الرئيسية » هاني المصري »   01 شباط 2011

| | |
كيف تعاملت القيادة سياسيا و إعلاميا مع حملة "الجزيرة"؟
هاني المصري

 

أثار برنامج "الجزيرة" كشف المستور ردود فعل متباينة ومتعاكسة إلى أبعد حد، بين مؤيد ومعارض، وثالث ضاع في الاستقطاب الحاد وحاول أن يكون متوازنا وموضوعيا.

من حق " الجزيرة" أن تحصل على أي معلومات، ومن واجبها أن تبثها لكي يعرف الرأي العام حقيقة ما يدور، وبذلك حققت "الجزيرة" سبقا إعلاميا جعلها تحوز على أكبر نسبة من المشاهدين على امتداد أربعة أيام كاملة.


الخطأ الفادح الذي وقعت فيه "الجزيرة" تجسد في الكيفية التي بثت فيها الوثائق، حيث كان فيها الجانب المهني المبهر، كما كان فيها السياسي الذي تميز بقدر كبير من المبالغة والتحريض والخلط، بحيث تحولت "الجزيرة" إلى طرف سياسي وليست وسيلة إعلام، وانحازت بشكل سافر لطرف فلسطيني ضد الطرف الآخر، وهذا ظهر من خلال ضخامة الحملة وبالاستنتاجات ومواقف الضيوف ونوعياتهم واسئلة المذيعين وتصرفاتهم.

أما بالنسبة للتوقيت فهي مسألة سياسية وليست مهنية، فمن ناحية مهنية لا غضاضة بالتوقيت أما لجهة المسؤولية الوطنية فليس هذا هو التوقيت المناسب، لأن القيادة الفلسطينية أوقفت المفاوضات وبدأت تحركا ديبلوماسيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية واللجوء إلى مجلس الأمن وبدأت الالتفات إلى المقاومة الشعبية ومقاطعة الاستيطان.

على عكس الاعتقاد الراسخ الذي عبرت عنه القيادات ووسائل الإعلام الفلسطينية الرسمية بأن كيد "الجزيرة" ارتد إلى نحرها، فإن الرد السياسي والإعلامي الرسمي أعطى مصداقية كبيرة لادعاءاتها.

فبدلا من التركيز على عرض وشرح المواقف الفلسطينية و الاعتراف بصحة الوثائق أو عرض الوثائق الأصلية والسعي لتوضيح الموقف الرسمي منها تميز الرد الفلسطيني بالارتباك والتشنج والتناقض، ووقع في المحذور الذي وقعت فيه "الجزيرة"، وهو المبالغة والتحريض ورد الاتهام، و الدلائل على ذلك ما يلي:

*لقد تم تحويل القضية الى قضية "الجزيرة" وقطر وأميرها وعلاقاته بإسرائيل و الولايات المتحدة الأميركية. ومن يقبل أن تصبح الجزيرة قضيته أصبح بلا قضية. والفلسطينيون عليهم أن لا يسمحوا لأحد، لا للجزيرة و لا لغيرها بحرفهم عن قضيتهم.

*روج الرد الرسمي تارة أن حملة الجزيرة أميركية – إسرائيلية تستهدف منع القيادة من اللجوء إلى مجلس الأمن ودفعها لاستئناف المفاوضات، وتارة أخرى اعتبر أن الحملة تستهدف تعميم الثورة التونسية وبث الفوضى ونزع الشرعية عن القيادة الفلسطينية وخدمة حماس. وتارة ثالثة اعتبر أن الحملة تستهدف إعادة القضية الفلسطينية إلى الحاضنة العربية على حساب المنظمة.

يوجد في هذه الاتهامات تناقضات كبيرة، لأن المؤامرة إذا كانت أميركية إسرائيلية فهي لا يمكن أن تخدم حماس لأنها مرفوضة من حكام واشنطن وتل أبيب، وإذا كانت لخدمة حماس لا تكون من أجل إعادة الحاضنة العربية، لأن حماس مختلفة مع النظام الرسمي العربي، وهي امتداد لحركة الإخوان المسلمين التي هي حركة سياسية إسلامية لا تعطي الأولوية للعروبة و لا النظام العربي.

*تراوح الرد الفلسطيني بين الاعتراف بصحة الوثائق أو صحة بعضها أو نفيها، أو الاعتراف أنها مجرد ثرثرة ومحاضر اجتماعات ليست ملزمة ولا تعكس الموقف الرسمي.

إن الوثائق صحيحة، والدليل على ذلك أن صحيفة "الغارديان" الجريدة الرصينة التي تحترم سمعتها ومصداقيتها وتاريخها، لا يمكن أن تنشر الوثائق ما لم تتأكد من صحتها. فهي أجرت تحقيقا واسعا تأكدت فيه من صحة الوثائق قبل الموافقة على نشرها.

كما أن الوقائع على الأرض، والجدل في إسرائيل، وما كتبه أولمرت في "يديعوت احرنوت" وما نعرفه سابقا عن المفاوضات يؤكد صحة الوثائق.

وما يساعد على دعم صحة الوثائق أنها لم توزع على اللجنة التنفيذية للمنظمة سابقا كما صرح أكثر من عضو فيها، وأن القيادات الفلسطينية شاركت في برامج الجزيرة دون أن ترد بشكل مقنع، ودون ان تضمن التوازن.

*ركز الرد الفلسطيني على مسألة التحقيق في كيفية تسريب الوثائق، وما الهدف من التسريب، وأهمل التركيز الضروري على مضمون الوثائق والتنازلات التي تضمنتها و الموقف الحالي منها.

ان كون هذه التنازلات عبرت عن مواقف شخصية لا تقلل كثيرا من خطورتها، لأنها تظهر أن المفاوض الفلسطيني يتعامل وكأنه بلا مرجعية وقيادة، بحيث كل مفاوض يتكرم بالتنازل، في حين رأينا أن تسيفي ليفني قالت إنها غير مفوضة وإنها لا توافق على عودة لاجئ واحد.

من أعطى المفاوضين الحق بالموافقة على ضم مستوطنات في القدس لإسرائيل، ومن أعطاهم الحق بعرض ضم مستوطنات بمستوطنيها للدولة الفلسطينية؟ ألا يشكل هذا و ذاك وغيرها تنازلات عن الحد الأدنى الوطني وعن الحقوق المكرسة حتى بالشرعية الدولية.

رغم الرد الفلسطيني لم نسمع حتى الان هل عرض مفاوض اقتراحا بتشكيل لجنة للإشراف على الحرم ، وتنازلا عن جزء من الحي الأرمني، وهل تمت الموافقة على عودة رمزية للاجئين بغض النظر عن الأعداد؟

*لقد طغى على الرد الفلسطيني محاولة منع أو الحد من تأثير نشر الوثائق على ميزان القوى بين فتح و حماس، وجعل هذا الأمر أهم من حقيقة فيما إذا وقع تنازلات. ان دحض توظيف حماس لبرنامج كشف المستور، رغم أنه وصل الى مستوى غير مسبوق لا يبرر اهمال القضية الأساسية وهي حقيقة التنازلات و الموقف الحالي منها.

ان العبرة الأساسية هي أن كل التنازلات الفلسطينية التي قدمت منذ العام 1988 بدأت بالموافقة على قرار 242 الذي لا يتعامل مع القضية الفلسطينية ؟ إلى عقد اتفاق أوسلو الذي اعترف بإسرائيل دون أن تعترف بالحقوق الفلسطينية، وقسم الأرض والشعب وفصل ما بين المراحل والقضايا ولم يتضمن وقف الاستيطان ولا الإفراج عن الأسرى، وتنازل عن المقاومة، وأحل التنسيق الأمني بدلاعنها واعتمد المفاوضات كأسلوب وحيد، إلى مؤتمر كامب ديفيد العام 2000 ومباحثات طابا 2001، التي تمت فيها الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي الذي يمس الحقوق الفلسطينية والشرعية الدولية، وعلى حل مشكلة اللاجئين وفقا لمعايير كلينتون، إلى مفاوضات ما بعد مؤتمر أنابوليس التي بدأت بلا وقف للاستيطان ودون مرجعية، والتي تمت فيها العودة إلى التنازلات السابقة و المضي أبعد منها، رغم اتضاح أن إسرائيل متعنتة ولا تريد السلام بل تريد فرض"السلام" الإسرائيلي على الفلسطينيين:

وهنا لا ينفع القول أن عدم توقيع إتفاق سلام يغفر للمفاوض الفلسطيني ، لأن عدم توقيع إتفاق يعود إلى تعنت حكومة أولمرت التي أرادت مثلما أرادت الحكومات السابقة لها ، ومثلما تريد الحكومة الإسرائيلية الحالية بوضوح أكبر ، فرض الإستسلام الكامل على الفلسطينيين.

أن ما سبق يفرض الخروج بإستنتاج أن طريق المفاوضات و جميع الجهود للتوصل إلى تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية . فشلت فشلا ذريعا ، ومحكوم عليها بالفشل لاحقا ، لأنها تتم في ظل إختلال فادح في ميزان القوى ، ومع إنحياز أمريكي سافر لإسرائيل ، ومع عدم وجود موقف عربي ولا أدوات ضغط عربية، ومع عدم تبلور إرادة دولية كافية للضغط على إسرائيل وفي ظل الإنقسام الفلسطيني و إنشغال الفلسطينيين في نزاعهم الداخلي و السعي لإثبات أنهم جديرون بالدولة بدلا من الكفاح ضد الإحتلال لتحقيقها.

أن التركيز على بناء الدولة والإعتراف بها و بناء مؤسساتها و أثبات الجدارة ، وأثبات حسن السلوك على أهميته لن يعطي دولة حقا ، بل سيعطي دولة تحت الإحتلال تبنى وفقا للمقاسات و الشروط الإسرائيلية و تكون دولة على البقايا ، ما يقتضي تغيير المسار بحيث يكون التركيز على إنهاء الإحتلال وخلق الحقائق على الأرض التي تفرض على إسرائيل الإنسحاب عندما تشعر أن الإحتلال أصبح خاسرا ، وليس إحتلالا رابحا مثلما هو عليه الان.

أن المسؤول عن تدهور مكانة القضية الفلسطينية على كل المستويات ، وعن تلطيخ سمعة القيادة ليس "الجزيرة" مهما أخطأت وأساءت في إستعمال الوثائق ، وإنما النهج الذي سارت عليه القيادة وإستمرت بالسير فيه رغم وصوله لطريق مسدود منذ عشرة سنوات على الأقل. لابد من الإقلاع النهائي عن المفاوضات.

وهنا لا يكفي القول إن القيادة أوقفت المفاوضات، وأنها بدأت تحركا ديبلوماسيا في مجلس الأمن ومن أجل الاعتراف بالدولة. فكل هذا مهم ولكن لا قيمة حاسمة له إذا لم يكن مرتبطا بإستراتيجية جديدة تقوم على الكفاح لإنجاز الأهداف والحقوق من خلال الجمع ما بين المقاومة والعمل الديبلوماسي وغيرهما من أشكال العمل والنضال.

دون إستراتيجية جديدة تكون كل الخيارات التي يتم الحديث عنها وهمية أو مجرد رديف لخيار المفاوضات، ما يجعلها مجرد أدوات لتحسين شروط المفاوضات ونوعا من اللعب في الوقت الضائع.

بدون إستراتيجية جديدة تكون كل الخيارات التي يتم الحديث عنها وهمية أو مجرد رديف لخيار المفاوضات ، ما يجعلها مجرد أدوات لتحسين شروط المفاوضات ونوعا من اللعب في الوقت الضائع.

ان المنطقة تغلي ورياح التغيير بدأت تهب فيها بقوة كما نلاحظ في ثورة الياسمين في تونس وأيام الغضب العارم في مصر، وما يجري في لبنان والأردن والجزائر واليمن وليبيا، وما يمكن أن يحدث في البلدان العربية الأخرى، وهذا سيصب في المدى المتوسط والبعيد لصالح القضية الفلسطينية، رغم انه سيدفع إسرائيل إلى التركيز على القوة والحرب والعدوان والإجراءات الأمنية وأحادية الجانب، ويبعد احتمال التوصل إلى اتفاق، إذا كان أصلا مثل هذا الاحتمال لا يزال موجودا بعد انهيار المفاوضات بعد استئنافها بفترة وجيزة وفي ظل تعنت وعنصرية وتطرف الحكومة الإسرائيلية الحالية.

المطلوب الان مراجعة شاملة واستخلاص الدروس والعبر التي أهمها التخلص من وهم أن الدولة على الأبواب وأن هناك إمكانية لتسوية مع إسرائيل دون تغيير الوقائع على الأرض والظروف المحيطة. كشرط للنهوض الوطني.

لا بد من إعادة الاعتبار لحركة التحرر الوطني الفلسطيني من خلال وضع ميثاق وطني جديد وإستراتيجية جديدة.

لا مفر من إعطاء الأولوية الحاسمة لإنهاء الانقسام على أساس إستراتيجية جديدة تضمن حماية القضية والحقوق والشراكة الحقيقية على أسس ديمقراطية، وهذا يكون من خلال المبادرة فورا لحوار وطني شامل يستهدف التوصل لوضع إستراتيجية قادرة على مواجهة التحديات الراهنة، واذا استمر الانقسام سيتحرك الشعب، مثلما تحرك في تونس ومصر، لفرض ارادته على جميع الاطراف.

وأخيرا لا بد من تصحيح شامل لأسس وأهداف وشروط وإدارة المفاوضات وتغيير الوفد المفاوض وتشكيل مرجعية سياسية وتنظيمية للمفاوضات وجعل قيادة المنظمة في موقع المسؤولية والفعالية، وليست كما هي عليه من شلل!!

 

مشاركة: