الرئيسية » هاني المصري »   16 كانون الأول 2006

| | |
مــرة أخــرى حــول الحــرب الأهليـــة
هاني المصري

 

مرة أخرى تتلبد الأجواء الفلسطينية بغيوم سوداء تنذر باحتمال اندلاع الاقتتال الداخلي، وربما الحرب الاهلية، فمنذ الاعلان عن وصول المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية الى طريق مسدود، عادت اجواء التشاحن الثنائي والاستقطاب الحاد والتوتر الشديد لتسيطر على الموقف، ولعل التحريض المتبادل والحملات الاعلامية الحامية تدل على أن شبح الحرب الاهلية يحلق في سماء فلسطين. وجاءت جريمة الاعتداء على موكب رئيس الحكومة أثناء عودته الى الوطن، ومقتل أحد حراسه وجرح العديدين منهم ابنه ومستشاره السياسي وخمسة من أفراد حرس الرئاسة، وقبلها الجريمة البشعة التي استهدفت الاطفال الابرياء وسائقهم لتشعل كل الاضواء الحمراء وتدل على ان خطر الانزلاق الى الاقتتال جدي، وأنه بدون التحرك العاجل والمسؤول لا يمكن وقف هذا التدهور المتسارع. وعندما نتحدث عن امكانية الحرب الاهلية لا ندعو اليها، ولا نبشر بها، ولا نتعامل معها كحتمية، ولكننا نحذر من عدم رؤية خطرها والتعامل مثل النعامة التي تخفي رأسها وتعتقد ان لا أحد يراها. نتحدث عن الحرب الاهلية من أجل قطع الطريق عليها واجتثاث جذورها واسبابها. ان عدم وجود أسباب ودوافع طبقية أو طائفية أو مذهبية لاندلاع الحرب الأهلية، يجب ألا يدفعنا الى النوم على وسادة من الاوهام بانها مستحيلة، وذلك لان تفاقم مأزق النظام السياسي الفلسطيني بسبب عدم تحقيق البرنامج الوطني وتعميق الاحتلال والاستيطان وتقطيع الاوصال، وبسبب حالة الازدواج في السلطة ومصادر القرار والمترافق مع فصل عاملين اساسيين يمكن أن يؤديا الى ما لا تحمد عقباه: العامل الاول: الاختلاف في الرؤى والايديولوجيا والبرامج، وتداعيات ذلك على الاصعدة العربية والاقليمية والدولية ووسط منطقة تشهد ارهاصات كبيرة لتغيير كبير. العامل الثاني: الاختلاف في المصالح، والصراع على السلطة والمنظمة بين قطبين اساسيين. ان ما تشهده الاراضي الفلسطينية المحتلة خلال هذا العام، وخصوصاً في قطاع غزة، من تفاقم لحالة الفوضى والفلتان الامني، يقدم انذاراً مدويا عما يمكن ان يحدث اذا استمرت الظروف والعوامل المؤثرة على ما هي عليه. فكيف اذا أضيفت لها عوامل سلبية جديدة. فحسب احصائيات اعدتها الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، فإن هناك ارتفاعاً كبيراً في نسبة جرائم القتل خلال عام 2006، مقارنة بالاعوام السابقة، فلقد افادت الهيئة بأن 322 مواطناً فلسطينيا قتلوا داخل مناطق السلطة الوطنية حتى تاريخ 03/11/6002 بنسبة زيادة 51.5% عن العام الماضي، منهم 932 مواطنا قتلوا في قطاع غزة و68 مواطنا قتلوا في الضفة.

 جرائم غزة تقارب 3 اضعاف الضفة. ومقارنة بالعام الماضي كانت غزة تزيد عن الضفة بـ 18 حالة فقط. وعند تصنيف حالات القتل كانت على النحو التالي: 41 حالة قتل على خلفية سياسية (1 ضفة و40 غزة). 88 شجارات عائلية. 83 حالة فوضى وسوء استخدام السلاح. 29 حالة قتل على خلفية ثأر وشرف وبظروف غامضة وجرائم سرقة وشخصية. كما تشير الاحصائيات الى ارتفاع المعدل الشهري لجرائم القتل خلال عام 2006 ليصل الى 62 حالة، بينما كان المعدل الشهري خلال عام0052، 51 حالة، وكان المعدل الشهري 8 حالات قتل خلال عام 2004. الرقم اللافت أكثر من غيره في الأرقام السابقة هو سقوط 14 قتيلاً على خلفية سياسية، وهذا رقم مخيف ويستدعي التعامل مع الامر بكل جدية. ومع أهمية ان نضع بالحسبان امكانية دخول طرف ثالث (مثل العملاء للاحتلال أو فرق موت اسرائيلية على غرار الفرق التي شكلت ابان فترة 1936-1948) الا ان اللجوء الى الاغتيال السياسي من قبل اي طرف فلسطيني بأي حجم كان يمكن ان يفتح ابواب جهنم وهو امر بحاجة الى معالجة قبل فوات الاوان، والندم ساعة لا ينفع الندم. اعرف تماماً ان هناك كوابح ضخمة يمكن ان تمنع الانزلاق نحو الحرب الاهلية تبدأ بوجود تعادل في القوى يجعل امكانية حسم الصراع عسكريا لصالح طرف من الاطراف مستحيلة، وتمر بعدم وجود عرض اسرائيلي يقبله أي طرف فلسطيني مهما كان معتدلا، فالعروض الاسرائيلية مرفوضة من الفلسطينيين على اختلاف اتجاهاتهم وارائهم، الامر الذي يجعل الاحتلال هو المستفيد الوحيد من أي اقتتال او حرب أهلية، ولا ينتهي بالروادع الدينية والوطنية والعائلية، حيث يحرم الدين سفك دماء المسلم بيد المسلم، ويمنع الشرف الوطني اراقة الدم بين اخوة السلاح، وانتشار الاحزاب والفصائل في صفوف كل العائلات دون تمييز، يجعل الاخوة موزعين على كل الفصائل، ما سيحول او يمكن ان يحول دون انزلاق الاخ لقتل اخيه. لكن هذه الكوابح لم تمنع ما حصل. ومجرد استمرار الاقتتال بمعدلاته الحالية كارثة فكيف اذا تفاقمت أكثر. حتى الآن، نسمع القيادات والفصائل والاحزاب والفعاليات والمجتمع المدني يرفضون الاقتتال ويعتبرونه خطا احمر. ولكن، هناك اصوات شاذة موجودة داخل الفصائل والمجتمع تستخف بخطر الحرب الاهلية، وتتحدث عن حتمية الحرب الأهلية بسبب وبحجة عدم وجود حلول وبدائل اخرى. وتصب هذه الاصوات الزيت على النار من خلال التخوين والتكفير من هذا الطرف او ذاك للطرف الاخر، بحجة ان هذا عميل لاميركا واسرائيل تارة، وذاك عميل لسورية وايران تارة أخرى. ان هذه الاصوات يجب ان تخرس. واذا استمرت في بث سمومها يجب فضحها امام الناس. وبعض من يرددون مثل هذه الافكار المدمرة يفعلون ذلك بحسن نية، فهم لا يعرفون ما هي الحرب الاهلية، وبعضهم يعرف ولكنه لا يرتدع لانه يعتبر نفسه "ظل الله على الارض"، و"قوة ايمانية" او لانه يردد في سره "كل شيء يهون من أجل استعادة جنة السلطة المفقودة". الحرب الاهلية في كل الاحوال والظروف مدمرة. وهي مدمرة بصورة مضاعفة عندنا بسبب عدم وجود قضية تبررها. كما ان هناك بدائل اخرى، فاذا كان التعامل مع الاحتلال يتم بالمفاوضات او المقاومة او بالجمع بينهما فيمكن ان يكون الحوار هو الاسلوب الوحيد لحسم الخلافات الداخلية. وعندما يكون هناك احتلال يفترض من الجميع التوحد في مواجهته، والنضال لازالته. فالاحتلال خطر داهم على الفلسطينيين، ويجعل ما يوحدهم أكبر بكثير مما يفرقهم. وعندما يدحر الاحتلال، عندها وعندها فقط لكل حادث حديث. ولكن من يدحر الاحتلال لا يدخل في حرب اهلية، لأنه يدرك طهارة السلاح وشرف القضية وقداسة الشعب. على الجميع ان يتذكر ان كل الطاقات والجهود والكفاءات والابداعات يجب ان تصب باتجاه النضال ضد الاحتلال. والتنوع والمنافسة والخلاف يجب ان يكون في اطار الصراع ضد الاحتلال. والمقاومة كانت دائما ضرورية وستبقى عامل توحيد، والمقاومة ضرورية ما دام الاحتلال قائماً، وما دام لا يوجد هناك عملية سلام قادرة على انهاء الاحتلال. ولكن السؤال يبقى: ما هي المقاومة ذات الجدوى، والضرورية، والقادرة على دحر الاحتلال.

 

 

مشاركة: