الرئيسية » هاني المصري »   10 آذار 2009

| | |
على هامش الحوار: مطلوب برنامج قادر على الاقلاع
هاني المصري

 

لم يكن من المتوقع ان يتوصل مؤتمر الحوار الوطني إلى اتفاق حول برنامج موحد خلال يومين. ولكن ما تحقق فيهما شيء ثمين لا بد من تقديره. فقد استطاع مؤتمر الحوار تهدئة الاجواء المتوترة، ونزع فتيل الانفجار الداخلي لبعض الوقت على الاقل، واثبت بالملموس ان حوار الكلمات يمكن ان يكون بديلاً ومقنعاً وواقعياً عن حوار الرصاص.

النقاط التي لا تزال محل خلاف والتي تتعلق بالمنظمة والشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وغيرها، نقاط جوهرية لا يمكن بدون الاتفاق حولها الادعاء بالتوصل الى برنامج موحد، والاتفاق رغم صعوبته الشديدة ممكن، بل وممكن جداً.

 

شخصياً كنت من المتشائمين جداً من امكانية التوصل الى اتفاق، الى ان ظهرت وثيقة الأسرى التي هي بدون شك بارقة أمل. وتعزز هذا الامل بصورة ملموسة بعد خطاب الرئيس في مستهل الحوار الوطني. ولا يزال يحدوني الأمل بامكانية الاتفاق رغم رجحان كفة الردود السلبية على الردود التي اطلقتها حماس، سواء على وثيقة الأسرى او مبادرة الرئيس. وعدم الاتفاق لم يعد يقود نحو المجهول بل هناك الاستفتاء الذي يجب ان ينصاع لنتائجه الجميع، وثيقة الاسرى، ليست نصاً مقدساً، ولكنها باعتراف الجميع تمثل ارضية مناسبة للاتفاق. ومبادرة الرئيس، رغم ما تنطوي عليه من مجازفة (ولا حكم بلا مجازفات) مثلت حافزاً للجميع، بمن فيهم فتح وحماس، بحسم مواقفهم بسرعة. فاما الاتفاق خلال عشرة ايام او التوجه نحو الاستفتاء. والاستفتاء ليس اقصاء او التفافاً وانما احتكام للشعب، عشرة ايام كافية، لان الحوار الوطني لم يبدأ يوم 25 ايار، موعد انطلاق الحوار رسمياً، لكي نقول ان عشرة ايام غير كافية. فالحوار الفلسطيني - الفلسطيني متواصل وتقريباً لا ينقطع. وسيتواصل سواء تم الاتفاق أم لا. واذا انقطع حيناً يتواصل في معظم الاحيان. وعندما لا يأخذ شكل الحوار القيادي او الفصائلي يعبر عن نفسه بحوار جماعي. فلم يعد الحوار يقتصر على الفصائل، بل شارك فيه المجتمع المدني بمختلف افراده وفئاته ومؤسساته بفعالية غير مسبوقة. بل جاءت مبادرة القطاع الخاص، سباقة لكافة المبادرات، ما يدل على ادراك القطاع الخاص لخطورة المرحلة واهمية اسهامه في التصدي لمهماتها.

واذا نظرنا الى المشهد الفلسطيني خصوصاً منذ الانتخابات التشريعية وحتى الآن، سنشاهد ان الشعب الفلسطيني شرع في عملية حوار جماعي غني ومتعدد شمل كل الآراء والخيارات والبدائل، والتجربة الفلسطينية والسلطة وم.ت.ف والابعاد العربية والاسلامية والدولية، وهذا الحوار العميق هو الذي فتح الباب امام اتفاق الأسرى على وثيقة الوفاق الوطني، الذي يعني الاتفاق عليها، احد المؤشرات الاهم على ان الساحة الفلسطينية اصبحت مهيأة او نضجت لبلورة برنامج موحد او تقترب من تحقيق هذا الهدف.

اذاً، العشرة أيام كافية لاجمال الحوار القديم - الجديد ووضع استخلاصاته. وهذا الحوار يأتي ايضاً بعد وثيقة اعلان القاهرة، ووثائق اخرى عديدة تم الاتفاق عليها في غزة ورام الله منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى الآن. وحتى نعرف مدى تغير الظروف والاحوال، ندعو الجميع للعودة الى فترة توقيع اتفاق اوسلو وصولاً الى اندلاع الانتفاضة الحالية، لنرى المدى الكبير في اختلاف مواقف وبرامج الاحزاب والفصائل المختلفة، خصوصاً حركتي فتح وحماس. هل لا تزال فتح متحمسة لاتفاق اوسلو مثلما كانت عند توقيعه. ام اصبح لديها الكثير من الملاحظات عليه التي لم تكن لديها بالسابق. والدليل ان فتح انخرطت في المقاومة التي جسرتها الانتفاضة الحالية بفعالية، ودفعت ثمناً غالياً جراء ذلك، لا يبدأ ولا ينتهي باغتيال رئيسها ومؤسسها وزعيم الشعب الفسلطيني الراحل ياسر عرفات.

وهل لا تزال حماس على برنامجها القديم، بعد ان قررت المشاركة في السلطة وحصولها على الاغلبية وتشكيل الحكومة، وتعليق المقاومة وتقديم الاقتراحات لتمديد التهدئة، والاستعداد لهدنة طويلة الأمد، والاستعداد لحل الدولتين، والتفاوض عبر الاستعداد للمشاركة في لجنة استراتيجية للتفاوض، والموافقة على تفويض الرئيس بالتفاوض، والتعامل مع اتفاق اوسلو وافرازاته كامر واقع على قاعدة التعامل بمسؤولية مع كافة الاتفاقات والقرارات وبما يحقق المصلحة الفلسطينية.

الوقت من دم، والتاريخ لا يرحم، ولا يوجد لدي الفلسطينيين وقت كثير لاضاعته في حوار يبدأ ولا يعرف احد متى ينتهي. واذا نظرنا الى المواقف والبرامج المختلفة، خصوصاً مواقف حركة حماس بصورة مجردة وبدون التطلع الى مبادرات مسؤولة وجريئة، نصل الى استنتاج باننا نحتاج ليس الى عشرة ايام، بل الى عشرات الاشهر حتى نستطيع الاتفاق.

فاحد واشدد على كلمة احد، اعتراضات حماس على وثيقة الأسرى هو ما وصفته ابتزاز تهديد ابو مازن بالاتفاق او الاستفتاء، انها ترفض اية وثيقة تنتقص او لا تعترف بنتائج الانتخابات التشريعية، التي اعطت - كما ورد على لسان سامي ابو زهري- الناطق باسم حماس تأييداً بنسبة 06% لبرنامج حماس. واعتبر ابو زهري ان وثيقة الأسرى لا تعبر عن جميع الأسرى بل عن اسرى سجن هداريم فقط، وعليها ملاحظات جذرية. ولتأكيد ذلك حثت حماس اسراها على اصدار بيان جاء فيه ان وثيقة الوفاق الوطني لا تعبر عنهم.

واذا كانت حماس فعلاً تريد من الجميع ان يسير وراءها لانها فازت بالانتخابات وتعتقد ان جوهر المأزق الفلسطيني يكمن في ان البعض في الساحة الفلسطينية وتحديداً (الرئاسة وحركة فتح) لا يعترف بنتائج الانتخابات، واذا اعترف سيسير كل شيء على ما يرام. فهذا عدم ادراك لحجم وابعاد المأزق وينطوي على تبسيط شديد لما يعاني منه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، رغم صحة وجود بعض الملاحظات حول سلامة ومثالية عملية نقل السلطة، ولكن هناك تداولاً للسلطة قد حدث. وهذا هو الامر الجوهري الذي يحق لنا ان نفخر به.

للتدقيق في النسب، اقول ان حماس حصلت على اقل بقليل من 60% من مقاعد المجلس التشريعي متحالفة مع المستقلين الذين دعمتهم، ولكنها لم تحصل سوى على اقل من 42% من اصوات الناخبين، والدليل ما حصلت عليه من اصوات على مستوى دائرة الوطن حيث الفارق بين فتح وحماس كان مقعداً واحداً. هذا اولاً. ثانياً: لا احد يشكك في حق حماس في الحكم لانها حصلت على اغلبية تمكنها من الحكم منفردة، ولكن هذا الحق لا يلغي اهمية اعمال العقل والحكمة اللذين يتطلبان تحشيد كل الاحزاب والفصائل والفعاليات خلف برنامج وطني موحد يجسد المصلحة الوطنية والقواسم المشتركة، لا برنامج حماس ولا برنامج فتح، وذلك لان حجم الاخطار خصوصاً في ظل خطة اولمرت وبعد فرض الحصار الخانق على الفلسطينيين بحجة عدم استجابة الحكومة للشروط الدولية، تستوجب مشاركة الجميع.

ثالثاً: على حماس ان تعترف بالنظام السياسي الفلسطيني داخل السلطة بمختلف مكوناته. فمثلما لدينا حكومة شرعية جاءت بعد انتخابات ديمقراطية، لدينا رئيس شرعي جاء بعد انتخابات ديمقراطية، والمشكلة تكمن في ان الرئيس يطرح برنامجاً مختلفاً عن برنامج الحكومة. والحل يكون اما بتراجع الحكومة عن برنامجها لصالح الرئيس او العكس او الاتفاق على برنامج الحد الأدنى المشترك. ولم تتراجع الحكومة ولم يتراجع الرئيس، من هنا تأتي وثيقة الأسرى كخشبة خلاص، كمخرج يمكن ان يستفيد منه الجميع، وخصوصاً انها وثيقة متوازنة لا تعبر تماماً عن برنامج احد.

رابعاً: برنامج الحد الأدنى المطلوب، ليس البرنامج الذي يرضى عنه الفلسطينيون فقط. فلو كان الامر كذلك لكانت المهمة سهلة فمن الممكن ارضاء الفلسطينيين بسهولة.

المطلوب برنامج قادر على الاقلاع والفعل محلياً واقليمياً ودولياً. مطلوب برنامج يرضى عنه العالم لاننا جزء من العالم والعالم يؤثر بنا بقوة، ونحن بوصفنا الضحية، والشعب المحتلة ارضه ومداسة حقوقه، بحاجة الى العالم حتى نوازن الدعم الاميركي المطلق لاسرائيل. وقد نقر برنامجاً مشتركاً ولا يغير شيئاً بالموقف الاميركي - الاسرائيلي، ولكنه بالتأكيد سيخرجه ويضعفه. ولكن اذا استطاع برنامجنا الحصول على دعم العالم، وهو اكبر من اميركا واسرائيل بكثير، سنخوض صراعنا ضد الاحتلال من موقع افضل بكثير، وسنكون قادرين على فك العزلة الدولية عن السلطة وكسر الحصار الخانق، واعادة القضية الى صدارة الاحداث بوصفها قضية سياسية وليست مجرد قضية انسانية تحل عبر بعض المساعدات والاطعمة والادوية والرواتب.

بكل صراحة التحايل والتلاعب بالكلمات لن يساعد، حتى لو اتفق الفلسطينيون مع بعضهم البعض. فالمطلوب ليس استسلاماً لبعضنا البعض، وانما برنامج قادرعلى تحقيق اهدافنا، وليس تسجيل موقف امام التاريخ.

واخيراً، اخاطب حركة حماس بكل ود وصراحة، ومن موقع الحرص عليها وعلى فلسطين، بان عليها ان تحسم التعددية في البرامج التي اصبحت تعيشها بعد فوزها في الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة، فاما ان تعود الى قدسية المقاومة وتترك دنس الحكم او ان تختار استكمال تغيرها لكي تصبح حركة سياسية تسعى لتحافظ على الحكم، وتنهمك في المسؤوليات والالتزامات التي تطرحها السلطة على الحاكم.

فمن اقدس واجبات السلطة تلبية احتياجات الناس ومتطلباتهم. فالشعب له متطلبات حيوية لا يستطيع ان يستغني عنها. ويستطيع الصبر بسبب القناعة او العاطفة او الحماسة، ولكن للصبر حدود. ولا يكلف الله نفساً الاّ وسعها. ولا يكفي ان يكون جواب الحكومة انها تتعرض لمؤامرة اميركية - اسرائيلية عربية - فلسطينية، فماذا فعلت لاسقاط هذه المؤامرة، وهل نجحت في مساعيها؟ وهل حماس وحدها قادرة على اسقاطها؟ في ظل ما يعانيه المشهد الفلسطيني من ازدواج السلطة والخلاف عى البرامج والتنازع على الصلاحيات، والصراع على السلطة؟ لا يمكن اسقاط المؤامرة الا ببرنامج وطني واقعي يفتح الطريق لحكومة وحدة وطنية أو حكومة انقاذ وطني او حكومة خبراء وتكنوقراط!!

 

مشاركة: