الرئيسية » هاني المصري »   09 تشرين الأول 2007

| | |
للمرة الرابعة "كاتيوشا" على إسرائيل: نحو سياسة فلسطينية منسجمة ومؤثرة
هاني المصري

 

سقط صاروخ من نوع "كاتيوشا" (غراد) على مستوطنة "نيتيفوت" الواقعة على بعد نحو 51 كيلومتراً إلى الشرق من الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وإسرائيل. واعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن الحادث خطير جداً، وأشارت الى أن الصاروخ من صنع محلي، رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها مقاومون فلسطينيون إطلاق صواريخ "كاتيوشا" على أهداف إسرائيلية على هذا البعد، فقد جرت أربع محاولات سابقة، لكنها المرة الأولى التي يسقط فيها صاروخ من هذا النوع داخل إسرائيل.


وتبنت إطلاق الصاروخ "كتائب شهداء الأقصى - وحدات الاستشهادي نبيل مسعود"، وصورته على أنه كارثة حلت بإسرائيل.

لا أعرف الجهة التي قامت بإطلاق الصاروخ، وهل تنتمي فعلاً إلى كتائب شهداء الأقصى، أم انها استخدمت كغطاء لجهات أخرى لا تريد أن تظهر بالصورة حتى لا تتحمل العواقب عن مثل هذه العملية. اطلاق الصاروخ على هذا المدى، يدل على أن المحاولات الفلسطينية لتطوير الصواريخ من حيث المدى والفعالية مستمرة، كما أن المحاولات الإسرائيلية لايقافها مستمرة سواء من خلال تطوير شبكة صواريخ قادرة على وقفها. وهذه خطة تحتاج لكي تنفذ كما صرح باراك وزير الدفاع الإسرائيلي من 3 - 5 سنوات.

ومن خلال القيام بعدوان عسكري متعدد الأشكال، من الاغتيال الى الاقتحام الى التفكير الجدي بتنفيذ عملية واسعة برية ضد قطاع غزة شبيهة بعملية "السور الواقي" التي نفذت في نهاية آذار العام 2002.

إن ما يمنع قوات الاحتلال من تنفيذ هذه العملية الواسعة عدة أسباب منها: أولاً ان هذه العملية يمكن أن تكون مكلفة بشرياً، والحكومة الإسرائيلية تبدو مترددة في دفع خسارة يمكن أن تصل إلى عشرات القتلى من الجنود والضباط واضعافهم من الجرحى في وقت لا تسبب الصواريخ الفلسطينية حتى الآن خسارة بشرية جدية.

ثانياً: إن إطلاق الصواريخ يقدم حجة لإسرائيل لاستمرار حصارها وعدوانها ضد شعبنا وخصوصاً في قطاع غزة. وكما يمثل ذريعة لاستخدام قوة همجية واسعة على أساس أن العدوان الإسرائيلي نوع من الدفاع عن النفس. فإسرائيل "انسحبت" من غزة والصواريخ الفلسطينية تلاحقها!.

هذه الصورة التي رسمتها إسرائيل، ساعدها على ترويجها - بدون قصد - الكثير من الفلسطينيين، من خلال الوقوع بالفخ وتصوير فك الارتباط عن قطاع غزة انسحاباً من القطاع وتحريراً له من الاحتلال، بينما هو في الحقيقة خطوة الى الوراء من أجل عشر خطوات إلى الأمام.

ثالثاً: إن الحكومة الإسرائيلية فكرت وستفكر كثيراً قبل أن تقوم بعمل عسكري شامل على غزة، فهي لا تفضل إعادة احتلال القطاع بصورة مباشرة، لأن مثل هذه الخطوة تعيد إلى الصدارة الخطر الإسرائيلي الذي يهدد الفلسطينيين، ويبعد الى الوراء خلافاتهم الداخلية التي وصلت الى الاقتتال والانقسام. فآخر شيء تريده إسرائيل هو توحيد أو المساعدة في توحيد الفلسطينيين، بل تهدف الى تعميق و تكريس الانقسام الفلسطيني لأنه يوفر لها فرصة ذهبية للتنصل من كل التزاماتها بالاتفاقات السابقة، ومن أية التزامات جديدة يمكن أن تفرضها عملية السلام. فالموقف الإسرائيلي الحقيقي لا يريد تقوية طرف فلسطيني على الطرف الآخر ليصبح هناك شريك فلسطيني قوي. ولو أرادت اسرائيل ذلك لفكرت بتوجيه ضربة قاصمة ضد حركة حماس حتى تشل قدرتها على تعطيل عملية السلام.

رابعاً: لدى اسرائيل وسائل الرد والعدوان الشيء الكثير، خصوصاً بعدما أعلنت قطاع غزة منطقة معادية. فمن العدوان العسكري متعدد الأشكال بما في ذلك الاقتحامات والاغتيالات والقصف الى الحصار وقطع الكهرباء والماء والمواد الأساسية.

السياسة الرسمية الإسرائيلية على سوئها واضحة ومفهومة الأسباب والدوافع، ومطالبة المعارضة الإسرائيلية بالرد الأقسى طبيعية في سياق اللعبة الداخلية الإسرائيلية التي تتكامل فيها الحكومة مع المعارضة الأدوار.

أما السياسة الفلسطينية فهي غير واضحة ولا منسجمة ولا فعالة وتأكل بعضها بعضاً. فالسياسة الرسمية تكتفي بإدانة الصواريخ العبثية والرد الإسرائيلي عليها. وهذا لوحده يقدم حجة قوية في يد "المعارضة" الفلسطينية. فلسان حالها يقول إذا كانت الصواريخ عبثية وخسائرها فلسطينياً أكثر بكثير من الخسائر الإسرائيلية، فإن الإدانة اللفظية لها، وبدون أي نوع من المقاومة، هو سير وراء الأوهام ومحاولة خاسرة لاحياء عملية سلام ميتة، وحتى إذا عادت للحياة، لأنها لن تستطيع تحرير الأرض وتستعيد الحقوق الفلسطينية. يجب أن يترافق نقد المقاومة العبثية بتأييد وتشجيع المقاومة المستمرة، مثل المقاومة الشعبية ووضعها ضمن الأولويات وتقديم كل أشكال الدعم لها. بدون ذلك تكون الصواريخ العبثية تقابل المفاوضات العبثية ويكون في هذه الحالة ما في حدا أحسن من حدا!.

سياسة المعارضة خصوصاً التي تلجأ الى استخدام الصواريخ غير مفهومة أيضاً، فهي من جهة تدعو باستمرار الى التهدئة، وتلتزم غالباً بالتهدئة، ومن جهة أخرى تقوم بين الفينة والأخرى بإطلاق الصواريخ، ما يمكن أن يفسر إما كاستدراج للقوات المحتلة لإعادة احتلالها قطاع غزة، أو كرد فعل أو وسيلة لتحسين الموقف الداخلي لمن يستخدمها.

السؤال هو هل المقاومة الفلسطينية مستعدة فعلاً لمواجهة احتلال مباشر جديد لغزة؟ أم أنها تراهن على عدم القيام به للأسباب المذكورة آنفاً؟ إن الفلسطينيين بحاجة الى مراجعة وتقييم تجاربهم على كافة المستويات والأصعدة بما في ذلك جدوى ان يأخذ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الطابع العسكري، وخصوصاً من خلال إطلاق قذائف وصواريخ على إسرائيل لا توقع خسائر جدية في إسرائيل، وتمكن اسرائيل من إيقاع أفدح الخسائر في صفوف الفلسطينيين. إن الكفاح المسلح، وحرب الشعب طويلة الأمد بحاجة الى خصائص وظروف محلية واقليمية ودولية مناسبة تمكنها من الاستمرارية والفعالية وايقاع خسائر مستمرة في صفوف الاحتلال. وهذه الظروف غير متوفرة الآن، فلا يوجد عمق جغرافي استراتيجي محلي وعربي واقليمي ودولي لاعتماد الكفاح المسلح كأسلوب رئيس في المقاومة الفلسطينية، فلا الأردن هانوي العرب ولا مصر الصين ولا الاتحاد السوفييتي، لتكون القاعدة الخلفية للمقاومة، وهذا يجعل المقاومة الشعبية مع الاحتفاظ بحق الفلسطيني بالمقاومة بكافة الأشكال، هي الشكل الرئيس للمقاومة في هذه المرحلة وفي ضوء موازين القوى والمعطيات المحلية والعربية والدولية.

لا أحد ينكر ان الصواريخ ترمز الى اصرار الشعب الفلسطيني على الصمود والمقاومة، وانها تزعج إسرائيل وتمس بنظرية الردع الإسرائيلية، ولكن وضعها ضمن حساب الربح والخسائر، يجعلها في المحصلة ضارة ليس لأن الخسائر الفلسطينية أكبر بكثير فقط من الخسائر الإسرائيلية، بل لأن مثل هذا النوع من المقاومة لا يمتلك أفقاً استراتيجياً يجعلها قادرة على تحقيق الانتصار أو تحقيق انجازات ملموسة على طريق الانتصار!.

مشاركة: