المؤتمر السنوي الرابع |

القضية الفلسطينية والبعد الدولي


في ختام اليوم الثاني لمؤتمر مركز مسارات الذي عقد في الضفة وغزة

الدعوة إلى اعتماد مقاربة تدويل الصراع ضمن إستراتيجية شاملة تقوم على الوحدة وتغيير ميزان القوى

 

التدويل والتعريب

(البيرة، غزة) – مركز مسارات: ناقش اليوم الثاني من المؤتمر السنوي الرابع لمركز "مسارات" في جلسته الرابعة "التدويل والتعريب" التي ترأسها د. أحمد جميل عزم، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة بيرزيت، مجموعة أوراق لكل من: د. نبيل شعث "التدويل والتعريب أساس في الإستراتيجية الفلسطينية الجديدة"، ود. باسم نعيم "المجتمع الدولي والقضية الفلسطينية رافعة أم عقبة"، فيما قدم د. نبيل قسيس ورقة حول " التدويل والتعريب: علاقة تكامل أم تناقض؟: المؤتمر الدولي الشامل شبه الدائم: منبر لتكامل الأدوار". كما عرض د. كميل منصور ورقة بعنوان "تعريب: أم أقلمة وتمزق"؟

وقال شعث، مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، عضو لجنتها المركزية: "من لديه أمل أن تحقق عملية المفاوضات شيئا فهو واهم، لذلك نجده يشدد على أنه لا بد من إحداث تغيير جذري في موازين القوى للضغط على إسرائيل انطلاقا من الشارع والجماهير، والحرص على استمرار المواجهة مع العدو، والانتقال للعالم من أجل الوصول إلى عزل اسرائيل ومقاطعتها دوليا".

واستدرك قائلا: "لا أمل لنا بغير ذلك، عندها يمكن للتدويل والتعريب أن يحقق أهدافنا، الذي يجب أن يكون عنوانا لإستراتيجية توجهنا الجديدة لتكون بديلا عن ما عاشته عملية السلام وحصرها بالقطب الواحد المنحاز للجانب الإسرائيلي ووقوفه ضدنا، وبالتالي فإن التحول إلى التدويل هو لمصلحتنا، مؤكدا وجود فرصة دولية مواتية في تدويل قضيتنا في الوقت الذي تعاني فيه الدول العربية من كارثة يصعب معها التعريب ولو مؤقتا أو جزئيا".

وقال: "هناك فرص عديدة علينا استخدامها، فيجب تحقيق الوحدة الوطنية التي من شأنها فتح مصر على غزة، والارتقاء بمستوى العلاقة مع الأردن لاعتماد عملة الدينار الأردني في الأراضي الفلسطينية بدلا من الشيكل، وصولا إلى إنهاء الاحتلال".

وطالب نعيم، رئيس مجلس العلاقات الدولية، وزير الصحة السابق والقيادي في حركة حماس، بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يعكس وحدة الموقف السياسي، ومراجعة الفترة السابقة من العمل الفلسطيني بشكل عام، وإعادة رسم إستراتيجية فلسطينية في ظل المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية بما يلبي طموحات شعبنا في الحرية والاستقلال، ووقف كل أشكال التفاوض مع الاحتلال والتطبيع والتنسيق الأمني، ومراجعة العمل الديبلوماسي الفلسطيني في الفترة السابقة، والاستفادة من التنوع الفلسطيني سياسياً وأيديولوجياً لفتح آفاق ومساحات جديدة، واستهداف كل مكونات المجتمع الدولي وبوسائل متعددة، والتوقف عن التطبيع المجاني مع الاحتلال، والاستفادة من التطورات التكنولوجية في الإعلام الجديد "العولمة"، والاستفادة القصوى من المساحات المتاحة في القانون الدولي لمحاصرة ومحاسبة الاحتلال، وإجباره على وقف عدوانه وإنهاء احتلاله.

فيما أكد قسيس، الوزير السابق ومدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، أن التوجه إلى التدويل وتفعيل الجهد الدولي أصبح ضرورة واضحة إذا كان للقضية الفلسطينية أن تجد طريقها إلى التسوية، مؤكدا في الوقت نفسه أن التعريب جُرِّب وهو لم يعد بالفائدة على القضية الفلسطينية، بل إنه كان يجلب معه تنازلات مجانية.  أما ما يمكن أن يفيد، فهو أن تشارك الدول العربية ذات التأثير، في جهد دولي لإنهاء الصراع في المنطقة، لما فيه مصلحتها، ولدرء المخاطر عن نفسها، فتسهم في الوصول إلى حل سيحتاج بالضرورة إلى ما لدى بعضها من تأثير أو مآل أو كليهما.

وخلص إلى أنه يجب العمل من أجل عقد مؤتمر دولي شامل شبه دائم، يلتئم ولا ينفض إلا بالوصول إلى تسوية، ويصبح الدفع باتجاهه ضرورة دولية تعني جميع الدول التي تحرص على مصالح شعوبها.

 

ساحة الصراع الدولي

تمحورت الجلسة الخامسة التي ترأستها نادية أبو نحلة، مديرة طاقم شؤون المرأة في قطاع غزة، حول ساحة الصراع الدولي، وعرض فيها معين رباني ورقة حول "التدويل: آفاق جديدة أمام حق تقرير المصير"؟، وقدم د. مهند مصطفى ورقة حول "تدويل القضية الفلسطينية: بين تدويل الصراع وتدويل الاعتراف"، وأخيرًا عرضت د. عبير ثابت ورقتها حول "المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتحديات التدويل".

ويرى رباني، باحث متقدم في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أن التحدي الرئيسي حاليا في كيفية المبادرة لإعادة تدويل القضية ونزعها من احتكار القطب الواحد الأميركي المنحاز، داعيا للاستفادة من التحول الجذري في الموقف الأوروبي وبلدان أميركا اللاتينية، ودفع الرأي العام الأوروبي لتبني مواقف داعمة للقضية الفلسطينية.

كما دعا إلى الاستفاة من التوتر في العلاقة الإسرائيلية الأميركية، وإثارة قضايا مدروسة في مجلس الأمن لوجود فرص لإقناع أميركا بعدم استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، مشددا على ضرورة تدويل الصراع قبل تدويل الحل.

وقال لا يمكن التقدم في إستراتيجية التدويل لطالما القرار السياسي الفلسطيني متورط (على حد وصفه) في أوسلو".

من جهته، أكد مصطفى، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"  ومركز مدى الكرمل، أن تدويل الاعتراف يحمل مصادر قوة كبيرة للجانب الفلسطيني، تتمثل بـ: الانضمام إلى المؤسسات والمعاهدات الدولية، الحضور السياسي، والرمزي والديبلوماسي في الساحة الدولية، إمكانية مواجهة دولة الاحتلال من خلال أدوات دولية لم تكن متوفرة في السابق، التعامل مع السلطة الفلسطينية كدولة وليس مجرد كيان سياسي ما دون الدولة، إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في الدبلوماسية العالمية ومصدر ضغط على دولة الاحتلال للقبول بواقع الدولة بعد قبول غالبية دول العالم بصفة الدولة للسلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأشار إلى أن تدويل الاعتراف قبل تدويل الصراع يحمل جوانب تضعف المشروع الوطني الفلسطيني، فتدويل الاعتراف غيّب منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين في الوطن والشتات، واستبدلها بدولة فلسطين الممثلة لمواطنيها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا سيقلص من قدرة الممثل الفلسطيني على تمثيل اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود الدولة، لا سيما أن القانون الدولي لا يمنح، عادةً، الحق لدول أن تمثل "أقليات" في دول أخرى.  علاوة على ذلك، فإن التدويل يقلِّص مساحات العمل السياسي ضمن حركة تحرر وطني، لأنه يفرض على الحركة الوطنية سلوكيات دولة قبل الوصول إلى حالة الدولة، وهو يجعلها لصيقة بمنظومات قيمية تُفرض عليها في إطار تدويل الاعتراف.

وأشار إلى أن المطلوب فلسطينياً التوجه نحو التدويل ضمن إستراتيجية أكثر تنظيماً تهدف إلى تدويل الصراع أولاً، وفحص المكاسب والخسائر بين تدويل الاعتراف دون تدويل الصراع، وبين العودة إلى الخلف نحو مواقع حركة التحرر.

 أما ثابت، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الأزهر  – غزة، فدعت القيادة الفلسطينية إلى رفض القطب الواحد لرعاية المفاوضات، مشددة على وجوب العودة إلى الأمم المتحدة وقراراتها الملزمة لدولة إسرائيل ، وكذلك الاستفادة من القرارات الدولية والاعتراف بالدولة الفلسطينية وكيفية توظيفها وتشكيل جبهة ضاغطة .

وأكدت على ضرورة تغيير موازين القوى لصالح شعبنا وقضيته العادلة وتوسيع حركة المقاطعة العالمية، وتفعيل السفارات والديبلوماسية الفلسطينية، إضافة إلى تعزيز صمود شعبنا بانهاء الانقسام وضرورة استئناف الحوار الوطني الشامل وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الفئوية والذهاب متحدين للتفاوض مع الإسرائيليين.

 

التدويل والإستراتيجية الوطنية الفلسطينية

وفي الجلسة السادسة والأخيرة التي ترأسها طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي، والتي تركزت على التدويل والإستراتيجية الوطنية الفلسطينية، ناقشت أربع أوراق لكل من: د. جمال الخضري "الوحدة الوطنية والتدويل"، ود. جورج جقمان "كيف تصبح انتفاضة ثالثة؟"، ود. إبراهيم أبراش "التدويل في إطار إستراتيجية وطنية شمولية"، وأخيرًا قدم د. عزمي الشعيبي، ورقته حول "التدويل والمشروع الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية".

ففي مجال الوحدة الوطنية وتعزيز الموقف الدولي من القضية الفلسطينية قال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار على قطاع غزة، أن الانقسام الداخلي الفلسطيني أثَّر سلبا على أداء الكل الفلسطيني، ويرى أن الأخطر من ذلك، أن فشل الكثير من المحاولات التي جرت لإنهاء الانقسام؛ دفع أطرافاً أو شخصيات دولية إلى تقديم مبادرات لإنجاز المصالحة الفلسطينية، من خلال عروض ومساومات مختلفة.

وأكد أن المدخل الأكثر عملية لإنهاء الانقسام، لا يتمثل في المزيد من حوارات المصالحة التي مل منها الشعب الفلسطيني بمقدار ما يتمثل في إرادة حقيقية للبدء في خطوات عملية سريعة لتنفيذ بنود المصالحة بكل صدق وإخلاص.  وفي هذه الحالة، فإن القوى والفصائل الفلسطينية سوف تستعيد، بشكل سريع، ثقة الجمهور الفلسطيني، واحتضانه لمشروع الوحدة الوطنية، واستعداده لتقديم ما من شأنه أن يدعم هذا الحلم الوطني، من أجل الانطلاق في مسارات مواجهة الاحتلال وسياساته ومشاريعه الخطيرة.

 وحول تساؤله كيف تصبح انتفاضة ثالثة؟ يرى جقمان، أستاذ في برنامج الماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان، ودائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت، أنه لن يكون أيٌّا من الخيارات الممكنة سوى عمل نضالي يتطلب تضحية، لكنه طرح خياران الأول يتمثل في: تأزيم العلاقة مع إسرائيل، من خلال خطوات عدة اصطلح على تسميتها لاحقاً "بالتدويل"، غير أن القيادة الفلسطينية أحجمت في أكثر من مرة عن اتّخاذ خطوات تؤدي إلى صدام فعلي مع إسرائيل، والخيار الثاني: ينطلق من الافتراض أنه لو نجح مسار التأزيم، وتمت العودة إلى المفاوضات، ما يمكن أن تقدمه إسرائيل، سواء أكان ذلك من قبل الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو، أم أي حكومة قادمة، لن يصل إلى الحد الأدنى المقبول فلسطينياً.

وقال: "إنه على الرغم من أن الموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية ما زال متمسكاً بحل الدولتين، ذلك أن هذا الحل ما زال أيضاً قابلاً للتسويق عربياً ودولياً، ولا يوجد حلا آخرا يعتبر "واقعياً" من منظور هذه الدول، فإن الواقع على الأرض في فلسطين ما فتئ يلغي بالتدريج هذا الخيار، إلى درجة أن العديدين أضحوا يرون أن هذا الحل أصبح في حكم المنتهي".

وأكد أبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهرة – غزة،  على أن التحولات في المشهد العربي والإسلامي، وضعف النظام السياسي الفلسطيني وانقسامه، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود، مع استمرار إسرائيل في عمليات الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، والعدوان على قطاع غزة؛ كل ذلك دفع القيادة الفلسطينية إلى المراهنة على الأمم المتحدة، من خلال محاولة انتزاع قرار أممي يعترف بالدولة الفلسطينية وينهي الاحتلال.

وقال "إن التعامل مع الشرعية الدولية يستدعي من القيادة وكل المكونات السياسية والاجتماعية الفلسطينية، إجراء مراجعة إستراتيجية شمولية بعيداً عن المناكفات السياسية والحسابات الحزبية الضيقة".

ويتوقع أبراش أنه ما بعد حصول الفلسطينيين على ما يريدون من الأمم المتحدة، سنكون أمام خيارات ثلاثة: إما العودة إلى المفاوضات مجدداً، أو الدخول في مواجهة مع الاحتلال، أو الجمع بين الأمرين وهو الشيء الصحيح، وفي جميع الحالات، لا مناص عن المقاومة حتى تصبح الدولة حقيقة قائمة.

وأكد أن كان لا بد من خوض معركة تدويل القضية، وحشد كل ممكنات القوة، إن لم يكن لتحقيق مكتسبات، فعلى الأقل لتقليل الخسائر. وقال الخلل لا يكمن في تدويل القضية والشرعية الدولية بحد ذاتهما، بل في أن بعض الفلسطينيين وضعوا التدويل والسلام في حالة تعارض مع المقاومة، ما أضعف مشروع السلام الفلسطيني والقائلين به، وأضعف نهج المقاومة والقائلين به.

وأضاف: إن موقفنا المؤيد لتدويل القضية الآن ضمن الشروط الوطنية المشار إليها، ينبع من تلمسنا وجود تحولات دولية شعبية ورسمية لصالح الشعب الفلسطيني يجب أن تُستثمر سياسيا.

بينما يعتقد الشعيبي، خبير في مجال الحكم الصالح ومكافحة الفساد، مستشار مجلس إدارة "أمان" لمكافحة الفساد، رئيس مجلس إدارة برلمانيون عرب ضد الفساد، أن الهبة الجماهيرية الحالية سيتم السيطرة عليها، وسيتم التراجع الإسرائيلي بما يخص المسجد الاقصى، مؤكدا وجود فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي بإنجاز الوحدة الوطنية ضمن قيادة موحدة في إطار منظمة التحرير.

وانتقد الشعيبي القيادة الفلسطينية بقوله "إن الفلسطينيين أصبحوا أسرى للمسار التفاوضي وابتعادهم عن اللجوء إلى أي مسار آخر. وقال:  "إن الرئيس ابو مازن يريد تغيير في بعض قواعد اللعبة من أجل تحسين الشروط التفاوضية، إذ إنه يريد استحضار العنصر الدولي في المفاوضات لتعزيز وضعه التفاوضي لكنه لم يغير في مسار المفاوضات باعتبارها ثنائية".

وأكد أن حركتي فتح وحماس هما القادرتيان على توجيه الهبة أو استثمارها أو توظيفها، ويرى أن لحركة فتح مصلحة في الهبة لأنها ستحسن من صورتها باعتبارها تقود النضال الوطني .

وفي ختام المؤتمر، عرض خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات أبرز التوصيات، ومنها:

أولا: إن الموجة الانتفاضية المتصاعدة في مواجهة نظام الاستعمار الاستيطاني العنصري والجرائم التي يرتكبها، تؤكد على حيوية القضية الفلسطينية وتمسك الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده بحقوقه الوطنية والتاريخية، ورفضه استمرار الأمر الواقع الذي تستغله إسرائيل لتعميق الاحتلال والاستيطان، وعزمه على تغيير المسار السابق الذي كرس بقاء السلطة ومؤسساتها في أسر علاقات السيطرة الاستعمارية العنصرية، لصالح استعادة مكانة القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني.

ثانيا: تؤكد وحدة الشعب الفلسطيني في ميادين التصدي لاعتدءات قوات وشرطة الاحتلال والمستوطنين والتيارات الصهيونية الأكثر عنصرية وفاشية، على وجوب إنهاء الانقسام السياسي الداخلي اليوم قبل الغد، واستعادة وحدة الكيان التمثيلي وبناء القيادة الواحدة والبرنامج الوطني المشترك.

وتتطلب هذه العملية الدعوة الفورية لاجتماع للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية (لجنة تطوير وتفعيل المنظمة)، والتوافق على توفير مقومات الدعم لتطوير الحالة الشعبية الانتفاضية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، وتطبيق قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورتيه في نيسان 2014 وآذار 2015، فيما يتعلق بإعادة تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال، إضافة إلى إدارة حوار وطني جاد وإستراتيجي، والعمل على تذليل العقبات وتعزيز المتطلبات الداعمة لإنجاح عملية إعادة بناء النظام السياسي الموحد، وتشكيل لجنة تحضيرية تتولى التحضير لعقد دورة عادية للمجلس الوطني في إحدى البلدان العربية، بما يضمن مشاركة جميع الفصائل الوطنية والإسلامية، ومراعاة توسيع تمثيل المرأة والشباب والمجتمع المدني في الوطن والشتات.

ثالثا: إحياء وتفعيل دور البعد الدولي كرافعة أساسية ضمن إستراتيجية وطنية شاملة للكفاح الوطني التحرري، بما يعزز تبني مقاربة تدويل الصراع بدلا من مقاربة تدويل الحل. إن خيار تدويل الحل المطروح حاليا بات خيارا عقيما لأنه يعيد إنتاج خيار المفاوضات الثنائية برعاية أميركية أو رعاية دولية شكلية، دون أسس أو مرجعيات، ودون التزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. أما تدويل الصراع، فمعناه إحياء العامل الدولي في دعم الكفاح الفلسطيني من أجل ضمان ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره.

وفي هذا السياق ثمن المؤتمر المشاركة النسوية الفعالة في الهبة الشعبية الانتفاضية، وتبنى توصيات المائدة النسوية التي دعت إلى تطبيق كل قرارات الأمم المتحدة المتصلة بالقضية ولصالح الشعب الفلسطيني، ومنها قرارات 338، و242، و194، ومتابعة التطبيق والتنفيذ على الأرض، ووضع برنامج وطني يتبنى كل أدوات النضال والمقاومة، من خلال خلق آليات محاسبة للمجتمع الدولي الذي يستخدم المعايير المزدوجة لتهميش القضية الوطنية، إضافة إلى أن تحقيق حقوقها ورغباتها وتأكيد إنسانيتها في كل المقاييس، وعدم المس بهويتها الذاتية وكرامتها الإنسانية، من شأنه أن يشكل، واقعياً، القاعدة الأساسية لتحقيق السلام العادل للنساء والرجال.

رابعا: إن العماد الأساسي لمقاربة تدويل الصراع في المرحلة المقبل يكمن في تنبني إستراتيجية وخطط عمل تنطلق من السعي لإحداث تغيير تراكمي في ميزان القوى عبر سياسات لتفعيل التكامل بين الكفاح الوطني التحرري في مواجهة النظام الصهيوني الاستعماري العنصري وتفعيل البعد الدولي في هذا الكفاح، بما يشمل اعتماد سياسة شاملة للتحرك في منظومة وكالات الأمم المتحدة، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، واحتكام دول العالم إلى قواعد القانون الدولي في تعاملها مع إسرائيل، والتبني الكامل لبرنامج حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وصولا إلى فرض العقوبات على إسرائيل وزيادة كلفة الاحتلال.

خامسا: إن انسداد الأفق أمام مقاربة تدويل الحل يتطلب اعتماد سياسات تجند الدعم العربي لمقاربة تدويل الصراع بالتركيز على رفع كلفة الاحتلال من خلال رفض التطبيع ودعم حملة المقاطعة وخيار تأزيم الصراع عبر توسيع المقاومة الشعبية والتوجه إلى هيئات الأمم المتحدة والوكالات الأممية، والحاجة لمقاربة عربية جدية لا تعامل إسرائيل كشريك للسلام.

سادسا: إقرار وتطبيق إستراتيجية متكاملة تقوم على استخدام القانون الدولي بشكل فاعل كأداة نضالية للتحرر من الاحتلال وليس مجرد أداة تكتيكية يمكن المساومة على تفعيلها، وإعادة القضية الفلسطينية إلى رحاب الشرعية الدولية بمؤسساتها وقراراتها، ومتابعة الجهود الفلسطينية والعربية والدولية لضمان قيام الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف بواجباتها بالضغط على سلطات الاحتلال، من أجل أن توقف احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني.

سابعا: رفض الاستجابة للضغوط الرامية لإطلاق عملية تفاوضية ثنائية برعاية أميركية أو تحت مظلة دولية شكلية، وتجنيد الدعم العربي والإسلامي والدولي لموقف فلسطيني يتمسك برفض إطلاق أية عملية سياسية إلا في إطار مؤتمر دولي مستدام برعاية الأمم المتحدة، يهدف إلى إنفاذ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

ثامنا: إعادة تشكيل الخطاب الفلسطيني الموجه للأطراف الإقليمية والدولية بعيدا عن التهديد اللفظي وبالاستناد إلى خطوات فعلية، بما يوضح أن الفلسطينيين موحدون في تصميمهم على تحقيق أهدافهم الإستراتيجية.