الرئيسية » هاني المصري »   26 شباط 2013

| | |
إطلاقُ سراح الأسرى حقٌّ وليسَ قضيَّةً تفاوضيَّةً
هاني المصري

 

يخوض الأسرى بشكل عام، والمضربون عن الطعام بشكل خاص، أطول معركة ملحميّة بطوليّة عرفها التاريخ تفوق قدرة البشر على التحمل، لتأكيد عدالة قضيتهم وحقهم في الحريّة.

الأسرى يستحقون تحركًا فلسطينيًا على كل المستويات الرسميّة والشعبيّة أكبر بكثير من هبة موسميّة أو ردة فعل مؤقتة نتيجة إضراب أـسرى عن الطعام أو استشهاد أسير؛ وذلك لفرض قضيتهم كقضيّة ملحة على امتداد العالم، لا سيما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لدفعه للتحرك والضغط على إسرائيل وإجبارها على إطلاق سراحهم، خصوصًا الذين يقبعون في غياهب المعتقلات الإسرائيليّة منذ ما قبل اتفاق أوسلو.

لقد أخطأت القيادة الفلسطينيّة خطأً فادحًا في تعاملها مع قضيّة الأسرى، خصوصًا عندما لم تصر على إطلاق سراح الأسرى قبل توقيع اتفاق أوسلو وتطبيقه، وتخطأ الآن عندما حولت إطلاق سراحهم إلى قضيّة تفاوضيّة، يتم طرحها كإحدى القضايا الأساسيّة التي يجب الاتفاق عليها قبل استئناف المفاوضات حينًا، وأحد شروط الاتفاق الذي يمكن أن تنتهي إليه المفاوضات حينًا آخر.

في الآونة الأخيرة، لاحظ الجميع أن هناك إعادة صياغة للشروط (عفوًا المطالب) الفلسطينيّة لاستئناف المفاوضات، التي تشمل الاتفاق على مرجعيّة واحدة وملزمة تتضمن الموافقة على قيام الدولة الفلسطينيّة على حدود عام 1967، ووقف الاستيطان وقفًا تامًا، وإطلاق سراح الأسرى، بحيث سقط شرط الاتفاق على مرجعيّة ويتم الحديث عن الشرطين الأخيرين فقط.

إن خطورة طرح قضيّة الأسرى كقضيّة تفاوضيّة تكمن أولًا: في أنها تجعل إطلاق سراحهم محل مساومة، حيث يتم التفاوض على إطلاق سراح قسم من الأسرى، وتتم المساومة على العدد، والدخول في دوامة المعايير الإسرائيليّة التي تتضمن رفض إطلاق سراح أسرى ممن تصفهم بأن أياديهم "ملطخة بالدماء اليهوديّة"، وأصحاب الأحكام العالية، وأسرى القدس والداخل الفلسطيني، وأسرى فصائل معينة بحجة أن قيادتهم لم تلتزم بـ"نبذ العنف والإرهاب" والاتفاقيات الموقّعة والاعتراف بإسرائيل.

وثانيًا: في أن إسرائيل يمكن أن ترهن إطلاق سراح قسم من الأسرى بموافقة القيادة الفلسطينيّة على استئناف المفاوضات، بحيث سيبدو الرفض الفلسطيني لمثل هذا العرض وكأنه رفض لإطلاق سراح الأسرى المنوي أو الممكن الإفراج عنهم، وهذا سيعرّض القيادة الفلسطينيّة للّوم على إهدار فرصة لإطلاق سراح بعض الأسرى، على أساس أن إطلاق سراح أي عدد أفضل من بقائهم جميعًا وراء القضبان.

وإذا وافقت ستتعرض للّوم أيضًا، لأنها تكون قد تخلت عن شروطها لاستئناف المفاوضات مقابل إطلاق سراح قسم من الأسرى الذين ستحرص إسرائيل كالعادة على أن يكونوا قد أنهوا معظم مدة حكمهم أو من كبار السن والمرضى.

ما سبق يوضح أن التعامل مع الأسرى يجب أن يكون مختلفًا جدًا عما يجري حتى الآن، خصوصًا أن التجربة الفلسطينيّة نفسها أثبتت أن المعايير الإسرائيليّة تكسر عندما يملك الفلسطينيون أوراق قوة، مثل أسر جندي إسرائيلي وموقف متماسك، كما حدث في صفقات تبادل الأسرى التي تم فيها الإفراج عن آلاف الأسرى مقابل تسليم جثث أو جنود مأسورين.

إن حق أبطال الحريّة بالإفراج عنهم حق وليس قضيّة تخضع للمساومة، وحتى تخضع إسرائيل يجب أن تلاحقها قضيّة الإفراج عن الأسرى على امتداد العالم، وتعرف أن الوضع هنا سينهار على خلفيّة الإصرار الفلسطيني على إطلاق سراح الأسرى مهما كلف الأمر من وقت وتضحيات.

إن ردة فعل الاحتلال الحاليّة على المقاومة الشعبيّة المتصاعدة على خلفيّة المطالبة بإطلاق سراح الأسرى، والناجمة من الخشية من تحولها إلى انتفاضة شاملة، ظهرت بتحويل العائدات الفلسطينيّة، ومطالبة نتنياهو الوقحة للرئيس "أبو مازن" بالتدخل لتخفيف الاحتقان؛ تدل على أن المقاومة وتصعيدها هي الطريق المضمون والأسرع للإفراج عن الأسرى من دون ثمن سياسي.

لا يكفي ما تقوم به القيادة والفصائل والشعب والنشطاء، فهذا جيد ولكنه أقل من الحد الأدنى من النضال الذي يستحقه من ضحّوا بأغلى سنوات حياتهم من أجل شعبهم.

لماذا لا نعطي للاحتلال رسالة مفادها بأن كل شيء سينهار إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى، وأنه لا تفاوض ولا تنسيق أمنيًّا ولا اقتصاديًّا ولا من أي نوع إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى، وأن الافراج عن قسم لا يكفي، وأن إطلاق سراحهم ليست نقطة تندرج على طاولة المفاوضات أو من أجل الاتفاق على استئناف المفاوضات، ما يؤدي إلى أن إطلاق سراح قسم من الأسرى وفق المعايير الإسرائيليّة يكون مقابل ثمن غالٍ جدًا، وهو العودة إلى دوامة المفاوضات الجهنميّة العبثيّة التي تفيد إسرائيل فائدة عظيمة، بحيث تستخدم المفاوضات للتغطيّة على ما تقوم به من خلق حقائق احتلاليّة واستيطانيّة، بما فيها اعتقال المزيد من الأسرى، حتى بما يشمل الأسرى الذين تم الإفراج عنهم سابقا لانتهاء محكوميتهم أو ضمن صفقات تبادل الأسرى.

قد يقول قائل إن التعامل مع قضيّة الأسرى كحق غير قابل للتفاوض عليه سيؤدي إلى عدم إطلاق سراح أيٍ منهم، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فالمطالبة بالإفراج عن الأسرى من دون استثناء لا تعني رفض الإفراج عن دفعات منهم ولا تحسين شروط حياتهم في الأسر، ولكنه يعني إن الإستراتيجيّة الحاسمة للإفراج عنهم هي أن الإفراج عنهم جميعًا حق لا يقبل المساومة وأن الإفراج عن أي منهم أو تحسين شروط أسرهم يجب ألا يكون له ثمنٌ سياسيٌّ، لأن ذلك يمس بالقضيّة الوطنيّة التي ناضلوا وسجنوا من أجلها.

إن التجربة منذ اعتقال أول فلسطيني وحتى الآن شهدت اعتقال أكثر من 800 ألف فلسطيني، العديد منهم لأكثر من مرة؛ تدل على أن التعامل الرسمي الفلسطيني مع الأسرى يشوبه الكثير من الأخطاء والنواقص التي بحاجة إلى معالجة، وأهمها تصور أن إظهار النوايا الحسنة والمرونة والاعتدال المفرط يمكن أن يشجع إسرائيل على الاستجابة للمطالب الفلسطينيّة، الذي أدى إلى فتح شهيّة إسرائيل على المزيد من التنازلات الفلسطيينيّة، حتى بالنسبة لقضيّة لا تحتمل التنازلات مثل قضيّة الأسرى.

إن إسرائيل شأنها شأن أي احتلال في التاريخ لا تفهم سوى لغة واحدة هي لغة المقاومة، وعندما تشعر أن الاحتفاظ بالأسرى سيعرضها إلى خسائر متنوعة أكثر من الأرباح التي تعود عليها من الاحتفاظ بهم فستطلق سراحهم.

ما يؤكد هذا الاستخلاص أننا الآن بعد أكثر من عشرين عامًا على بدء ما يسمى "عمليّة السلام" أبعد عن تحقيق أيٍ من الحقوق الفلسطينيّة، بما فيها إطلاق سراح الأسرى، وإنهاء الاحتلال، وحق تقرير المصير، وحق العودة والاستقلال الوطني. فالاستقلال الوطني لا يزال بعيدًا بالرغم من الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينيّة المراقبة، وكل يوم يصبح بعيدًا أكثر، إذا لم ندرك أننا بحاجة إلى مسار جديد قادر على تغيير موازين القوى، وفي ظل توسيع الاستيطان وتهويد القدس وأسرلتها وتقطيع الأوصال والجدار والحصار والانقسام وغياب المشروع الوطني الجامع والمؤسسة الواحدة والقيادة الموحدة.

لقد آن الأوان لإطلاق سراح الأسرى، وعمل كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف، خصوصا المعتقلين منذ ما قبل أوسلو، فليتم التعامل على هذا الأساس، وليس على أساس أن معركة الإفراج عن الأسرى مرتبطة بنجاح أو فشل عمليّة سلام ماتت منذ زمن بعيد.

Hanimasri267@hotmail.com

مشاركة: