الرئيسية » هاني المصري »   29 آب 2009

| | |
إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة أو إقامة الدولة لإنهاء الاحتلال
هاني المصري

خطة الحكومة الفلسطينية لإنهاء الاحتلال وإقامة "الدولة" تنطوي على خلل بنيوي يكمن في محاولة الشروع في مهمات ما بعد الصراع "إقامة الدولة" بينما الصراع لا يزال في ذروته، ما يعفي الاحتلال من مسؤولياته ويحمل الفلسطيني المسؤولية مرتين :الأولى عن الفشل الذي حصدته المفاوضات السابقة والثانية عن الفشل القادم في بناء دولة تحت الاحتلال لأنها مهمة مستحيلة التحقيق.

ان خطة الحكومة تطرح تساؤلات عديدة :

المسألة الأولى هي : هل من حق الحكومة التي هي الاداة التنفيذية للسلطة، والتي هي بدورها مفترض ان تكون اداة من ادوات المنظمة ان تطرح الخطة لاقامة الدولة خلال عامين، بدون ان تقر هذه الخطة، التي هي خارج اختصاصها، من قبل منظمة التحرير الفلسطينية. فالمنظمة، كما تعترف السلطة، هي المرجعية العليا للشعب الفلسطيني وممثلة الشرعي والوحيد. والحكومة هي أداة تنفيذية لا تستطيع ان تقرر لوحدها إقامة الدولة بدون الرجوع لبقية مكونات السلطة، وللمنظمة و للشعب.

لا يكفي ان الرئيس شارك في احد اجتماعات الحكومة وتسلم الخطة وباركها بعد اقرارها . فالرئيس هو رئيس للسلطة والمنظمة في الوقت نفسه .

ان اقرار هذه الفكرة الاستراتيجية من قبل الحكومة بعيدا عن بقية مكونات السلطة وعن الشعب ، وبعيدا عن المنظمة التي لم تناقش اللجنة التنفيذية لها حتى كتابة هذه السطور ، يعتبر امرأ خطيرا ويمكن ان يصب في تعميق الانقسام وفي اضعاف المنظمة وتضخيم دور الحكومة على حسابها .

يقال ان المنظمة مشلولة ، وهي كذلك ، ولكن لا يمكن إقامة دولة فلسطينية حقيقية بدون استنهاض المنظمة واصلاحها وتطويرها واعادة تشكيلها ، بحيث تضم كافة مكونات الحركة السياسية الفلسطينية ، وبما يكفل توحيد الشعب الفلسطيني ، داخل الوطن وخارجه وزجه بقوة في معركة التحرر الوطني ومن اجل تحقيق اهدافه بالحرية والعودة والاستقلال .

المسألة الثانية هي الخلل الذي قامت عليه فلسفة الخطة. فالخطة تقوم على ان المفاوضات لم تتوصل الى اتفاق سلام رغم مرور 16 عاماً على توقيع اتفاق اوسلو، ما يوجب على الفلسطينيين اخذ زمام المبادرة والشروع في بناء مؤسسات الدولة، واقامة الدولة فعلا حتى تكون رافعة للجهد السياسي الرامي لانهاء الاحتلال، مع الاستمرار باعتماد المفاوضات كخيار وحيد أوحد، بدلاً من الاستنتاج الطبيعي بان الخيار الواحد هو السبب وراء الفشل ويجب فتح كافة الخيارات والبدائل الأخرى.

لن تبادر ادارة اوباما، كما يقول الدكتور سلام فياض بهذا الامر، بل على الفلسطينيين ان يبادروا الى اقامة دولتهم بانفسهم والبرهنة على انهم يريدون تحقيقها فعلاً، حتى لو اضطروا للدخول في امتحان "اثبات الجدارة" غير العادل، لكي يثبتوا من خلاله قدرتهم على الحكم والوفاء بالالتزام بالاتفاقات المعقودة بين المنظمة واسرائيل وبناء المؤسسات ، على اساس ان النجاح في هذا الامتحان سيحدث الاختراق في الوعي الدولي اولا والوعي الاسرائيلي ثانيا بما يمكن من اقامة الدولة في خضون عامين. إن الخوض في هذا الأمتحان يحرف طبيعة الصراع و يظهره كأنه صراع على اثبات جدارة الفلسطينيين أو على صناعة السلام أو نزاع على الأراضي و ليس صراعاً بين الفلسطينيين والاستعمار الاستيطاني الذي احتل ارضهم وشرد معظم شعبهم.

إن الحكومة تراهن على ان العالم كله، بما في ذلك اسرائيل بات يعترف بضرورة قيام دولة فلسطينية، لأن قيامها اصبح مصلحة اسرائيلية، ومصلحة تتعلق بالامن القومي الاميركي، ويساهم في توفير الامن والاستقرار في المنطقة والعالم، ولكن هذا لا يكفي بل اقامة الدولة بحاجه الى كفاح باسل قادر على تغيير موازين القوى وتوظيف الفرص والمعطيات الجديدة لصالح الحق الفلسطيني.

ان الخطة تعتمد اساساً، رغم ادعائها بخلاف ذلك في بعض جوانبها، على القبول الاسرائيلي بها، لانها ستتحقق من خلال التسوية السياسية وعبر المفاوضات فقط، لذلك الموافقة الاسرائيلية على اقامة الدولة ضرورية جدا لانجاحها، وحتى تتوفر هذه الموافقة لا بد من الاستجابة لكل او غالبية الشروط والاملاءات الاسرائيلية.

إن الاعتماد على الموافقة الاسرائيلية يظهر من خلال توقيت طرح الخطة وتحديد فترة عامين القصيرة جداً لتنفيذها كحد اقصى، وهذا له علاقة، رغم نفي فياض، بما طرحته ادارة اوباما عن التوصل الى حل خلال عامين، وما تسرب عن مضمون الخطة التي ستقدمها خلال الشهر القادم والتي تتضمن اقامة دولة فلسطينية خلال نفس الفترة.

لا ينفع لحرف الانظار عن شرط القبول الاسرائيلي لهذه الخطة الحديث عن ان اقامة الدولة سيتم بعد انهاء الاحتلال ورغما عن الاحتلال، لان جوهر الخطة ومدة تطبيقها يظهران بان اقامة الدولة سيسبق انهاء الاحتلال، وهو الرافعة الكبرى لانهاء الاحتلال. فمن خلال اقامة مؤسسات دولة تواصل التزامها بالتنسيق الامني مع اسرائيل وبخارطة الطريق، وما ادراك ما خارطة الطريق، وتهبط بالسقف الوطني الفلسطيني أكثر يمكن الحصول على موافقة اسرائيل بعد ذلك على الاعتراف بالدولة.

ان الفارق بين اقامة الدولة قبل انهاء الاحتلال واقامتها بعد انهاء الاحتلال جوهري وحاسم. وهو فارق بين ان تقام الدولة في مواجهة الاحتلال ورغماً عنه فعلاً، وبين ان تقام الدولة عبر التفاوض مع الاحتلال، اي وفقا لشروط المساومة التي تفرضها طبيعة المفاوضات، وبحيث تكون المساومة الممكنة في المسافة بين الحقوق الفلسطينية والتي تمثل الحد الادنى، والشروط الاسرائيلية التي تصفي هذه الحقوق كليا .

لا يكفي الحديث مجرد الحديث عن المقاومة او ممارستها بشكل رمزي او دعمها بشكل محدود، ولا يكفي الحديث عن الصمود وحق الدفاع عن النفس ورفض الاحتلال واجراءاته ومخططاته، بل لا يكفي الحديث عن التمسك بالبرنامج الوطني بينما يتآكل سقفه باستمرار، بدون وضع الاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق الاهداف الوطنية، وجعل الدولة الفلسطينية ليست مجرد هدف وانما هدف قابل للتحقيق.

لا يعني ما سبق عدم اقامة مؤسسات ولا تحقيق انجازات على مختلف الاصعدة والمستويات الامنية والاقتصاية والادارية والمؤسساتية، كما فعلت الحكومة خلال الاعوام الاخيرة، ولكن بدون ربط كل ذلك بمؤسسات دولة ناجزة، وانما من خلال وضعها في سياق خدمة البرنامج الوطني الذي يفرض المجابهة السياسية واعتماد المقاومة المثمرة للاحتلال كأولوية تعلو على كافة الأولويات الاخرى.

المسألة الثالثة هي ضرورة الوقوف أمام طبيعة و خصائص المشروع الصهيوني الإسرائيلي. فالاحتلال الإسرائيلي ليس احتلالا تقليديا يستهدف السيطرة على الثروة والأسواق والموارد البشرية والطبيعية والموقع الاستراتيجي لفلسطين فقط، وإنما هو احتلال استعماري إجلائي عنصري، قام على عقيدة تؤمن بان ارض فلسطين هي ارض إسرائيل، وفي أن اليهود هم أصحاب البلاد الأصليين وأنهم عادوا إليها وأقاموا دولة إسرائيل عليها بعد أن "حرروها" في حربين الأولى حرب عام 1948، والثانية حرب عام 1967.

ان هذه الحقيقة يجب أن نتذكرها دائما، فهي التي تفسر عدم جاهزية إسرائيل للاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى بعد أوسلو واعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل، وتخليهم عن المقاومة، واعتمادهم المفاوضات كطريق وحيد لحل الصراع .

لقد جرب الفلسطينيون تحت قيادة أبو عمار المفاوضات منذ مؤتمر مدريد وحتى اغتياله عام 2004، وفشلوا في تحقيق الدولة الفلسطينية. وجرب الفلسطينيون تحت قيادة أبو مازن وطوال الخمس سنوات الماضية الطريق الذي تقترحه الخطة الآن وتقدمه وكأنه اختراع جديد ولم ينجح في تحقيق الأهداف الوطنية.

لقد حصل الفلسطينيون مقابل موافقتهم على الدخول في اختبارات غير عادلة لا تنتهي لإثبات الجدارة على مزيد من التعنت الإسرائيلي وتكثيف الاستيطان مواصلة بناء الجدار، وتهويد القدس واسرلتها، والحصار الخانق لغزة، وعلى حكومة إسرائيلية هي أكثر حكومة تطرفا وعدوانية منذ تأسيس إسرائيل و حتى الآن .

إن استخلاص الدروس و العبر من تجربة المفاوضات كخيار وحيد مهم جدا، فهو لم يؤد الى السلام وإنما الى الاستيطان، و إن مرور أكثر من سبعة أشهر على تولي إدارة اوباما الحكم، بدون أن تقنع حكومة إسرائيل بتجميد الاستيطان، و لو مؤقتا، يقدم لنا درسا جديدا. فإذا كان تجميدا مؤقتا وشكليا للاستيطان، ولا يشمل القدس ولا الوحدات السكنية قيد الإنشاء ولا المرافق العامة سيكلفنا أكثر من عدم تجميده، فكيف يمكن أن تستطيع الإدارة الأميركية أقناع إسرائيل بالانسحاب من القدس وإزالة المستوطنات و إقامة دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة على حدود 1967 .

المسألة الرابعة هي أن طرح الخطة بهذا التوقيت بالذات وبهذه الشاكلة وفي ظل الانقسام الفلسطيني والهوان والشرذمة العربية أي بدون وحدة وطنية ولا مقاومة شعبية سلمية شاملة، وبلا تجنيد لطاقات جميع الفلسطينيين خصوصا اللاجئين اللذين تتجاهلهم الخطة، وبدون استنهاض العامل العربي والإسلامي والدولي المناصر للقضية الفلسطينية سيؤدي في احسن الأحوال الى"دولة البقايا". . أي الى دولة لا تملك مقومات الدول ، دولة بلا سيادة . هذا مع العلم أن السيادة هي العنصر الرئيسي لأي دولة الذي يعطي المعنى لكافة المقاومات الأخرى للدول و السيادة ضرورية جدا رغم التغير النوعي على مضمونها بعد عصر العولمة ، لأنه بدون سيادة سنكون بعد عامين و ربما عشرة أعوام ، أمام الحكم الذاتي المحدود و لقد استمر أو تحوله الى حكم ذاتي واسع و لكنه أصبح يحمل اسم دولة . فالدولة الفلسطينية حتى تكون دولة يجب أن تكون منذ لحظة ولادتها دولة ذات سيادة و تقوم على 67 لأن دولة المعازل المقطعة الأوصال سواء قامت على جزء صغير أو كبير من حدود 67 لن تكون دولة أو محمية فلسطينية .

المسألة الخامسة: إن طرح إقامة دولة عن طريق التفاوض، وليس بفرضها بالقوة كما فعلت إسرائيل يجعلها رهينة للشروط الإسرائيلية. فالاعتراض ليس على بناء مؤسسات الدولة ولا على إعلان الدولة مرة أخرى في وقت مناسب ولا على الأهداف، وإنما على الاستراتيجيات المعتمدة، فالتنسيق الأمني مع الاحتلال وتطبيق الالتزامات من جانب واحد لا يقود الى الدولة وإنما في احسن الاحوال الى تحسين شروط حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، والى إعادة بناء مؤسسات السلطة التي دمرها الاحتلال بعد عام 2000 بصورة أفضل، و بما يمكن السلطة من إعلان نفسها دولة و ما هي بدولة .

لا يمكن إقامة المشاريع المختلفة في المناطق المصنفة ج و لا إقامة حدود سكة حديد و لا بناء مطار في الغور أو في أي مكان يخضع للسيادة الإسرائيلية بدون موافقة إسرائيل ، و إذا كنا قادرين على إجبار إسرائيل على قبول إقامة دولة ذات حدود 1967 من خلال المفاوضات و "إثبات الجدارة" فلماذا لا نجبرها على تامين حرية تنقل الفلسطينيين ، بما فيهم الرئيس و رئيس الحكومة و على عدم التوسع الاستيطاني و وقف تهويد القدس و اسرلتها و فك الحصار الخانق على غزة .

أقصى ما يمكن أن نفعله تحت هدي هذه الخطة ما فعلناه منذ عام 1993 ــ2000 و هو تحقق بموافقة إسرائيل وعبر تقديم ثمن باهظ من الفلسطينيين في إطار قبولهم بالحكم الذاتي .

فهل المطلوب مأسسة السلطة وتحويلها الى دولة على مساحة أكبر قليلا أم إزالة الاحتلال وإقامة دولة حقيقية على حدود 1967.

لا يكفي القول ان إقامة الدولة حق وواجب وممكن لأن الامر الأكثر أهمية هو كيفية تحقيقها وبأسرع وقت و بدون أوهام بان الدولة باتت مرة أخرى على مرمى حجر !!!!!!!!!!!!!!!!!!!

 

مشاركة: