الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   11 آب 2025

| | |
حين تقاس الأفعال بالولاءات لا بالحقائق: أزمة المعيار في العقل العربي.
غانية ملحيس

إحدى أزمات العقل العربي المعاصر، بما في ذلك الفلسطيني، أنه كثيرا ما يخلط بين الفعل والفاعل، وبين الغاية والوسيلة. فيحاكم الحدث لا على أساس موضوعيته أو أثره، بل وفق موقع الفاعل في خريطة الولاءات والخصومات. فإذا لم يرضه الفعل، هاجم الفاعل ولو أصاب، وإذا كان الفاعل من دائرته، برر له حتى الخطأ. وهكذا تتعدد مرجعيات التقييم وتتسع مقاييس الحكم حتى تصبح مطاطة، تخضع للنوايا والمآرب الخفية أكثر مما تخضع لمعيار ثابت أو مصلحة عامة.

بهذه الذهنية تم شيطنة المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني لأن من يحمل رايتها في هذه المرحلة كان من حركات الإسلام السياسي. مع أن هذه الأفعال نفسها مارستها الحركات الوطنية والقومية من قبل. فاتهمت آنذاك بالإرهاب وتهديد الاستقرار القطري والقومي والدولي، إلى أن جرى إخراجها من ساحة الفعل المقاوم وتطويعها في معسكر النظام العربي الممتثل للشروط الإسرائيلية والغربية.

وبالمعيار نفسه، تم التعامل مع إيران وكأنها لم تكن فارسية وشيعية حين كان الشاه حليفا استراتيجيا للغرب والكيان الصهيوني، ولم تكتشف “فارسيتها” عند احتلالها جزر الإمارات الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى وابو موسى) في مطلع السبعينيات، بل اكتشفت فقط في نهاية العقد نفسه بعد الثورة الإسلامية حين أغلقت سفارة الكيان الصهيوني واستبدلتها بسفارة نقيضها فلسطين، فأشعل العرب حربا عليها بلسان القومية العربية. وكذلك لم تكتشف “عثمانية” تركيا إلا بعد وصول أردوغان للحكم، رغم بقائه في حلف الأطلسي ومواصلة تعاونه مع الكيان، لكنه أصبح هدفا مشروعا عندما أراد تعزيز مناعة تركيا الذاتيه اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا، وبات عثمانيا أكثر كلما أظهر تعاطفا مع الفلسطينيين أو عارض الإبادة الجماعية ضدهم.

والحقيقة أن لا إيران ولا تركيا عندما تقفان - فعلا أو لفظا - ضد السلوك الفاشي الصهيوني تفعلان ذلك من أجل فلسطين بالدرجة الأولى، وإنما لإدراكهما أن التغول الإمبريالي الصهيوني سيصل إليهما إن تمكن من كسر المقاومة الفلسطينية، وهي خط الدفاع الأول والأخير عن أمة العرب التي ارتضى حكامها الخضوع لعدوّهم ونصّبوه قائدا لـ “الحلف الإبراهيمي”.

لمن أراد أن يعي من بني جلدتنا: فلسطين وحدها هي معيار الحكم على أي فعل. فإن كان يصب في فضح العدو ورعاته وأتباعه، فهو فعل محمود ولو جاء على لسان الجزيرة أو العربية أو حتى القنوات العبرية نفسها.

 

مشاركة: