الرئيسية » هاني المصري »   11 آذار 2008

| | |
حتى تكون التهدئة خطوة نحو الوحدة وليس لتعميق الانقسام
هاني المصري

 

جرت الرياح في الاسابيع الاخيرة، ولا تزال تجري، بما تشتهي سفن انهاء الانقسام الفلسطيني. فقد توحد الشعب الفلسطيني في كل مكان رغماً عن قيادته في مواجهة المحرقة التي نفذها الاحتلال ضد غزة. واسقطت هذه الوحدة الخطة الاميركية - الاسرائيلية لفصل الضفة عن غزة من خلال التفاوض مع السلطة في الضفة ومحاولة انعاشها اقتصادياً، واعلان الحصار والحرب على غزة وافقارها وتجويعها حتى تجري المقارنة بين النموذجين بحيث يرفض المواطن الغزي سلطة الامر الواقع في غزة، تمهيداً للانقضاض عليها واسقاطها او لابقائها وتعميق الانقسام السياسي والجغرافي، ولكن عبر تقديم غزة كنموذج للقتل والتطرف و"الارهاب".


ان الامانة تفرض القول ان ما منع هذه الخطة الاميركية - الاسرائيلية من النجاح هو اولاً وقبل كل شيء آخر، استمرار الحكومة الاسرائيلية بتطبيق مشاريعها الاستيطانية العنصرية في الضفة، وبمعدلات، فاقت بعد استئناف المفاوضات، معدلات تعميق الاحتلال والاستيطان والجدار والعدوان قبل "أنابوليس،" كما فشلت الخطة أمام استمرار الصمود الفلسطيني والمقاومة ورفض القبول بما تفرضه اسرائيل من حلول تصفوية.

لقد ظهرت الخطة الاميركية - الاسرائيلية عارية مفضوحة، فهي تريد ترويض السلطة في الضفة واخضاعها اكثر واكثر للاحتياجات الاميركية والاسرائيلية مقابل انهاء المقاطعة الدولية وتجديد الدعم المالي، الامر الذي يهدد بتحويل السلطة الى "ادارة مدنية" تحت الاحتلال، وظيفتها الرئيسية في هذه الحالة، هي توفير الاحتلال الهادئ والمريح، على أمل ان يشجع هذا السلوك الآدمي والمطيع اسرائيل على الموافقة على قيام الدولة الفلسطينية، المفترض فيها اذا قامت ان تواصل هذا الدور بحيث تلبي الاحتياجات الاميركية - الاسرائيلية، خصوصاً فيما يتعلق برفع المسؤولية الاسرائيلية عن الاحتلال، دون انهاء الاحتلال، بل من خلال اعطائه شرعية عبر تحويل السلطة ذات الصلاحيات المحدودة الى دولة لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم.

ان اسرائيل اصبحت الآن بحاجة الى قيام دولة فلسطينية، حتى تقطع الطريق على قيام الدولة الواحدة وتمضي في مخططها لتعميق يهودية اسرائيل. فقيام "الدولة الفلسطينية" وحده بات يسمح بالادعاء ان هناك حلاً للقضية الفلسطينية، ويحقق احتياجات ومصالح اسرائيل.

معضلة اسرائيل انها لم تنضج تماماً لهذا الحل رغم انها تدفع الامور باتجاهه، وانها لم تستطع اقناع اي طرف فلسطيني بقبوله، فالرئيس أبو مازن وحركة فتح و م.ت.ف، يريدون اقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بتعديلات حدودية بسيطة، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً متفقاً عليه وفقاً لقرار 194.

اذاً الهوة لا تزال شاسعة بين ما تريده اسرائيل وتحاول ان تفرضه بالقوة وعبر سياسة خلق الحقائق على الارض، ومن خلال الخطوات احادية الجانب، وبين ما يريده الفلسطينيون حتى اكثرهم اعتدالاً ما يهدد بافشال المخطط الاميركي - الاسرائيلي، ويمكن القول الآن ان ما جرى في الاسابيع الاخيرة قدم اشارات كبيرة على ان مصير هذا المخطط هو الفشل الذريع.

فلا يمكن الفصل بين اجزاء الشعب الفلسطيني الواحد، بما في ذلك ما بين الضفة وغزة، ما دام الفلسطينيون داخل الوطن وخارجه، أما يخضعون للاحتلال البشع مباشرة او يعانون وهم في الخارج من نتائج هذا الاحتلال عبر استمرار تشريدهم.

وما دام الاحتلال لا ينوي الرحيل ولا يقدم عرضاً يمكن ان يقبله حتى أكثر الفلسطينيين اعتدالاً فان مخططاته ستفشل عاجلاً أم آجلاً، فالقوة لا تولد الاّ القوة، والمحرقة لا تولد الاّ المحرقة.

ما سبق لا يعني ان الخطة الاميركية - الاسرائيلية قد سقطت تماماً، وان اصحابها باتوا يسلمون بفشلها، وانما يعني ان الادارة الاميركية على الاقل، اصبحت تخشى من الفشل، لذلك وافقت على مطلب الرئيس ابو مازن على دعم مصر للتوصل الى تهدئة متبادلة وشاملة ومتزامنة حتى يوافق على استئناف المفاوضات التي علقها احتجاجاً على المحرقة التي نفذتها اسرائيل في غزة، لقد وجدت ادارة بوش ان النجاح الذي حققته في الاشهر الاخيرة، وتريد ان تتوجهه بانجاز ما، قبل نهاية رئاسة بوش، معرض للتحول الى هزيمة جديدة اذا لم تسارع الى انقاذ الموقف. لذلك بذلت كوندوليزا رايس كل ما تستطيعه، من تهديد وترغيب.، لاقناع ابو مازن باستئناف المفاوضات، لأن الاستمرار في تعليقها يهدد بانهيار العملية السلمية قبل ان تبدأ فعلاً. فاستمرار المفاوضات يحقق فوائد لا حصر لها، فهي تقطع الطريق على المبادرات والجهود الاخرى العربية والدولية، وتمكن الادارة الاميركية من الاستفراد بحل القضية الفلسطينية، وتوحي للعالم بان حلاً ما يلوح بالأفق، ما يساعد اسرائيل على ارتكاب المجازر دون ادانة دولية.

التراجع الاميركي بالموافقة على التهدئة عبر الحوار مع حماس، لا يجب الاستنتاج بسرعة انه تسليم بفشل الخطة الاصلية بتقسيم وتعميق الفلسطينيين ومحاولة عقد صفقة سيئة مع فريق منهم، وشن الحرب والحصار على الفريق الآخر، وانما هو خطوة الى الوراء، يمكن ان تكون تمهيداً للتقدم خطوات الى الامام، كيف ذلك؟

ان نجاح ادارة بوش باقناع حكومة اولمرت بقبول التهدئة المتبادلة، التي لا تزال ترفضها، يمكن ان يصب في خانة تعميق الانقسام الفلسطيني، اذا لم تكن جزءاً من خطة متكاملة تهدف الى تحقيق وقف العدوان والحصار وفتح الحدود والمعابر وانهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، بحيث تكون التهدئة محاولة لتوفير البيئة المناسبة لتحقيق المصالحة الوطنية. فسلطة الامر الواقع في غزة اذا تحققت التهدئة وتم رفع الحصار والاغلاق تستطيع العيش اكثر، والسلطة تستطيع في ظل التهدئة ان تواصل التفاوض وتسير في طريقه الى نهاية الشوط.

ان من يريد السلام فعلاً، عليه ان يستعد لدفع استحقاقاته، واستحقاقات السلام باتت واضحة، وهي قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً وفقاً لقرار 194.

ومن يريد السلام يعرف تماماً انه يجب ان يعمل ويساعد على انهاء الانقسام الفلسطيني، فالفلسطينيون المنقسمون لا يقدرون على تحقيق السلام ولا يمكنهم ان يساعدوا على تحقيقه، اما الفلسطينيون الموحدون فهم القادرون على انتزاع حقوقهم وعلى المجازفة واتخاذ القرارات الصعبة. ولكن هناك فرق حاسم ما بين السلام والاستسلام، فالسلام العادل يوحد بينما الاستسلام يفرق، والولايات المتحدة واسرائيل لا تريدان السلام بل فرض السلام الاسرائيلي على الفلسطينيين!!

 

مشاركة: