أثار مشهد مصافحة امرأة فلسطينية في غزة للمبعوث الأمريكي ويتكوف سجالا أخلاقيا وفكريا حادا. فهل تدان النجاة؟ أم يُساءل الرمز.
عندما تناول الأستاذ عادل الأسطة، في خربشتيه (669 و670)، مشهد مصافحة امرأة فلسطينية في غزة للمبعوث الأمريكي ويتكوف، بلغة ساخرة أقرب إلى التلميح منها إلى النقد الصريح، مما فتح باب التأويل والتعقيب.
في تعقيبي على ما ورد، رأيت أن الحدث لا يجوز التعامل معه بوصفه واقعة هامشية، أو بلغة تهكمية فحسب. بل ينبغي مساءلته باعتباره فعلا رمزيا بالغ الدلالة، جرى في لحظة يتعرض فيها الشعب الفلسطيني في غزة لإبادة جماعية وتجويع وقنص لطوابير طالبي المساعدات، التي تحتكر توزيعها “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي منظمة أمريكية أُسست في شباط/فبراير/ 2025 كجهة خاصة لتوزيع المساعدات في القطاع، بحراسة الجيش الإسرائيلي، الذي حوّل مواقع التوزيع إلى مصائد موت قضى فيها، حتى مطلع آب/أغسطس/ الجاري، 1487 فلسطينيا من طالبي المساعدات.
ويتيكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – الذي أعلن في الرابع من شباط/فبراير/ 2025 مشروعه لاستملاك غزة، ونقل سكانها إلى مصر والأردن ودول أخرى “لإنقاذهم من الموت”. واستثمار غزة سياحيا وتحويلها إلى “ريفيرا الشرق الأوسط” – زار القطاع في 1/8/2025 برفقة ضباط الجيش الإسرائيلي، ربما للتحقق من مدى تقدم مشروع التجريف والتهجير “الطوعي” الناتج عن القتل والتدمير والتجويع، تحت شعار “التحقق من المجاعة ونقل شهادته الحية لترامب”.
وبعد خمس ساعات من جولته، قام ضابط إسرائيلي باستدعاء امرأة فلسطينية من بين صفوف المنتظرين للمساعدات، فتّش حقيبتها، ثم سمح لها بمصافحة ويتكوف. وكانت الكاميرا جاهزة لالتقاط صورة تسمح للقاتل بالظهور بمظهر المنقذ. بعد ذلك، أعلن المبعوث الأمريكي أنه لم يجد دليلا على وجود مجاعة في غزة – رغم أن عدد شهداء الحصار والتجويع الإسرائيلي قد بلغ حتى أول آب/أغسطس 162 فلسطينيا، معظمهم من الأطفال.
وقد أثار تعقيبي النقدي على أسلوب الأستاذ عادل الأسطة الساخر في تناول حدث المصافحة، ردا من الصديق شجاع الصفدي، الذي دعا إلى التريث، واعتبر أن الاستماع إلى سردية المرأة الجائعة أهم من إطلاق الأحكام.
وهكذا نشأ بيننا سجال فكري وأخلاقي، اتسم بالاحترام واختلاف المقاربات:
- بين من يرى أن الحدث يمثل سقوطا رمزيا يستوجب مساءلة البنية التي أنتجته وسمحت به.
- ومن يرى أن الناجي لا يدان، وأن السياق الإنساني يجب أن يراعى قبل الحكم على الرموز.
بين ضرورة الإنصات لنجاة فردية، ومساءلة رمز وقعت عليه كاميرات الإبادة
أنقل هذا السجال إلى الفضاء العام كما ورد حرفيا، من تعليقاتنا على صفحة الأستاذ عادل الأسطة على فيسبوك، ليس بهدف تسجيل المواقف، بل انطلاقا من أهمية الحوار ذاته، وضرورته في معركة الوعي والمقاومة
تعليق شجاع الصفدي على تعليقي
” في خضم كل من تحدثوا عن المصافحة، كان على الجميع أن يستمع للمرأة ذاتها وما قالته، لعلهم يقلعون عن التنظير.
قلناها ألف مرة، الشبعان لا يملي على الجائع ويطلب منه ممارسة تمارين رياضية مثلا!
أمس شاهدت فيديو للمرأة تتحدث وهي برأيي المخولة الوحيدة بسردية الحقيقة”.
ردي على تعليقه
” الصديق العزيز شجاع،
تابعت تعليقك، كما تابعت الفيديو الذي أشرت إليه، واستوقفتني كلمات المرأة، وحرارة دفاعها عن نفسها، والظروف القاسية التي أحاطت بالمشهد.
نعم، شهادتها مهمة، وصوتها لا يمكن تجاهله. لكنني أختلف معك حين تقول إنها “المخوّلة الوحيدة بسردية الحقيقة”.
فالإنصات لا يعني تعليق المساءلة، ولا يعني أن نغلق أبواب التفكير النقدي بحجة الظرف القاهر. بل على العكس، في لحظات الاضطرار القصوى، تزداد الحاجة إلى تفكيك ما يفرض على الضحية من تمثيلات رمزية لا تعبّر بالضرورة عنها، بل عن البنية التي وضعتها هناك.
حين ندين المصافحة، لا ندين المرأة، بل نحاكم حدثا رمزيا خطيرا، ونسائل بنية كاملة سمحت للقاتل بأن يُقدَّم كمنقذ. وبالضحايا أن يُدفعوا لتبرير وجوده بلحظة المجزرة. هذه ليست مسألة “تنظير الشبعان للجائع”، بل مساءلة لأخطر ما في المأساة: تحويل الجوع إلى أداة لصناعة الخضوع.
المصافحة ليست مجرد رد فعل فردي، بل فعل رمزي محمّل بالمعاني، ومن واجبنا أن نقرأها بهذا العمق، لا أن نعفيها باسم التعاطف أو الضرورة. فحين نُفرّط بالرمز، نكون قد خسرنا المعركة قبل أن تبدأ.
لذا نعم، نصغي للمرأة. لكننا لا نتنازل عن مسؤوليتنا في أن نصغي أيضا لما يقوله المشهد عنّا، وعن البنية التي نعيش فيها. السكوت ليس إنصاتا، والمساءلة ليست إدانة.
مودتي واحترامي”
رد شجاع الصفدي
“اعذري تطرفي وانحيازي للجائعين، لا يجب حتى لوم السيدة ولو صافحت الشيطان، ألم يكن جديرا بحضرتك التطرق ولو قليلا لمن ترك المرأة للجوع؟
لو ظلت هذه السيدة معززة مكرمة واعتنى بجوعها وكرامتها أولو الأمر، هل كانت ستذهب لتقف في صف طويل لتنتظر اللقمة؟ هذا أسوأ تهرب من الإشارة بإصبع الاتهام للمقصر الحقيقي. والسؤال: هل المرأة الجائعة التي تصطف طابورا لقضاء الحاجة مدانة، أما المفاوض الذي يطلب مصافحة ويتكوف ضمن الصفقة لو تمت فذلك بطولة واجبار أمريكا على الاعتراف؟
يا سيدة غانية كل كلامك المحترم والذي أدرك وطنيتك وحرصك من خلاله لا يكترث به الجياع. لا تكترث به امرأة دمر منزلها وفقدت أسرتها، وتعيل أطفالا، وتحتاج أسبوعا من التخطيط لتستحم، وتستخدم خرقة بالية بدلا من الفوط الصحية، وتكتفي بلتر ماء لتتطهر من الغائط!
يا سيدة غانية كل قناعاتك ومبادئك ووطنيتك محترمة ومقدرة، لكن نساء غزة يقولون لكل ذلك المشهد: إلى الجحيم. كل المشهد والبنية والإصغاء والإدانة والمعركة محض هراء بالنسبة لنساء فقدن كل شيء.. المصافحة التي ترينها مزعجة، هي بنظر المرأة مصلحة مؤقتة تفي بالغرض وتسد الجوع. بنظرها فليذهب كل التنظير للجحيم إن كانت ستعود لأطفالها بشيء يسد الرمق. والسؤال الأهم: هل المصافحة للساسة حلال ومشروعة، وللمطحون خيانة؟؟
أنت بالتأكيد حرة في أفكارك وقناعاتك، لكنها من منطقة واسعة تماما، اسألي دكتور عادل رأيه عن الفرق ما بين غزة وخارجها في النظر للأمور.. تحياتي”.
ردي على مداخلته
“الصديق العزيز شجاع،
شكرا لانفعالك الصادق، ولألمك الذي لا يمكن إلا أن يحترم.
لا أقرأ كلماتك كاتهام، بل كصرخة وجع، وأتفهم تماما ما تعنيه حين تقول إن من يده في النار لا يأبه لما يقوله من يده في الماء. لكن دعني أضع بين يديك بعض النقاط التي أراها ضرورية لتدقيق الموقف، حتى لا نحرف البوصلة دون أن نشعر.
أولا، لم أُدن المرأة، لا تصريحا ولا تلميحا.
أعرف جيدا، بل أستشعر بكل وجداني، أن هذه السيدة تقف في طابور المهانة لا لأنها اختارته، بل لأن كل البنى من حولها تواطأت على إيصالها إليه: الاحتلال، الخذلان، الحصار، الانقسام، سقوط التمثيل السياسي، والانهيار العربي.
هذه المرأة ضحية، وليست متهمة. وما كتبته ليس موجها لها، بل لتلك البنية السياسية والرمزية التي جعلت الجوع سلاحا، والمصافحة مخرجا، والانكسار بطولة مؤقتة.
ثانيا، لا أختلف معك أن من يعيش الألم لا يعنيه خطاب العقلانية والتحليل.
لكن هل يسقط هذا عن المثقف دوره في الجهر بالعطب والدعوة لمواجهته؟
لو تخلى من بقيت يده في “الماء” عن صوته، هل ينتظر ممن احترقت يداه أن يصوغ مشروعا لمواجهة البنية المعطوبة؟
المثقف، يا صديقي، لا يملك رفاهية الصمت، حتى لو وصف كلامه بالتنظير. لأنه إن لم يشر إلى الجرح، ويكشف جذر العطب وأدوات التلاعب بالعقول والمشاعر، فقد خان دوره.
ثالثا، عندما أقول إن المصافحة ليست تفصيلا عابرا، فذلك ليس لأنني لا أرى حجم الألم، بل لأنني أراه تماما. وأدرك أن تمريرها كـ” مصلحة مؤقتة” دون مساءلة سياقها والخلل البنيوي الذي أنتجها، هو ما يعمق القهر ويجعل منه قاعدة لا استثناء. وأسأل:
من الذي جعل من لقمة العيش مساومة على الكرامة؟
من الذي استثمر في الجوع بدل أن يحاربه؟
من الذي يقف وراء هندسة المشهد الذي يجعل من المصافحة حلا، لا خيانة؟
رابعا، نعم، الفارق بين غزة وخارجها كبير، ولست بحاجة إلى أن أسأل أحدا عن الفارق، لأنني أعيه وأتحسسه يوميا، فلي أهل وأحبة في قطاع غزة يصارعون من أجل البقاء. وأدرك تماما أن علينا أن نصغي لمن يتلظى بلهيب الإبادة والجوع.
لكن، ألا يحق لنا نحن الذين نكتب من الخارج، أن نكون صدى لهذا الصوت لا غطاء لتطويعه؟
ألسنا مطالبين بأن نحرس المعنى حتى لا يختطف باسم الوجع؟
غزة لا تطلب شفقة، بل وضوحا وصدقا ووفاء. وواجبنا أن نكون أوفياء لصوتها، لا لوهم يصاغ باسمها.
خامسا وأخيرا، لا أضع نفسي في ضفة مقابلة لك، بل أقف معك، في ذات الضفة التي تؤمن أن الجوع عار، لكن السكوت على البنية التي تسمح به، وعلى من يستخدمه لتبرير المصافحة، هو خيانة مضاعفة.
ولو أمعنت النظر في تعليقاتي – على خربشات عادل الأسطة، وعلى عاهد حلس، وعلى مداخلتك – لوجدتنا على ذات الضفة ولسنا على ضفتين متقابلتين. حتى لو اختلفت مواقعنا الجغرافية، واختلفت معاناة من يتلظى بلهيب الجمر، ومن يتقلب على جمر المراقبة والعجز عن وقف الإبادة.
أنا مع المرأة، لا ضدها.
ضد الجوع، ولست ضد الجائعة.
ومع المقاومة، لا مع تبرير الانهيار باسم “الواقعية”.
كل ما أريده: أن تبقى البوصلة ثابتة، حتى لا نسرق مرتين:
- مرة بأيدي العدو،
- ومرة بأيدي من تواطأ على تطبيع الهزيمة بذريعة الواقعية السياسية.
مودتي وتقديري”
تساؤلات يطرحها شجاع في أعقاب ردي
“بدوري أكرر أسئلتك وأطلب جوابا: من الذي جعل من لقمة العيش مساومة على الكرامة؟ من الذي استثمر في الجوع بدل أن يحاربه؟ إن وضعنا يدنا على الخلل، سنكون حقا مساهمين في تنصيب الحقيقة سيدة للأحداث”.
إجابتي على تساؤلات شجاع
“الصديق العزيز شجاع،
أكرر معك السؤال:
من الذي جعل من لقمة العيش مساومة على الكرامة؟
من الذي استثمر في الجوع بدل أن يحاربه؟
أسئلتك، المؤلمة والدقيقة، لا يجوز أن تمر مرور الكرام. ومن المؤلم أكثر أن تكون الإجابة، باختصار، أن الجميع يتحمل قسطا من المسؤولية. لكن المسؤولية، في مآلات بهذا العمق، ليست متساوية.
أولا: الحركة الوطنية الفلسطينية
الخطأ الأول – وربما الأكبر – كان عدم فهم طبيعة الصراع مع المشروع الصهيوني بوصفه صراعا وجوديا لا صراع حدود. فالمشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري لم يأت ليتقاسم الأرض، بل ليستبدلها:
استبدال فلسطين بإسرائيل، واستبدال شعبها العربي الأصيل بمستوطنين يهود يتم اقتلاعهم من أوروبا ليُعاد توطينهم على أنقاض وطن يمحى، وشعب يجتث. ويوظّف الكيان المستحدث لخدمة مشروع إمبريالي عام للسيطرة على عموم المنطقة العربية – الإسلامية الممتدة، وإدامة هيمنته العالمية.
في البداية، يمكن تفهّم محدودية الوعي الفلسطيني رغم وضوح المخططات (سايكس بيكو، وعد بلفور، وصك الانتداب).
حين انطلقت الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات، بدت وكأنها وعت الصراع بعمقه الوجودي، وحملت أفقا سياسيا يستهدف تفكيك الكيان الصهيوني وإنشاء دولة ديمقراطية تعددية على كامل الأرض.
لكن سرعان ما بدأ حرف البوصلة عبر “البرنامج المرحلي” عام 1974، الذي مهد لمعادلة “الواقعية السياسية” – أي التفريط المرحلي مقابل الوهم بالتدرج.
هذا الانزلاق بلغ ذروته في اتفاق أوسلو 1993، الذي شرعن وجود إسرائيل على 78% من فلسطين، وجعل الـ 22% المتبقية مجالا للتفاوض، تحت وصاية الطرف الأقوى.
هذه المسؤولية يتحملها الجميع داخل منظمة التحرير. لكن قيادة “فتح” تتحمل القسط الأوفر باعتبارها الفصيل الأكبر والمهيمن على القرار. وأحيانا، للأسف، كانت تستفيد من الانقسامات وتغذيها للاستقطاب.
ثانيا: الإسلام السياسي، وخصوصا “حركة حماس”
حماس قدمت نفسها بديلا، لا مكملا، واستعلت بانتمائها الإخواني على الانتماء الوطني، وبدلا من الانخراط في مشروع تحرري جامع، نافست منظمة التحرير على تمثيل الشعب الفلسطيني بدعم عربي وإقليمي ودولي وظّفه الاحتلال بذكاء لشق واضعاف الصف الوطني الفلسطيني المستهدف كله بالمحو.
ومع الزمن، تبنت حماس هي الأخرى منطق المهادنة الذي انتهجته فتح، ودخلت مضمار “السلطة”، فخاضت انتخابات الحكم الذاتي، وسقطت في فخ المهادنة، وكرس الانقسام، ثم عمقه حكم غزة عبر أمر واقع أراح الاحتلال، وعزز عزلة القطاع، ومكن من محاصرته وكرس الثنائية والانقسام.
ثالثا: النخب الفلسطينية:
النخب السياسية والاقتصادية والثقافية غابت أو تغاضت، واكتفت بالحياد
و” إدارة مصلحتها”، وانكفأت عن لعب دور حقيقي في مساءلة الواقع أو الدفع نحو بديل ثالث.
وهكذا ترك الشعب بين استقطابين: سلطة تتنازل باسم الواقعية، ومقاومة تحاصر بخياراتها الإيديولوجية.
ثم جاء طوفان الأقصى، الذي بادرت إليه مجموعة أدركت خطورة الوضع وانسداد الأفق، كمحاولة لإعادة تعريف الواقع، ولإعادة فلسطين إلى الواجهة، حين كادت تمحى من الخرائط. بفعل تضافر العجز الفلسطيني والتواطؤ العربي والاقليمي والدولي مع سعي إسرائيل لحسم الصراع بتغييب الشعب الفلسطيني كليا عن خرائط المستقبل التي أوشك استكمالها.
لكننا هنا أيضا يجب أن نكون منصفين في قراءة النتائج دون تبرئة المقدمات.
فالذين فجّروا الطوفان ليسوا خارج سياق التدهور، بل نبتوا من داخله، ويتحملون بدورهم مسؤولية توضيح إلى أين سيمضي هذا المسار، لا أن يتحول الإنجاز إلى ورقة ابتزاز سياسي جديدة بيد نفس البنى المعطوبة.
لهذا، فإن لوم المقاومة وحدها ظلم، لكن تبرئتها من كل نقد غفلة.
كما أن تحميل حماس المسؤولية الكاملة عن “الطابور”
و” المصافحة” اختزال فادح للمأساة.
لكن في المقابل، فإن تبرير كل شيء باسم “الجوع” أيضا خطير، لأنه يحول الضحية إلى وقود لبنية لن تتردد في استخدامه مرارا لشرعنة مزيد من الهشاشة. لهذا أكرر ما قلته سابقا:
أنا مع المرأة، لا ضدها.
مع الجائع، وضد الجوع.
مع المقاومة، وضد تسويق الانهيار بذريعة الواقعية السياسية.
لكنني أيضا مع الحقيقة، لا مع توظيفها. ومع أن نسمّي الأشياء بأسمائها، حتى نعرف العدو من الحليف، والخطأ من الخيانة، والألم من التوظيف.
إذا لم نضع أيدينا على أصل الخلل، فلن نكون شركاء في التغيير، بل أدوات في إعادة إنتاج العطب.
مودتي واحترامي الدائم”
شكر من القلب
أود أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى الصديق شجاع الصفدي
- على حضوره الفكري.
- وعلى ما أتاحه من فرصة لتبادل الرأي في واحدة من أكثر اللحظات التباسا وكثافة في راهننا الفلسطيني.
- وعلى سعة صدره، وحرصه الصادق على فتح نوافذ للنقاش بدل إغلاقها.
- وعلى مساهماته القيمة التي منحت الحوار طاقة وأسئلة إضافية.
- وعلى إثارة ما يستحق التفكير، حتى حين يكون ذلك محفوفا بالتوتر أو التأويل.
- وعلى مساهمته الجادة في إثراء هذا الحوار، الذي لم يكن إلا محاولة لفهم أعمق، لا لمحاسبة فرد، بل للتأمل في مآزقنا الجماعية، وأسئلتنا الكبرى في زمن المجاعة والخذلان. ففي زمن تتغلب فيه الحدة والانفعال على التروي والتفكير، تظل القدرة على الانخراط في سجال فكري قائم على الاحترام المتبادل، نعمة لا يستهان بها. وكم نحتاج اليوم إلى هذا النفس الطويل في الإصغاء، وإلى شجاعة السؤال المفتوح، وإلى الإيمان بأن النقد ليس عداوة، بل وجها آخر للرغبة المشتركة في الفهم والتغيير.
وإذا كان هذا النقاش قد كشف شيئا، فهو حاجتنا الملحة إلى هذا النوع من الحوارات التي لا تبحث عن غالب ومغلوب، بل عن مخرج من الانسداد، ومساحة نعيد فيها التفكير ليس فقط في الوقائع، بل في المعايير التي نقيس بها هذه الوقائع.
ختاما: يبقى هذا السجال، حول مصافحة وقعت في لحظة استثنائية، شهادة على انقسام الرؤية وتعدد مستويات التأويل. فحين يصبح الفعل الفردي محملا بمعاني الرمز الجمعي، تتكثف الأسئلة:
من ينجو؟
ومن يمثل من؟
وهل تدان النجاة أم تفهم في سياقها؟
الشكر موصول للأستاذ عادل الأسطة، الذي نقل الحدث بنبرة ساخرة لا تخلو من مرارة. وفتح الباب أمام قراءات متباينة، كل منها يحاول تلمّس الخيط الفاصل بين الضرورة والاختيار. بين الفردي والجماعي. بين الغريزة الإنسانية وأسئلة الكرامة والرمز.
وربما تكمن أهمية هذا الحوار لا في الوصول إلى حسم، بل في اتساع رقعة السؤال، وفي قدرتنا على مساءلة أنفسنا قبل أن نصدر الأحكام على غيرنا.
فغزة ليست فقط مسرحا للمأساة، بل مرآة تعكس حدود وعينا وجرأة فكرنا، وما نزال في حاجة إلى شجاعة النظر في المرآة.