الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   06 شباط 2022

| | |
الشعب الفلسطيني يفتقر إلى القيادة التي يستحقها، والمعارضة التي يحتاجها
غانية ملحيس

تظهر السجالات الفلسطينية المحتدمة بين أطياف الطبقة السياسية الفلسطينية،والتي باتت ترافق انعقاد اجتماعات الأطر القيادية الفلسطينية عموما، وأطر منظمة التحرير الفلسطينية خصوصا، والمطالبات المتباينة بشأن انعقادها ومقاطعتها، وآخرها اجتماع المجلس المركزي المزمع عقده في رام الله يوم غد الأحد، عجز الطبقة السياسية الفلسطينية حد الشلل.

فالنظام الفلسطيني القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي التي يتيحها العدو الصهيوني ورعاته الأمريكيون الذين يمسكون بمفاتيح التشغيل والسحب، عبر إلزام أتباعهم الممولين عربا وأوروبيين بتعليمات التمويل والحجب. فلم يعد يبالي حتى بصيغ إخراج القرارات التي يحاول فرضها على الاجتماعات.فيعلن نتائجها قبل انعقادها، ويمعن،بذلك، في إذلال الشعب الفلسطيني بتغيير بنية مؤسساته التمثيلية، ويفرض من يرغب في مواقع القرار الفلسطيني. ويلزم المجتمعين بالمصادقة على النتائج بتغطية إعلامية فلسطينية وعربية ودولية.

والمعارضة على اختلاف تياراتها السياسية والفكرية تدور في فلك النظام السياسي الفلسطيني القائم:

* فلا تلفتها فرادة التجربة الفلسطينية في التاريخ الإنساني المدون. وبدعة الحكم الذاتي تحت استعمار استيطاني صهيوني تلتزم حكوماته المتعاقبة بتنفيذ وعد إلهي حصري لشعبه المختار بامتلاك فلسطين، فلا قبل بتغييره أو التفاوض حوله وفقا للقوانين الوضعية التي ارتضاها بني البشر لتنظيم تعايشهم على كوكب الأرض. ويستوجب،بالتالي، المضي قدما باستبدال فلسطين بإسرائيل، واستبدال شعبها العربي الأصلاني بالغزاة المستوطنين اليهود الأجانب.

* ولا حتى تستخلص الدروس من ثلاثة عقود من الفشل الفلسطيني الذريع في إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة على 22% من مساحة فلسطين الانتدابية.

- بتهويد وأسرلة القدس الشرقية وتوسيع حدودها شرقا وتغيير طابعها الجغرافي والديموغرافي والحضاري، وتكريس القدس الموحدة عاصمة أبدية للمستعمرة الصهيونية باعتراف الولايات المتحدة الامريكية وتكريسه بنقل مقر سفارتها إليها.

- واستبعاد قطاع غزة الجاري تدميره عبر حروب إبادة تتابع حلقاتها،وحصار متواصل يتنامى إحكامه لتطويع سكانه وإخضاع حاكميه لشروط البقاء، بمقايضة الترتيبات الأمنية بالاحتياجات المعيشية.

- وتمدد المستعمرة الصهيونية في عمق الضفة الغربية واستيلائها على مصادر مياهها وأكثر من ثلثي أراضيها، ودفع نحو 10% من مستوطنيها اليهود للسكن في المستعمرات الاستيطانية التي يتزايد انتشارها بين المعازل السكانية الفلسطينية بتسارع غير مسبوق. ودون أن يمنع ذلك السلطة الفلسطينية من مواصلة المراهنة على الولايات المتحدة الامريكية في تنفيذ "حل الدولتين" وفقا لحدود الرابع من حزيران عام 1967، رغم تواصل إسهامها الرئيس في تقويض إمكاناته.

* ولا تعترض حتى على مبدأ عقد اجتماعات لأطر قيادية فلسطينية في مكان يتحكم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري بالسماح بدخولها أو بمنعه، عبر سيطرته الأمنية، وتحكمه بأذون الحركة والتنقل الملزمة للمشاركين جميعا - قادة وعناصر -.

 وجل ما يشغل قوى المعارضة الفلسطينية اختلافات على نسب اقتسام المواقع والصلاحيات والموازنات والتشارك في اتخاذ القرارات، في نظام ما يزال يتمسك بمواصلة التزامه بتنفيذ أحادي لشروط اتفاق أوسلو الأمنية والاقتصادية والسياسية رغم انقلاب إسرائيل عليه منذ عقدين.

معضلة المعارضة الفلسطينية بجميع أطيافها تكمن في قضيتين رئيسيتين:

الأولى: أنها تعتقد بإمكانية مهادنة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الإجلايي - الإحلالي عبر التفاوض السلمي لمقايضة جزء من الأراضي الفلسطينية الخاضعة كلها له وفقا للأقدمية الزمنية لاستعمارها ، واقتناعها بأن التنازل عن 78% مما سبق استعماره من فلسطين عام 1948، كاف للتخلي الصهيوني الطوعي عن 22%، التي تأخر استعمارها حتى العام 1967. وهو أمر لم يعرف التاريخ الإنساني المدون سابقة واحدة لنجاحه في أي بقعة من العالم.

والثانية: أنها غير مستعدة على الإطلاق لتحمل أعباء النضال التحرري الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري لا في كامل فلسطين، ولا حتى في حدود العام 1967 التي تعترف بها الشرعية الدولية كأراضي فلسطينية محتلة، والمفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية.

وأن ذلك، هو السبب الحقيقي في تحول الطبقة السياسية الفلسطينية بكاملها إلى عبء على عموم الشعب الفلسطيني، الذي يترك أبناؤه يواجهون الاستعمار الصهيوني والتصدي فرادى لهجوم جيش المستعمرة الصهيونية ومستوطنيها على أراضيهم وممتلكاتهم ومستلزمات بقائهم.

وهو أساسا ما أدى إلى انفضاض الشعب الفلسطيني بغالبيته الساحقة عن الطبقة السياسية الفلسطينية في الموالاة والمعارضة على السواء. والذي يدلل عليه بوضوح عدم اهتمام عامة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها ،بالسجالات الجارية بين أقطابها حول انعقاد المجلس المركزي أو حتى المجلس الوطني. فقد بات الشعب الفلسطيني برمته، يرى أن عموم المنظومة السياسية الفصائلية الفلسطينية القائمة، التي تسيطر على مراكز صنع القرار الفلسطيني لا صلة لها به. ولم تعد جديرة بتمثيله. وأن تفكيكها وإعادة بناء منظومة فلسطينية جديدة مؤهلة يقودها الشباب الفلسطيني المناضل الذي يتصدى منفردا للعدو على امتداد ساحات فلسطين وفي مواطن اللجوء، لقيادة نضاله الوطني التحرري، بات ضرورة ملحة، لتوفير موجبات تفكيك النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني وهزيمته.

 
 
 
 
 
 
مشاركة: