الرئيسية » الكتاب »  

| | |
غانية ملحيس












































































































































لا يحتاج الشعب الفلسطيني إلى المعجزات ليستعيد وجوده الفاعل على الخريطة السياسية والجغرافية العربية والإقليمية والدولية. فالمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ليس أول مشروع استعماري استيطاني غربي ينشأ  في فلسطين، التي تتموضع في مركزالوصل والفصل  الجغرافي والديموغرافي والحضاري بين مشرق المنطقة العربية – الإسلامية الممتدة ومغربها. والتي تقع في مركز العالمعند ملتقى قاراته الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وتشرف ،بذلك، على خطوط التجارة والملاحة والمواصلات والاتصالات الدولية. وتمتلك  ثروات طبيعية ومعدنية وفيرة. وتحتوي على احتياطيات – هي الأكبر عالميا – لمصادر الطاقة الأحفورية الرخيصة، التي تشكل عصبالاقتصاد الدولي. وتسكنها شعوب متعددة الأعراق والإثنيات والألوان والأديان والطوائف والمذاهب. تنتمي إلى أمة واحدة تتشارك الجغرافياوالتاريخ والثقافة والحضارة. تسيدت العالم لقرون طويلة، وأسهمت منجزاتها في إثراء الحضارة الإنسانية. وما تزال شعوبها قاطبة - رغم  واقعها  المرير وإقحامها واستنزافها في صراعات وحروب بينية وأهلية - تؤمن بوحدة المستقبل والمصير . يضاعف من أهمية فلسطين، بالإضافة إلى موقعها الجيو - استراتيجي  الفريد خصائص رئيسية مهمة أبرزها : قدسيتها  كمركز إشعاعحضاري باعتبارها مهد الديانات السماوية الثلاث،التي يدين بها ثلثا البشرية. وصغر حجمها  الجغرافي والديموغرافي . ما جعلاستعمارها واستبدال شعبها العربي الفلسطيني الأصيل بمستوطنين أجانب، هدفا مركزيا ثابتا  في سياسات ومخططات القوى الدوليةالمتنفذة المتنافسة على  القيادة العالمية. ليس لذاتها، وإنما لأهمية توظيفها كقاعدة استعمارية أجنبية متقدمة، والانطلاق منها للسيطرة علىعموم المنطقة الجيو - استراتيجية التي تلعب السيطرة عليها دورا محوريا في ترجيح موازين القوى الدولية . فقد سبق المشروع  الاستعماري الاستيطاني الصهيوني  القائم حاليا في فلسطين . استعمار استيطاني إفرنجي مماثل تم انشاءه قبلعشرة قرون واستظل، آنذاك، بالدين المسيحي /المشروع الصليبي/  واستدام  بقاءه قرابة قرنين . ويصادف هذا الأسبوع الذكرى الثمانمائةوست وثلاثون لهزيمته وتحرير القدس في 2/10/1187 م. فاستعصت فلسطين،آنذاك، على الزوال، واستعصى شعبها العربي الفلسطينيعلى الفناء .  صحيح أن عدونا الصهيوني يفوقنا قوة وقدرة وحداثة. وصحيح ،أيضا، أن الشعب الفلسطيني الصغير والأعزل والمتخلف بالمعنىالحداثي-وليس الحضاري- بالغ الضعف مقارنة بعدوه :  -   الذي يمتلك قوة عسكرية فائقة. وسلاحا نوويا خارج إطار الرقابة الدولية.واقتصادا متطورا. ووجودا استيطانيا أجنبيا يهوديا وازنا. وبنىتنظيمية ومؤسسية متطورة. ومنظومة قانونية عنصرية شاملة تمكنه من إحكام سيطرته على الجغرافيا والديموغرافيا في كامل فلسطينالانتدابية. ويمتلك احتياطيا ديموغرافيا يهوديا متنفذا في مختلف دول العالم     -  ويحظى بحماية ودعم القوى الدولية المتنفذة .    -  وينعم، أيضا، بتواطؤ النظام العربي الرسمي وخنوعه، واستعداده للتضحية بالشعوب العربية. ولا يتوانى -من أجل إدامة بقائه- عنالقيام بدور الوكيل الاستعماري المكلف بعزل ومحاصرة شعوبه داخل حدود قطرية مصطنعة.تكريس تجزئة الأمة،وتمنعها من استعادةالتكامل الأفقي والعمودي الذي كان قائما بين اقتصاداتها، وتعمق ارتباطها التبعي بالمراكز الاستعمارية المتقدمة. بل ولا يتورع عن ارتكابالمجازر  ضدها وتوظيف اختلافات مكوناتها الإثنية والعرقية والقبلية والعشائرية والدينية والطائفية والمذهبية، وإقحامها في حروب بينيةوأهلية تستنزف قواها، لإدامة السيطرة عليها . والحيلولة دون نشوء قوى أصيلة وازنة/وطنية وقومية وإقليمية/ مؤهلة لاستعادة حرية الأمةوسيادتها ووحدتها .  ويتحصن، كذلك، بجاهزية الأنظمة العربية للتخلي رسميا عن الشعب الفلسطيني ، كما تخلى أبناء   يعقوب عن أخيهم الأصغريوسف. ويستقوي، أيضا، بعجز النظام السياسي الفصائلي الفلسطيني وانقسامه. وانغماس أقطابه في صراعات بينية على المصالحوالنفوذ. وبإخفاق الطبقة السياسية الفلسطينية وعجزها عن توفير نظام سياسي فلسطيني بديل مؤهل لقيادة الشعب الفلسطينيداخل فلسطين وخارجها، وتعبئته وزيادة مناعته في مواجهة عدو عنصري فاشي يحتكم إلى المعادلة الصفرية لحسم الصراع. لكن الصحيح أيضا -كما يدلل التاريخ الإنساني المدون- أن اختلال موازين القوى لصالح الغزاة الأجانب وحلفائهم وعملائهم لم  يحل يومادون تفوق قوة الحق على حق القوة مهما طغت. عند تمسك أصحابه بإحقاقه مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.  فقد  سبق وهزم المشروع الاستعماري الاستيطاني الإفرنجي/ الصليبي/ وآل إلى الزوال، وبقيت فلسطين-كما كانت منذ الأمد وكما ستبقىحتى  الأزل- وطن الشعب الفلسطيني. تماما كما لم يحل اختلال موازين القوى  دون انتصار الشعب الجزائري في 3/7/1962 على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي دام132 عام .  ولم يمنع  هذا الاختلال  انتصار الشعب الفيتنامي على  القوة العالمية الأعظم -الولايات المتحدة الامريكية- في 30/4/1975.  ولم يحل ،أيضا، دون انتصار شعب جنوب افريقيا على نظام الفصل العنصري في 30/6/1991، رغم  تفوقه واستقوائه بحلفائه فيالمستعمرة الصهيونىة والقوى الغربية المتنفذة.  فقد انتصروا  جميعا  على الغزاة  الأجانب الطامعين في بلادهم، رغم الفوارق الهائلة في موازين القوى : عندما امتلكوا الوعي المعرفي بعدوهم وأهدافه ومكامن قوته وسبل تحييدها، ومواطن ضعفه وفرص تعميقها .  وعندما  أدركوا موجبات هزيمته ومستلزمات الانتصار عليه . وعندما وفروا الشروط الذاتية والموضوعية، وبنوا القدرة الوطنية الذاتية، وعززوا المناعة المجتمعية، وأسسوا للنهوض على صعيد الفكروالرؤى والتخطيط والبرمجة والتنفيذ في المجالات كافة/ العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتنظيميةوالإدارية والمؤسسية/. وطوروا تحالفاتهم مع القوى المحلية والإقليمية والدولية المعادية للاستعمار والمناهضة للعنصرية، والمدافعة عنتساوي الحقوق الإنسانية الأساسية في الحياة والحرية وتقرير المصير .  وعندما تبينوا طول أمد الصراع، وأداروه بكفاءة، وراكموا الإنجازات التي حققتها الأجيال المتعاقبة، وتمكنوا من رفع كلفة استمراراحتلال بلادهم لتفوق عوائده بما يتعذر مواصلة احتمالها. فاستحقوا النصر وبلغوه . وأعتقد أننا جميعا ندرك أن وجود الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في بلادنا المأهولة بأصحابها الأصلانيين،المصممين على بلوغ حقوقهم الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف، يخضع لذات القواعد، ويحتكم إلى الحتمية التاريخية بزواله. ...



















































































مشاركة: