الرئيسية » هاني المصري »   17 كانون الأول 2009

| | |
ظاهرة الشخصيات الوطنية المستقلة ..
هاني المصري

تعتبر عودة ظاهرة "المستقلين" من أبرز الظواهر الجديدة التي رافقت الشروع بالحوار الوطني في جولاته الأخيرة، وأضع كلمة المستقلين بين قوسين نظراً لما تتعرض له هذه الكلمة من تفسيرات وإساءات. فالمقصود بتعبير مستقلين الأشخاص الذين لا ينتمون الى الفصائل والأحزاب لسبب يتعلق بخلافات بينهم وبين هذه الأحزاب أو جراء عدم توفر القناعة والرغبة بالعمل المنظم.

والمستقلون ليسوا مستقلين عن الانتماء للقضية الوطنية، وعن الالتزام بالكفاح من أجل تجسيدها بتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني المتمثلة أساساً بالحرية والعودة والاستقلال. لذا أفضل استخدام مصطلح الشخصيات الوطنية المستقلة بدلاً من المستقلين.

 

وتجلى بروز دور الشخصيات الوطنية المستقلة، من خلال توجيه الدعوة لـ15 شخصية منها للمشاركة في الجولة الثانية من الحوار الوطني. وهذا يدل على أن الجهة الداعية وهي مصر، تعلق آمالا كبيرة على الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الشخصيات، في الوصول الى اتفاق وتقريب وجهات النظر المختلفة، سواء من خلال تقديم الاقتراحات والوساطة، أو من خلال الضغط بما تمثله من وزن اقتصادي وثقافي وأكاديمي وإعلامي كبير.

في كافة المراحل لعب المستقلون دوراً هاماً وإن كان متفاوتا من مرحلة الى أخرى. فالمستقلون أسسوا عام 1964 بزعامة أحمد الشقيري "م.ت.ف"، ولكن حينذاك لم تكن الثورة الفلسطينية قد انطلقت. ولكن بعد انطلاقة "فتح" في 1/1/1965 استطاعت فصائل الثورة أن تقود "م.ت.ف"، واحتفظ المستقلون بدور هام حرص على استمراره الرئيس الراحل ياسر عرفات، بحيث كان هناك عدد من المستقلين في كافة هيئات ومؤسسات "م.ت.ف" لا يقل عن 1/3 الأعضاء.

وساعد على ذلك أن حركة فتح تنظر الى نفسها، بأنها حركة الشعب الفلسطيني بأسره ما اعطاها مرونة كبيرة في تعاملها مع المستقلين.

وبعد تأسيس السلطة الوطنية ساهمت الشخصيات الوطنية بكافة مراحل ومستويات بنائها بما في ذلك من خلال المشاركة في الحكومات المختلفة، .

وهنا لا يجب أن نغفل أن تجربة الانتخابات التشريعية والرئاسية وضعت الشخصيات الوطنية المستقلة أمام اختبار صعب، خصوصاً الانتخابات الرئاسية عام 2005، والتشريعية عام 2006. فإذا كانت الراحلة سميحة خليل الشخصية الوطنية البارزة المستقلة قد خاضت الانتخابات الرئاسية عام 1996 حيث نافست الرئيس عرفات، إلا أن الانتخابات الرئاسية الثانية لم تشهد مرشحين من المستقلين، حيث تنافست فيها شخصيات حزبية أو شخصيات وطنية مدعومة من أحزاب معينة.

أما التحدي الأصعب الذي واجهته الشخصيات الوطنية المستقلة، فكان انتخابات المجلس التشريعي 2006، فقد كان الاستقطاب في هذه الانتخابات بين حركتي "فتح" و"حماس" حاداً جداً، لدرجة أن حصة المستقلين من النواب الفائزين كانت قليلة للغاية0

إن نتائج الانتخابات أظهرت تراجعَ دور الشخصيات الوطنية، وبينت الحقيقة التي تفيد بأنه لا يوجد جسم موحد اسمه الشخصيات الوطنية المستقلة، بل إنهم موزعون من حيث الفكر والبرنامج والميول على مختلف الأحزاب والفصائل.

بعد ازدواجية السلطة التي ظهرت جراء الخلاف بين الرئاسة والحكومة، والتي أدت الى الاقتتال ثم الى الانقلاب والانقسام برز دور المستقلين مرة أخرى، بشكل أكبر من أية فترة سابقة. فالأزمة نجمت عن اهتزاز الأساس الموحد الذي جمع الفلسطينيين أينما كانوا، بسبب الخلاف على اتفاق اوسلو الذي قسم الأرض وفصل الشعب عن القضية، وخصوصاً بعد ما انتهى إليه "تطبيق" هذا الاتفاق من تحويل السلطة الى هدف بحد ذاته، وليست مرحلة على طريق قيام الدولة الفلسطينية العتيدة.

وحاول المستقلون تشكيل مجموعات ضغط، بمشاركة قوى وأحزاب أو بدون مشاركتها وساهمت جهودهم إيجابياً، ولكنها لم تتكلل بالنجاح التام، لأن الضغط حتى يؤثر يجب أن يعتمد على الشعب والتراكم والاستمرار، وعلى عمل منظم.

وبعد حوار القاهرة هناك جهود ومبادرات جديدة لتأطير المستقلين وتوحيد جهودهم ومأسسة عملهم. وتتنوع الآراء التي تقف وراء هذه الجهود والمبادرات والدوافع فهناك من يعتقد أو يدعو الى حصر دور الشخصيات الوطنية المستقلة، بدعوة حركتي فتح وحماس للحوار ومن ثم الاتفاق، وهذا يقزم دور المستقلين ويجعلهم مجرد كومبارس أو مستشارين في أحسن الأحوال وليسوا شركاء.

وهناك من يدعو الى تجاوز دور الفصائل والأحزاب لأنها فشلت ، و كأن المسألة تتلخص بأن تحل الشخصيات الوطنية محل الأحزاب. وهنا يجد أصحاب هذه الآراء تجربة حكومة تسيير الأعمال، وما حققته من إنجازات، دليلاً على صحة رأيهم. وهم ينسون تماما أن هذه الحكومة لم تر النور إلا بسبب الغطاء السياسي الذي وفرته حركة فتح والمنظمة لها. وأن كل الإنجازات التي حققتها أبقتنا في إطار تحسين شروطنا تحت الاحتلال. ولم تمنع هذه الإنجازات الاحتلال من مواصلة العدوان والاستيطان والحصار، ولا حالت دون استمرار السياسة الإسرائيلية الرامية لخلق أمر واقع يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليا.

ويقع بعض وليس معظم أصحاب هذا الرأي في المحظور، وهو أن الشخصيات الوطنية المستقلة، مقبولة أو يمكن أن تكون مقبولة من اميركا وأوروبا والمجتمع الدولي، وربما من إسرائيل، لأنها لم تشارك بالمقاومة المسلحة، ويمكن ان تبدي مرونة أكبر في المفاوضات، وهذه محرقة للمستقلين لا يجب أن يقتربوا منها، وهم مدركون لها.

في هذا السياق دعا الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن الى إيجاد قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة، وحاولت أوساط أميركية أن تروج لصيغ وقوى فلسطينية جديدة بديلة عن حركة فتح والفصائل الأخرى، يمكن أن يكون قادتها من الشخصيات الوطنية المستقلة، وتكون مطواعة لما تطرحه الولايات المتحدة من مشاريع لحل القضية تنسجم مع الأهداف الإسرائيلية.

وهناك رأي آخر ينطلق أصحابه من تقدير دور الفصائل والأحزاب، ويعرف أنه بدون هذا الدور لا يمكن ان نصل الى أي مكان. كما يعرف أن عجز الأحزاب والفصائل عن حل المأزق الوطني يحدث فراغا يجب ملؤه ويفتح الطريق لمبادرات وجهود أخرى.

ويمكن أن تأخذ هذه المبادرات والجهود إما:

شكل إصلاح وتجديد وتغيير الأحزاب والفصائل القائمة، فالتغيير سنة الحياة، ولا يبقى على ما هو إلا هو.

فحركة فتح بمقدورها نظرياً على الأقل أن توحد صفوفها وتصلح أوضاعها وتأخذ الدروس من التجارب السابقة ومن السير وراء التسوية رغم تآكل مرجعيتها وهبوطها عن سقف البرنامج الوطني، ومن الهزائم التي أصيبت بها بالسنوات الأخيرة، وتلتف وراء برنامج واحد وقيادة جديدة. وحركة حماس بمقدورها ان تتعظ مما جرى، ومن تجربة الجمع ما بين السلطة واحترام الاتفاقيات والمقاومة المسلحة، ومن رفض مبدأ التسوية بالمطلق.

والأحزاب اليسارية بمقدورها أن توحد صفوفها في قطب وطني ديمقراطي، يستطيع أن يلعب دورا أكبر بكثير من الدور الذي تلعبه هذه الفصائل وهي متفرقة، الأمر الذي حولها الى شظايا دورها صغير لا يتناسب مع دورها التاريخي.

كما أن الشخصيات الوطنية التي تلتقي على رؤية واحدة وبرنامج واحد يتميز بشكل موضوعي وليس مفتعل عن البرامج المطروحة بمقدورها -اذا ارادت ان تلعب دورا اكبر - أن توحد صفوفها وتمؤسس عملها من خلال تيار واسع أو مجموعات ضغط أو تشكيل حزب أو أحزاب جديدة، فهذا من حقها وعليها أن تجرؤ على ذلك، بدون أن تتصور أن كافة أو معظم الشخصيات المستقلة يمكن أن تبحر في قارب واحد. يجب التفريق بين مهمة الانقاذ الوطني التي يجب أن يشارك بها الجميع من حزبيين ومستقلين وبين عمل خاص يجمع مجموعة من الأشخاص توافقوا على برنامج واحد.

أي نوع يتم اعتماده للعمل ، يتوقف على درجة نضج حركة هذه الشخصيات لجهة مدى انسجامها على رؤية واحدة وبرنامج مشترك. فلا يمكن جمع الشرق والغرب معا في حركة واحدة. ولا يمكن الجمع ما بين خط المفاوضات الى الأبد، والمفاوضات من أجل المفاوضات، الذي جرب وفشل، وبين خط المقاومة المسلحة كأسلوب رئيس أو وحيد. ولا يمكن اعتبار المعضلة تكمن فقط بالأشخاص والأداء أما البرنامج فهو جيد. فالبرنامج الجيد يستنهض الأداء الجيد وهناك علاقة سببية شرطية بين الأمرين.

كما أن أي تجربة جديدة مهما كان شكلها (تيار، مجموعة، حزب) بحاجة إضافية الى الرؤية والبرنامج الذي تنبع عنه مواقف جريئة مستقلة تستجيب للمصلحة والاحتياجات والهموم الفلسطينية وتقدم نموذجاً مختلفاً قادراً على الانتصار والنجاح، الى بناء مؤسسة علمية لديها أدوات مختلفة للعمل وعدد كاف من الكادر المتنوع والطاقم الضروري للعمل، وتؤمن بالعمل الجماعي وتقسيم العمل والتنوع والمشاركة ولا تلتف وراء شخص واحد، وهي بحاجة الى إمكانيات مادية كبيرة، فلا يمكن إحداث تأثير ملموس وسريع، بدون وسائل إعلام (فضائيات، صحف، إذاعات، صفحات انترنت، ندوات، دراسات وأبحاث) ومؤسسات مجتمعية مختلفة، (ودعم التنمية في كل نواحي الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصحية) وهنا يحتل التعليم والحداثة ومواكبة التطورات في العالم أولا بأول أهمية عظمى.

اذا اقر قانون التمثيل النسبي الكامل كما تطالب غالبية الأحزاب والفصائل والشخصيات الوطنية المستقلة فهذا سيفرض على الشخصيات المستقلة التي لا تشعر انها منسجمة أو متقاطعة مع برامج الأحزاب القائمة أن تشكل كتلا انتخابية تخوض فيها الأنتخابات على مستوى الوطن سواء كانت انتخابات المجلس التشريعي او انتخابات المجلس الوطني.

بدون توفير مقومات النجاح لأي مبادرة جديدة، ستكون محاولة جديدة طيبة سيسجلها التاريخ، ولا تستطيع أن تساهم بصناعة التاريخ!!

 

 

مشاركة: