الرئيسية » أحمد جميل عزم »   08 حزيران 2016

| | |
باريس أخذت الخدمة مجانا!
أحمد جميل عزم

كان اجتماع باريس للسلام، الأسبوع الماضي، فاشلاً بكل معنى الكلمة، للدبلوماسية الفلسطينية وللفلسطينيين، وحتى للعرب. وليس دقيقاً تماماً أنّ الأمر يتعلق فقط بتدخل دول كبرى أفرغت البيان من محتواه، كما أشار مسؤولون فلسطينيون؛ فمعالم النكسة جاءت متدرجة على مدى نحو عام. ولا يمكن، مثلا، الحديث أنّ المؤتمر/ الاجتماع، له فضيلة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، لأنّه كانت هناك بدائل أخرى. والحقيقة أنّ الفلسطينيين وقعوا في خطأ "بيع الخدمة من دون تحديد الثمن". 
كان المطلوب فلسطينيا عملية سياسية تؤدي إلى انتهاء الاحتلال، أو على الأقل مفاوضات بطرق ومرجعيات تختلف عما حدث خلال نحو ربع قرن مضى. وجاء البيان الصادر عن الاجتماع واضحاً بالقول: "إنّ المفاوضات المباشرة بين الطرفين يجب أن تبنى على أساس قرارات مجلس الأمن"؛ فالمفاوضات المباشرة هي الهدف إذن، وهي المطلب الإسرائيلي. أما موضوع قرارات مجلس الأمن، فهي نص فضفاض أُشير إليه سابقاً، ولو كان الأمر قرارات مجلس الأمن لتم الحديث عن تنفيذها، وليس أن تكون جزءا من تفاوض مباشر. والمفاوضات الثنائية كانت معلنة مع بدء المؤتمر على الأقل؛ إذ جاء على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، في افتتاح الاجتماع: "قناعتي النهائية هي أن الأمر يرجع إلى الطرفين المعنيين، الإسرائيليين والفلسطينيين". وهذا ما أكده وزير الخارجية الأميركية جون كيري، عقب المؤتمر، بقوله إنّ "مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ستكون السبيل الوحيد". 
قدّم الفلسطينيون خدمة للفرنسيين، بالتراجع عن الذهاب إلى الأمم المتحدة وعن طلب قرارات تحدد موعد إنهاء الاحتلال، بل وتم التراجع عن الذهاب إلى الأمم المتحدة من أجل قضايا مثل الاستيطان. وكل ذلك بذريعة إفساح المجال والفرصة للتحرك الفرنسي. 
من المعروف في قواعد التفاوض، أنّه لا يجب أن تقدم خدمة سياسية لطرف من دون ثمن محدد ومدفوع فوراً وسلفاً؛ فأي خدمة تفقد قيمتها بعد أدائها، وتُنسى. لذلك، يجب الحصول على تحديد الثمن رسميّاً قبل أداء الخدمة، وأن يتم تحديد موعد سداد الثمن. 
لوّح الفرنسيون في مرحلة ما بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية كثمن في حالة لم تتقدم عملية السلام والمفاوضات. وكان هذا أصلا مقابل تنازل فلسطيني؛ فهو يعني ضمنياً القبول بعملية تفاوضية ما، من دون ضمانات ومرجعيات دولية، مقابل الاعتراف الفرنسي. لكن حتى هذا العرض الفرنسي، الذي جاء لتزيين فكرة العمل خارج الأمم المتحدة، ثم ليكون ذلك ضمن صيغة تفاوضية غير جديدة، تم التراجع عنه. ومع ذلك، استمر التعاون الفلسطيني بإيجابية ومرونة. 
لم يكن يجدر الترحيب بالمؤتمر الفرنسي أو التعبير عن التفاؤل، إلا بعد الحصول على نصوص واضحة ومحددة بما سيتم إعلانه والتعامل معه. 
قدم الفرنسيون خدمة للإسرائيليين، بإبعاد الفلسطينيين، ولو إلى حين، عن الأمم المتحدة وعن المزيد من القرارات الدولية. وحصلوا هم (الفرنسيون) على كل حملة العلاقات العامة التي يريدونها كطرف فاعل دولياً، وظهروا أمام شعبهم، بمن فيهم أصحاب الأصول العربية والمسلمة، كمن يهتم بقضية تعنيهم، ثم أداروا ظهرهم للفلسطينيين. وحتى المؤتمر المزمع في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لا يبدو مؤكداً أو ذا معالم واضحة.
وكجائزة ترضية، يجري الحديث الغائم عن حوافز اقتصادية للفلسطينيين مقابل الاستمرار في "اللعبة". 
كان أجدر وأكثر وقعاً، وأكثر إثارة لاهتمام حقيقي في العالم، لو انعقد مجلس وطني فلسطيني جديد فعلي. وكان أجدر وأكثر وقعاً وإثارة للاهتمام، لو كان الجهد باتجاه مؤتمر عربي لأجل فلسطين، أو حتى مؤتمر يسمى مؤتمر "أصدقاء فلسطين"، أو أي صيغة أخرى.
نسي الفرنسيون وغيرهم أنّه عندما أُغفلت القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي، حدثت هبّة. وأنه عندما تهان القضية هكذا يكون هناك شيء محتمل.  
يمكن لقرارات ومشاريع قرارات في مجلس الأمن، ومشاريع إعادة بناء الاتحادات المهنية، وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وتفعيل الجاليات حول العالم، أن يؤدي إلى اهتمام عالمي حقيقي، لدرجة أنّ دولة مثل فرنسا أو غيرها، عندما تريد أن تتدخل ستكون جدية وصادقة، وتضع ثمنا محددا لما تطلبه، وإلا فلتستنكف عن بيع الوهم.

مشاركة: