لو افترضنا جدلاً، ان حماس وكافة الفصائل الاخرى وافقت على تشكيل حكومة وحدة وطنية برنامجها يستند إلى قبول شروط اللجنة الرباعية الدولية، في هذه الحالة سيتم تشكيل حكومة من كافة الكتل الممثلة في المجلس التشريعي بحجم تمثيلها، اضافة الى عدد من الكفاءات الوطنية المستقلة.
فما الذي يمكن ان يحصل؟ وهل ستنتهي الازمة؟
اذا كانت الازمة تتعلق اساساً بعدم قدرة السلطة على صرف الرواتب، ففي هذه الحالة ستجد حلاً لها، فإسرائيل ستفرج عن الاموال المحتجزة لديها، وهي وصلت إلى 550 مليون دولار، ولكن الافراج عن الاموال لن يتم دفعة واحدة ولكن على دفعات، وبالارتباط بمدى التزام السلطة بها، وفعلاً بشروط الرباعية والتي تتضمن الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود، والالتزام بالاتفاقات الموقعة، ونبذ العنف، ويمكن ان تطالب اسرائىل حتى تفي بالافراج عن الاموال وتحويل الاموال التي تحصلها مستقبلاً بفك البنية التحتية للمقاومة ومنع المقاومة وملاحقة واعتقال المقاومين، وايضاً سيزيل المجتمع الدولي الحصار المالي والعزلة الدولية، وسيعطي الضوء الاخضر للبنوك لتحويل الاموال المجمعة في الجامعة العربية، او التي ستقرر الدول المانحة صرفها للفسطينيين دون ان تخشى من ادراجها على قائمة المؤسسات الارهابية، وتلك التي تساعد الارهاب، وما يعنيه ذلك من توجيه ضربة قاصمة للبنك الذي تلتصق فيه مثل هذه التهمة.
وستجد الحكومة التي تفي بشروط الرباعية، والتي توافق عليها الفصائل تأييداً فلسطينياً لكن لن يكون هناك اجماع وطني عليها. وسيرحب بها النظام الرسمي العربي، ولكن الشعوب العربية ستنقسم بين من يقبل بما يقبل به الفلسطينيون، وبين من يعتبر القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية تهم الفلسطينيين، بل تهم العرب والمسلمين والاحرار في العالم كله، وستتعرض السلطة والحكومة لانتقادات ومعارضة من جبهة الممانعة العربية والاسلامية من طهران إلى دمشق إلى حزب الله.
اذاً الحصار المالي سيرفععن حكومة تعترف باسرائيل وتنبذ العنف وتلتزم بالاتفاقات الموقعة، وستعود الرواتب السابقة الى الموظفين، وان على دفعات، ولكن المعضلة ان الازمة لا يمكن اختزالها بأزمة رواتب، حتى تجد حلاً بعودة الرواتب.
الازمة في الاصل، ازمة شعب تحت الاحتلال، ازمة قضية بحاجة إلى تحقيقها.. ازمة مشروع وطني، لم يحقق اهدافه بالحرية والعودة والاستقلال. ازمة احتلال واستيطان مستمر وجدار مستكمل واعتقالات متواصلة، وحصار وتقطيع اوصال وسيطرة على الارض وثرواتها ومصادر المياه، وتهويد القدس وتشويه للتاريخ، ومحاولة لمصادرة الحاضر والمستقبل عبر فرض حقائق على الارض تجعل الحل الاسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح عملياً. وما سبق يعني ان مثل هذه الحكومة التي تعترف بالشروط الدولية الثلاثة دون الزام اسرائىل بشيء بالمقابل، الا باستئناف المفاوضات دون مرجعية ما عدا الحديث عن خارطة الطريق التي لم توافق اسرائىل عليها، بل ربطت موافقتها عليها بالملاحظات الشهيرة، التي فرغتها من مضمونها واعادة صياغتها لتبدو خارطة طريق اسرائيلية وليست دولية، ستكون حكومة دمية بيد الاحتلال.
اذاً مثل هذه السلطة وحكومتها لن تستطيع ان تحرك ساكناً ضد الاحتلال بل عليها ان تنتظر الكرم الاسرائيلي الذي سيتوقف على ابداء جدارتها من خلال التحول عملياً الى "ادارة مدنية" تحت الاحتلال مهما كانت التسمية التي تطلق عليها "ادارة مدنية" ترعى شؤون السكان وتقبل بما يعرضه عليها الاحتلال، وهذا ان حدث يكون بمثابة اطلاق رصاصة الرحمة على الحركة الوطنية المعاصرة بجناحيها الوطني والاسلامي.
الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود، والالتزام بالاتفاقيات، ونبد العنف دون التزام اسرائيل بالمقابل بالحق الفلسطيني، يعني استسلاماً كاملاً امام اسرائيل، وهذا يعتبر اعادة انتاج لما سبق من اعتراف فلسطيني باسرائيل مقابل اعتراف اسرائيلي ليس بالحق الفلسطيني، ولا بدولة على ارض 7691، وانما بالمنظمة وبالسلطة المقيدة محدودة الصلاحيات. هذا في الوقت الذي تجاوزت فيه اسرائيل الاتفاقات الموقعة، ولم تبق سوى على ورقة الاعتراف المتبادل، سيئة الصيت والسمعة، وفي الوقت الذي اسقطت الحل المتفاوض عليه، والشريك الفلسطيني ومرجعيات عملية السلام، مثل مبدأ "الارض مقابل السلام" ووضعت الامن والمصالح والاهداف الاسرائيلية كمرجعية وحيدة لعملية السلام، والاصح لعملية فرض السلام الاسرائيلي.
والاهم والاخطر من ذلك كله، ان الموافقة الفلسطينية الجماعية على الاعتراف باسرائيل، وبحقها بالوجود ستضع الفلسطينيين تحت ابتزاز دائم، بحيث تطلب منهم بعد ذلك وباستمرار تنازلات جديدة مثل الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، والتحول الى عمالة رخيصة عند اسرائيل، وجسر لتحقيق هيمنة اسرائيل على منطقة الشرق الاوسط، كما ستقود مثل هذه الموافقة الى انقسام سياسي وشعبي فلسطيني وفي الفصائل والاحزاب الفلسطينية التي تورطت في هذه الورطة، وستعاني حركة حماس اذا قبلت بذلك من التشرذم والانقسام، فهي قامت وزادت شعبيتها لانها رفعت لواء القضية الوطنية، بعد ان غاب عنها الاسلام السياسي حوالي عقدين من الزمن منذ الاحتلال الاسرائيلي العام 7691، وامتشقت سلاح المقاومة الذي شكل الرافعة الكبرى لحماس، مثلما كان الكفاح المسلح، الرافعة الكبرى لفتح وللثورة الفلسطينية المعاصرة وسيصبح مصير حماس، وبسرعة صاروخية، شبيهاً بمصير حركة فتح، التي وافقت على اتفاق اوسلو وملحقاته، وسارت وراء استراتيجية السلام كخيار وحيد ما ادى الى ضياع هويتها وبرنامجها ووحدتها، والنتيجة اصبحنا امام واقع تعمق فيه الاحتلال ولم تعد هناك عملية سلام، ان الاعتراف المتجدد والمجاني باسرائيل وبالاتفاقات الموقعة ونبذ العنف، سيؤدي الى فراغ وطني ومبادئ سرعان ما يتم ملؤها بافكار واشخاص واحزاب جديدة. فالقضية الفلسطينية ليست مجرد قضية وطنية معلقة في السماء، وضاربة في جذور الارض واعماق التاريخ فحسب، بل قضية تتعلق ايضاً بمصالح وحقوق واحلام وتطلعات شعب بكامله، شعب عانى وما زال يعاني، داخل وطنه المحتل وخارجه.
واذا لم يعد هناك من يرفع لواء القضية الفلسطينية ويدافع عنها ويسعى لتجسيدها لان من كان يحملها اسقطها او تعب من النضال، فان هناك حتماً من سيظهر ويحمل لواءها من جديد هكذا كان الامر منذ اكثر من مائة عام، عندما بدأ بالظهور ما أخذ يعرف باسم القضية الفلسطينية. وهكذا سيكون الامر الى ان تتجسد بحل يرضى عنه الفلسطينيون.
تأسيساً على ما سبق، نستخلص مما تقدم انه مثلما يعني قيام حكومة وحدة وطنية على اساس وثيقة الأسرى فقط، استمرار وتشديد الحصار والعزلة الدولية وبالتالي عدم تقدم المشروع الوطني، فإن قيام مثل هذه الحكومة على اساس قبول الشروط الدولية يعني فك الحصار والعزلة الدولية مقابل تصفية القضية، والاستسلام امام الاحتلال.
القضية الآن ودائماً ليست مجرد قضية رواتب، واي حل للأزمة الراهنة يجب ان يجمع بين حل ازمة الرواتب والحفاظ على المشروع الوطني، وهذا يمكن ان يتحقق من خلال بلورة برنامج وطني واقعي، يحفظ الحقوق ويتيح للمنظمة والسلطة والحكومة القدرة على العمل بفعالية، هنا الوردة، وهنا يجب ان نرقص معاً!!