الرئيسية » ناجي شراب »   21 كانون الأول 2015

| | |
فلسطين ... وسؤال الأولويات!
ناجي شراب

هل مازالت القضية الفلسطينية قضية أولوية عربية ؟ وقضية شرعية دولية ؟ والقضية ألأساس لكافة القضايا التي تعاني منها المنطقة ؟أو كما يقال القضية المفتاح لحل القضايا الإقليمية والدولية؟ الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب التعرف بداية على ماهية القضية . فالقضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع او صراع بين طرفين، او مجرد نزاع حدود، بل هي قضية ممتدة مركبة ، مكوناتها وعناصرها تتجاوز حدود طرفي الصراع، بل تتجاوز الحدود ألإقليمية ، لتشمل الحدود الدولية، ولذلك إرتبطت القضية الفلسطينية منذ نشأتها بالتحولات الإقليمية والدولية ، وليس مستغربا ان ترتبط بنشأة كل من النظام الإقليمي العربي والنظام الدولي ذاته، وبالتحولات في هيكلية القوة في كلا النظامين، وبالتطورات السياسية اللاحقة التي صاحبت كلا النظامين وصولا للمرحلة الحالية التي جاءت كمخاض لثورة التحولات العربية .

هذا الإرتباط هو الذي يفسر لنا التعقيدات المصاحبة للقضية ، وعدم قدرة ألأطراف المتحكمة في القرار الإقليمي والدولي على فرض تسوية عادلة ونهائية للقضية ، وهو ما قد يذهب بعيدا في التحليل بإستمرار الصراع قائما طالما ان علاقات القوة غير متوازنه ومتكافئة بين القوة الإقليمية والقوة الدولية وطغيان الأخيرة على القرارالإقليمي.

ولعل ما تتفرد به هذه القضية ان إسرائيل وهي الطرف الرئيس في هذا الصراع ترتبط بالقوى الدولية وخصوصا الولايات المتحدة التي تسخر قوتها العالمية في دعمها وحمايتها وضمان بقائها ، والطرف الفلسطيني الذي يرتبط ببعديه العربي والإسلامي مما يجعل لهذا الصراع بعده العربي والإسلامي ، والأمر الآخر ان هذا الصراع يرتبط بالبعد ألأيدولوجي الذي تمثله إسرائيل بالإيدولوجية الصهيونية التي تقوم على فكرة إسرائيل الكبرى ليس فقط على فلسطين بل تمتد لما وراء حدود فلسطين ، والقومية العربية التي تقوم على فكرة ان فلسطين اساس لنجاح العروبة في بعدها الوحدوي.

وهذا يجعل صفة عدم التلاقي في الحل ، وهي الفكرة ألأساسية في حل اي نزاع دولي.إذن نحن امام قضية فريدة في قضاياها ومكوناتها ومحدداتها وبيئتها.وحلها مرهون بالتوافق بين القوى اٌلإقليمية والدولية ، وهو امر مستبعد في مرحلة التحول ،وإعادة صياغة ورسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة.لأن مخرجات هذه الخريطة ستكون تصفية القضية الفلسطينية تحت أي شكل من أشكال التسوية التي تعمل لصالح إستمرار إسرائيل كدولة قوية. ولذلك أولوية القضية الفلسطينية إرتبطت تاريخيا بهذه التحولات والتطورات السياسية على المستويين ألإقليمي والدولي.

فتاريخيا إحتلت القضية الفلسطينية مكانة محورية في الخطاب السياسي الرسمي للنظام العربي ، وعلى المستوى الجمعي للشعوب العربية بإعتبارها قضية العرب الأولى ، وعلى إعتبار ان الخطر الذي تمثله الحركة الصهيونية يشكل خطرا على جميع الدول العربية، لإن مستقبل العديد من انظمة الحكم العربية كان مرهونا بالتمسك بالقضية الفلسطينية التي حازت على أي اولوية اخرى. بل لا نبالغ القول ان القضية الفلشطينية شكلت في النشأة ألأولى للنظام العربي أولوية داخلية . ووصفت القضية الفلسطينية بانها قضية العرب المركزية. وقد إرتبطت هذه ألأولوية بحيوية وفعالية المشروع العروبي ، والقومية العربية. هذه الأولوية لم تعد قائمة ، وبدا التراجع واضحا مع تراجع المشروع العروبة ، وتنامي التوجهات القطرية ، ومع عجز الجامعة العربية كإطار إقليمي في معالجة العديد من الأزمات والمنازعات العربية ، ووصل هذا التراجع ذروته مع الغزو العراقي للكويت ، والذي من أبرز تداعياته تقويض مفهوم ألأمن القومي العربي ، ولم تعد معه القضية الفلسطينية قضية امن ، وتحولت لقضية إقتصادية ، وبدا الجدل حول مفهوم العدو المشترك، وهل إسرائيل باتت تشكل هذا العدو، وخصوصا مع تنامي اطماع الدول الإقليمية كإيران وتركيا.

هذا ولعب العامل الفلسطيني دورا سلبيا في هذا التراجع بحالة ألإنقسام الفلسطيني ، والعودة لإستقطاب القضية الفلسطينية مرة ثانية ، وخضوعها لسياسة المحاور الإقليمية والدولية.ولعل من أبرز ألأسباب التي أدت إلى هذا التراجع هو الدور السلبي للسياسات الفلسطينية التي فشلت بالنأي عن التدخل في السياسات العربية . وفي السياق نفسه لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي في العمل على تفريغ القضية الفلسطينية من أولوياتها ألإقليمية والدولية مستفيدة من ثورة التحولات العربية وتنامي دور الحركات الإسلامية المتشددة والمتطرفة. وزادت الأمور تعقيدا مع مرحلة ثورة التحولات العربية وبروز دور الحركات ألإسلامية الساعية للحكم كحركة الإخوان، وبروز المشروع الإسلامي الذي جاء على حساب المشروع العروبي ، وكان الفشل لهذه الثورات سببا إضافيا فيما تشهده العديد من الدول العربية من محاولات للإختراق والإستهداف بهدف إحياء المشاريع الطائفية والعرقية ، والأقليات.

كل هذه التطورات إنعكست سلبا في ضعف النظام ألإقليمي العربي الذي إنعكس بدوره على اولوية القضية الفلسطينية . واما على المستوى الدولي فلم تعد القضية الفلسطينية قضية أولوية دولية كما كان الحال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، وبدأت تبرز قضايا وأولويات اخرى تعنى القوى الكبرى المتحكمة في المنطقة ، بل إن دولة مثل الولايات المتحدة لم تعد المنطقة كلها تشكل اولوية كبرى لها ، وبدأ التحول نحو مناطق اخرى في العالم كشرق أسيا. هذا التراجع له تداعياته السلبية على مسار القضية الفلسطينية وما آلت إليه من محاولت التصفية والتقزيم والإختزل. ويبقى السؤال كيف يمكن للفلسطينيين اولا ان يجعلوا من قضيتهم قضية أولوية عربية ودولية .هذا هو التحدي ألأكبر.

مشاركة: