الرئيسية » هاني المصري »   29 كانون الأول 2007

| | |
مقاومة الاستيطان بالمفاوضات
هاني المصري

 

منذ نشوء القضية الفلسطينية، يمارس الشعب الفلسطيني مقاومة الاستيطان (باعتباره فرعاً من أصل، هو الاحتلال)، بالمقاومة بكل أشكالها الشعبية والمسلحة، وهذا يشمل مقاطعة الاستيطان، عملاً وتعاملاً وتجارة، ويحتاج الى تعزيز، عبر مقاومة التطبيع المجاني مع إسرائيل، ومن خلال الدعم الدولي الشعبي والرسمي، ودعم أنصار السلام في إسرائيل.. كما يتطلب استخدام كافة الأسلحة السياسية والاقتصادية والقانونية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية.


لقد توصل الشعب الفلسطيني في سياق مقاومته للاحتلال والاستيطان والعدوان، خصوصاً بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى، الى أن المفاوضات شكل نضالي من شأنه أن يساعد على حصاد ما زرعته المقاومة.. أمّا أن تتحوّل المفاوضات الى الشكل الوحيد، تقريباً، لمقاومة الاستيطان، وفي ظل الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، والتعنّت الاسرائيلي المدعوم بشكل مطلق من الإدارة الأميركية، فهذا، والله، بدعة مرفوضة تماماً، وعلينا ألّا نسمح لها بخديعتنا.

لكي أثبت هذه الفرضية، لن أعود الى مسيرة هبوط سقف الموقف الفلسطيني منذ بداية عملية السلام وحتى الآن، ولا منذ الدعوة الى اجتماع أنابوليس، حين كان يجري الحديث عن اتفاق إطار تفصيلي، وجدول زمني محدد وقصير، الى الإعلان المشترك الذي تلاه الرئيس الأميركي بوش في مستهل الاجتماع، والذي خلا من كل المطالب والتوقعات الفلسطينية، ولكن سأتوقف أمام التراجع الأخير في الموقف الفلسطيني، والمتمثل بالكف عن التهديد أو التلويح بتعليق أو وقف المفاوضات، إذا لم يتم وقف الاستيطان، كما تنص خارطة الطريق الدولية.

أصبحنا، الآن، نسمع عبارات على لسان كبار المسؤولين الفلسطينيين تتحدث عن الاستيطان، لا بوصفه غير شرعي، ولا قانوني، ويجب إزالته كلياً، وإنما بأنه "يعرقل" أو "عقبة" أمام تقدم المفاوضات أو أمام السلام.. وأصبح الاستيطان على لسان القادة الفلسطينيين والمتحدثين الإعلاميين، يترك "ظلالاً سوداء" على المفاوضات، "وسنتوقف أمامه في جلسات التفاوض طويلاً طويلاً"، وأن الجانب الفلسطيني "لن يقاطع المفاوضات، رغم أنه يعرف أن عملية السلام لن تتقدم إذا لم يتم وقف الاستيطان"، ولكنه سيحصر "المفاوضات بنقطة واحدة هي الاستيطان"، وكأن حكومة أولمرت متلهفة جداً للانتقال للبحث في القضايا الجوهرية. وآخر ما توصل له الوفد المفاوض، أنه "إذا كان أحد يريد وقف المفاوضات فليكن إسرائيل، أما نحن فسنواصل التفاوض من أجل إحقاق حقوق شعبنا، فالمفاوضات ميدان للكفاح والنضال، لذلك سيظل يواصل المفاوضات رغم القرارات التوسعية الاستيطانية الأخيرة".

قمة أبو مازن - أولمرت: بيان غامض وترضية كلامية

وما دامت المفاوضات هي "المقاومة الوحيدة" التي تملكها السلطة الفلسطينية، للاستيطان، من الطبيعي أن تكون نتائج جلسات التفاوض والقمة الفلسطينية - الإسرائيلية الأخيرة هي الفشل، حيث لم يتم الاتفاق على وقف الاستيطان في القدس ومحيطها، واكتفت ببيان رسمي غامض آخر، يتحدث عن الاتفاق على عدم القيام بأيّة خطوات من شأنها الاجحاف بقضايا الوضع النهائي، دون توضيح طبيعة هذا الاتفاق، وهل الاستيطان في القدس مجحف أم غير مجحف بهذه القضايا؟.. إن استمرار الاستيطان في القدس يسقط المدينة، عملياً، من جدول المفاوضات، لتضاف الى قضية اللاجئين، التي أسقطتها إسرائيل عملياً من هذا الجدول، ولذلك رفضت حكومة أولمرت تسمية القضايا الجوهرية بالاسم في الإعلان المشترك الصادر في أنابوليس..

وكترضية كلامية للرئيس أبو مازن، لرفض طلبه بوقف الاستيطان تماماً، وإزالة البؤر الاستيطانية العشوائية، ولكي لا يخرج من القمة خالي الوفاض تماماً، وللتمهيد لإنجاح زيارة بوش المقبلة للمنطقة، أعلنت الحكومة الاسرائيلية، في القمة وبعدها، أنها لن تقيم مستوطنات جديدة، ولن توسع المستوطنات القائمة، ولن تصادر أراضي خاصة جديدة، لأغراض الاستيطان، وستلغي الأفضليات للمستوطنات والمستوطنين خارج الخط الأخضر.. وقبل أن نسمع المبالغة الفلسطينية بأهمية هذه اللفتات الإسرائيلية، علينا أن نتذكر أن الحكومة الاسرائيلية، خصوصاً في عهد شارون، التزمت بكل هذه الالتزامات، وأكثر منها، ولكنها لم تطبقها كلياً، أو التفّت عليها.. فمثلاً، بدلاً من عدم إقامة مستوطنات جديدة، تم توسيع مساحة العديد من المستوطنات القائمة، وضم البؤر الاستيطانية العشوائية القريبة منها، وإعلانها قانونية، بعد أن أصبحت جزءاً من المستوطنات القائمة.. أما عدم مصادرة أراضٍ، فليس مسألة كبيرة، لأن الأراضي التي يحتاجها الاستيطان، إما قد صودرت فعلاً، أو أن الالتزام الاسرائيلي، كما لاحظنا، ينحصر بعدم مصادرة أراضٍ خاصة لأغراض الاستيطان، أي يمكن مصادرة أراضٍ حكومية لأغراض الاستيطان، ومصادرة أراضٍ خاصة وحكومية لأغراض أخرى أمنية..

إضافة الى ما تقدم، فإن الأحزاب اليمينية في الحكومة الاسرائيلية، لم تعجبها لفتات أولمرت المحدودة والشكلية لأبو مازن، وتهدد بالانسحاب من الحكومة.

وفي كل الأحوال، تواجه حكومة أولمرت امتحاناً عسيراً بعد منتصف الشهر المقبل، حين سينشر التقرير النهائي للجنة فينوغراد، حيث سيضع هذا التقرير أولمرت أمام احتمال الاستقالة، وسيضع شريكه ايهود باراك، زعيم حزب العمل، أمام الالتزام بتعهده بترك الحكومة إذا أدان التقرير -كما هو متوقع- أولمرت.. وحتى لو بقيت حكومة أولمرت، فإنها ستبقى ضعيفة، ومهددة بالسقوط من داخلها.. وإذا كانت عاجزة عن وقف الاستيطان وإزالة أية بؤرة استيطانية عشوائية، وإزالة حتى حاجز رئيسي واحد، وتواصل الحصار الخانق، والمجازر اليومية، خصوصاً في قطاع غزة، فكيف ستتفاوض حول القدس والحدود واللاجئين والاستيطان، وكيف ستعطي الفلسطينيين حقوقهم، أو أيِّ حقٍّ من حقوقهم!

إذاً، المفاوضات أصبحت هدفاً بحد ذاته، ودارت وستدور حول نفسها، دون تقدم جوهري حاسم.. إن المفاوضات دون مقاومة مثمرة وحشد واستخدام كافة أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية، ستؤدي، أولاً الى إضاعة وقت ثمين، والفشل في نهاية الأمر بعد انفجار لغم الاستيطان تحت أقدامها.. وثانياً الى الهبوط بالموقف التفاوضي الفلسطيني باستمرار.. وتغطي، ثالثاً، على ما تقيمه إسرائيل على الأرض من حقائق.. وتقطع، رابعاً، الطريق على المبادرات الأخرى وعلى أيّ نوع جادٍّ من التدخل الفاعل من المجتمع الدولي.. ويمكن، خامساً، أن تمنع حكومة أولمرت من السقوط.. ومن شأنها، أخيراً وسادساً، أن تحافظ على السلطة، لأن إسرائيل تخشى من انهيار السلطة، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من صعود لخيار الدولة الواحدة، وانهيار حل الدولتين، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وسيموت إذا استمرت المفاوضات مجمدة.. لذا، الدولة الفلسطينية حسب المقاسات الاسرائيلية، أصبحت مصلحة إسرائيلية، وستسعى إسرائيل لإقامتها بعد استكمال مشاريعها التوسعية والاستيطانية..

في هذا السياق، أخذ المفاوض الفلسطيني يكرّر الآن، بأنه لن يعلق أو يقاطع المفاوضات "كِرْمال عيون" وقف الاستيطان، وإنما سيقاوم الاستيطان بالمفاوضات والمناشدات للإدارة الأميركية.. وهذه سياسة لا تجدي، وجُرِّبت وفشلت، وأضرّت سابقاً، وتضرّ حالياً، وفي المستقبل..

الاستيطان يُقاوَم بالمقاومة المثمرة التي تزرع، والمفاوضات التي تحصد.. ومَن لا يزرع لا يحصد!!.

 

 

مشاركة: