحاسم والذي يتوقف عليه كسر الحصار، لا يزال يكتنفه الغموض. فهناك مصادر رسمية وعلى أعلى مستوى تقول ان الحكومة القادمة لن يكون لها برنامج سياسي خاص، وانما ستوافق على خطاب التكليف الرئاسي زائد وثيقة الوفاق الوطني.. وهناك مصادر رسمية اخرى تقول ان وثيقة الوفاق الوطني هي وحدها برنامج الحكومة.


مصادر رسمية مطلعة ثالثة تقول ان خطاب التكليف الذي اصدره الرئيس ابو مازن لحكومة هنية هو نفسه سيكون خطاب التكليف الذي سيصدره للحكومة الجديدة وتضاف اليه ثلاث كلمات فقط، هي: وثيقة الوفاق الوطني. أما مصادر مطلعة اخرى فتقول انه تمت صياغة خطاب تكليف جديد يأخذ بعين الاعتبار عدم احراج حماس واصرارها على عدم الاعتراف باسرائيل حتى لو جاء هذا الاعتراف في برنامج الحكومة الوحدوية.
واذا كان البرنامج يكتنفه الغموض على اساس "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" فان التقدم الذي يجري الحديث عنه يقتصر على مسألتين، الاولى: الاتفاق على اسم رئيس الوزراء. الثانية: الاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية بحيث تكون: 9 حماس، 6 فتح، 4 الكتل البرلمانية الأخرى، و5 مستقلين.
أما الخلاف فهو، اولاً: على توزيع الحقائب الوزارية السيادية وهي الداخلية والخارجية والمالية والاعلام. وكأن هناك سيادة للسلطة، التي لا تزال تحت الاحتلال من رئيسها الى اصغر جندي فيها، حتى يكون هناك وزارات سيادية.
ثانياً: الخلاف على تزامن تشكيل الحكومة مع البدء باجراءات لاعادة احياء منظمة التحرير والحصول على حصة حماس في توزيع السفراء والمحافظين وغير ذلك.
ثالثاً: الحصول على ضمانات دولية بفك الحصار، واطلاق سراح المعتقلين خصوصاً الوزراء والنواب، ورد الاموال المجمدة لدى اسرائيل.
وحتى نعرف اهمية نقاط الخلاف نشير الى تصريح رئيس الوزراء اسماعيل هنية الذي قال ان تشكيل حكومة وحدة وطنية بدون ضمان رفع الحصار قفزة في المجهول، ولا تعني شيئاً سوى تغيير المشهد الحكومي. كما نشير الى تصريحات موسى ابو مرزوق ومحمود الزهار وغيرهما من قيادات حماس الذين اكدوا فيها على ان فك الحصار واطلاق المعتقلين ورد الاموال المجمدة لدى اسرائيل والاتفاق على الحصص في السلطة والمنظمة شروط بدونها لا يمكن المضي في تشكيل الحكومة. كيف يمكن وضع مصير الحكومة بايدي حكام تل ابيب وواشنطن، لا ادري!
تأسيساً على ما سبق لا بد من مصارحة الشعب والفصائل والاحزاب والقطاع الخاص والمنظمات الاهلية والاتحادات والنقابات والفعاليات الوطنية والجامعات...الخ، بالحقيقة لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية. فالوطن ليس وطن فتح وحماس وحدهما. والشعب لا ينتمي بغالبيته للفصائل. والسرية والثنائية قد تكون مقبرة حكومة الوحدة الوطنية بدلاً من ان تكون الولادة لها.
فاذا كان البرنامج المتفق عليه، والذي لا يزال سرياً، يلبي الشروط الدولية كلياً او بصورة كافية، فلماذا الخوف من عدم رفع الحصار، ولماذا الاصرار على ضمانات موقعة؟
واذا كان البرنامج حمال اوجه، ويمكن ان يفسره كل فصيل وكل وزير كما يحلو له. فلماذا المطالبة بالضمانات الدولية؟ وحتى لو سلمنا جدلاً اننا حصلنا على الضمانات، فهي ستتبخر عندما يتضح ان البرنامج غامض. ولا ادري كيف نطالب بالضمانات الدولية بدون معرفة برنامج الحكومة وتشكيلتها وتوزيعها. فكيف يمكن ان نبيع السمك بالبحر؟ كما لماذا نشترط اقامة حكومة الوحدة الوطنية بشروط مفتاحها بيد اسرائىل والولايات المتحدة الاميركية مثل رفع الحصار والافراج عن الاموال المجمدة والمعتقلين. الم تكرر حماس مليون مرة منذ تشكيل الحكومة الحالية وحتى الآن، ان الوحدة قادرة على فك الحصار؟ لماذا تخلت حماس عن موقعها الصائب؟ هل حماس تفعل مثل الوالد الذي يرفع مهر بنته لانه لا يريد ان يزوجها. أم انها تريد المناورة حتى آخر لحظة حتى تحصل على اقصى مكاسب سواء في البرنامج او الحقائب؟ أم انها بانتظار فعل التطورات الايجابية التي حدثت بعد الهزيمة الاميركية في العراق والهزيمة الاسرائيلية في لبنان، وهزيمة الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس النصفية؟ هل عاد الوهم بامكانية فك الحصار بدون حكومة وحدة، ولا برنامج وطني واقعي؟ لا يمكن ذلك الاّ من خلال إما الموافقة على الشروط الدولية كلياً، وهذا مرفوض، أو التعامل معها بصيغة فلسطينية تحفظ الحقوق والكرامة الوطنية وتتيح المجال للحكومة للعمل.
واذا حصل الرئيس على البرنامج المطلوب والذي يمكن الموافقة عليه دولياً؟ فلماذا تتم المماطلة والتسويف؟ هل اصبحت الحقائب الوزارية ومن يحصل عليها هي الامر الحاسم؟ اذا اعطت حماس في البرنامج بمقدورها ان تأخذ في الحقائب والمنظمة؟ اما اذا لم تتقدم ولم تمنح البرنامج الوطني الواقعي الضوء الاخضر؟ فيجب ايقاف هذه الدوامة، لانها ستكون مضيعة للوقت، ومجرد مهزلة.
المسألة الاكبر من كل ما تقدم، ان المعضلة التي تواجه الفلسطينيين ليس في جوهرها تتعلق بالحكومة وشكلها ومن يشارك بها؟ وهل تكون حكومة كفاءات من المستقلين؟ ام حكومة وحدة وطنية يشارك بها الفصائل والمستقلون؟ انما المعضلة هي في ضرورة اعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الذي فشل ولم يتحقق بحيث اصبحنا الآن أبعد عن تحقيق الدولة الفلسطينية عما كنا من قبل. واعتماد السياسة المناسبة القادرة على رؤية المتغيرات والتعامل معها بفعالية ومرونة بدون التقليل من شأنها ولا المبالغة بها. فهناك رياح ايجابية تهب في المنطقة ويخطئ من الفلسطينيين من يستنتج انه وحده يستطيع ان يستثمرها لصالحه او لصالح الفلسطينيين جميعاً، فحتى نستطيع الاستفادة من المتغيرات الايجابية يجب ترتيب البيت الفلسطيني وتحقيق الوحدة والاتفاق على برنامج وطني واقعي يأخذ العبر والدروس من التجارب السابقة.
ان الفلسطينيين بحاجة إلى خطة عمل جديدة تختلف عن خطة العمل السابقة التي اعتمدت المفاوضات كاسلوب وحيد واستخدمت عملية السلام واتفاق أوسلو لتحقيق الحقوق الوطنية وفشلت. كما تختلف عن اعتماد المقاومة كاستراتيجية وحيدة، تتعامل مع المقاومة كغاية بحد ذاتها، أو مجرد محاولة لابقاء جذوة النضال الفلسطيني مشتعلة، وما يؤكد الحاجة إلى خطة العمل الجديدة، ان من يتحدث عن المفاوضات لا يدلنا على كيفية اعتمادها والمفاوضات متوقفة منذ سنوات عديدة. وان من يتحدث عن المقاومة لا يدلنا على كيفية تنفيذها في وقت تم فيه تعليق المقاومة باستثناء اطلاق الصواريخ من غزة، ووسط البحث عن استعداد جماعي لتمديد التهدئة اذا التزمت اسرائيل بوقف العدوان العسكري. حتى بدون الاشارة الى وقف الاستيطان والجدار وازالة الحواجز ووقف عمليات الاعتقال وتقطيع الاوصال. المسألة أكبر من تشكيل حكومة. وتشكيل الحكومة مجرد أداة من الادوات اللازمة لتحقيق البرنامج الوطني.

 

 

مشاركة: