الرئيسية » أحمد جميل عزم »   24 شباط 2016

| | |
إضرابات المعلمين الفلسطينيين
أحمد جميل عزم

تطفو على سطح الإضراب المتواصل والاحتجاجات المستمرة للمعلمين في الضفة الغربية، مجموعة دلالات سياسية واجتماعية واقتصادية للحدث؛ فضلا عن تقديم مؤشر آخر على عمق الأزمة التي تعيشها حركة "فتح"، ومأزق "السلطة تحت الاحتلال". 
بعيداً عن تفاصيل المطالب المالية التي طالب بها المعلمون على مدى سنوات، فإنّ ما حدث هذا العام أنّ اتحاد المعلمين، أو أمانته العامة، وافق على ترتيب معين مع الحكومة. لكن الإضراب استمر، وتوسعت الاحتجاجات. وأمس، حاولت قوات الأمن الفلسطيني منع المعلمين من التظاهر، وأصبح الإضراب الحدث الأول في الشارع. واتُهم المستمرون بالاحتجاج بأنّ لديهم أجندة سياسية وفصائلية، وأشيرَ إلى حركة "حماس" ودورها. قبل ذلك، اعتُقل أساتذة في مناطق مختلفة وأُدخلوا السجون، ثم أطلقوا. واستنفرت المساجد على نحو غير معهود، قبل أيام؛ فسمع الناس نداءات عبر سماعات المآذن تعلن وقف الإضراب وانتظام العملية التعليمية، ولم ينتظم شيء.
باتت حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية سلسلة إضرابات متتالية، فيما "يعتقد" أن قبضة "حماس" الأمنية والتنظيمية، تحول دون الإضراب في غزة، إلا بقرار فصائلي؛ فبدءا من إضراب السواقين، إلى إضراب الموظفين العموميين، إلى إضراب الطلبة الجامعيين، إلى إضراب أساتذة الجامعات، فالمعلمين، فغيرهم. 
يكشف استعراض عشوائي مكثف لآراء الناس في نقاشاتهم وفي الإعلام، أنّ إضراب المعلمين سلط الضوء على تفاوت الدخل والأجور في المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك داخل الوظائف الحكومية. وبطبيعة الحال، لا تبرز دراسات دقيقة تثبت ذلك، لكن هذا هو الاعتقاد السائد على الأقل. 
في البعد الفصائلي، فإنّ من حاول تحميل فصائل معارضة مسؤولية استمرار الإضراب، إنما يعطي هذه الفصائل وزناً كبيراً، وكأنه يقول إنّ نفوذها وقوتها في الشارع كبيران جداً، من دون الانتباه إلى أنّه حتى لو كانت هناك قوى فصائلية وراء الإضراب فإنّه لن تتم الاستجابة لها لو تحقق شرطان: الأول، شعور المعلمين أنّه لا ضرورة للإضراب؛ والثاني، لو كانت حركة "فتح" التي تقود اتحاد المعلمين قادرة على إقناع الأساتذة، بما في ذلك أنصارها، بقبول موقف قيادة الاتحاد. 
استنفرت حركة "فتح" وحاولت الدخول على خط الأزمة، وقدمت نفسها كأنها مرجعية الاتحاد والمعلمين الرسمية. ففي أعقاب اجتماع ترأسه، كما في الأخبار الصادرة عن اللقاء، "اللواء توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض المنظمات الشعبية، بالأمناء العامين للاتحادات الشعبية وأمناء سر المكاتب الحركية المركزية، مع أمناء سر أقاليم حركة فتح"، صدر بيان كان مما جاء فيه "إن حركة فتح تكبر في رئيس اتحاد المعلمين والأمانة العامة المنتخبين ديمقراطياً عبر المؤتمر العام للمعلمين وفق الأصول النظامية، حيث قدم رئيس الاتحاد، الوطن والمعلمين على نفسه بوضع استقالة الاتحاد تحت تصرف مفوضية المنظمات الشعبية واللجنة المركزية واستعدادهم في الأمانة العامة للتحضير لانتخابات جديدة للاتحاد العام للمعلمين". والغريب في هذا النص أنّ حركة "فتح" تعتقد أنه يجوز أن يقدم رئيس الاتحاد الاستقالة لها أو لأحد أعضاء لجنتها المركزية، متناسية أنّ الجهة الوحيدة التي تقدم لها الاستقالة هي المعلمون أنفسهم. 
واستنفار المساجد في الخلاف هو ضرب لأطراف "الدين الرسمي" الذي تمثله الحكومة، وللأئمة العاملين في المساجد، وهذا يشجع ويعطي ورقة لمن يحض على تدين انشقاقي انقلابي، بما في ذلك أفكار "داعشية" تريد ترويج طبعتها للدين، طالما أصبحت المساجد جزءا منسقا يتحرك بتوجيهات في الخلافات النقابية. 
أمّا حركة "فتح"، فقد أوقعت نفسها في ثلاثة محاذير؛ إعطاء الفصائل المعارضة وزنا كبيرا بزعم أنها من يكسر قرار اتحاد المعلمين "الفتحاوي" وينجح في ذلك؛ وثانياً ادعاء أن الحركة مرجعية تقبل استقالة اتحاد المعلمين وتقرر أو تمنع الانتخابات، وتنسى أنها فصيل فقط؛ وثالثا أنّها لم تستنفر وتعلن مثل هذه الاجراءات في دعم الانتفاضة الراهنة والمقاومة الشعبية.
أخطر ما تعنيه إضرابات مثل إضرابات المعلمين، أنّه مع وجود سلطة تحت الاحتلال، والعجز عن تعبئة الشارع نضاليا، صار على القيادة الفلسطينية التعامل مع الهم اليومي تحت الاحتلال من دون موارد بيدها، ومن دون سلطة، وعلى حساب النضال التحرري، وأنّ الفصيل القائد يلعب دورا في إضراب أكثر مما يفعل في المقاومة.

 
 
مشاركة: