نظرًا لافتقاري لمهارة الصديق المخرج المبدع يحيى بركات في كتابة المشاهد المسرحية، فسوف يقتصر هذا المقال على مشهدين:
المشهد الأول
قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء اليوم الجمعة، التي خلت مقاعدها من الغالبية الساحقة من ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين انسحبوا مع وصول نتنياهو إلى المنصة، واقتصر الحضور فيها على الوفد الإسرائيلي والأمريكي وعدد قليل من الدول، والزوار الذين ملؤوا الشرفة المخصصة للضيوف وتم استدعاؤهم للتصفيق.
المشهد الثاني
رئيس وزراء مأزوم، منفصل عن الواقع، متشنج وكاذب ومنافق، ومتملق لسيده ترامب. يعبر عن مأزقه بلغة الجسد أكثر مما يفعل بلغة الخطاب، ويستعين بالخرائط والقلم ليقدم لشعبه وجيشه أولًا وللعالم ثانيًا ما حققته حكومته من إنجازات خلال العامين الماضيين، يغلب عليها القتل والتدمير لاستيلاد الشرق الأوسط الجديد الذي سيزدهر بعد استكمال مهمته.
(الأرقام والنسب الواردة في النقاط التالية مقتبسة مباشرة من خطاب نتنياهو نفسه، 26/9/2025)
تلخيص أهم ما ورد في خطابه:
1. الولايات المتحدة الأمريكية، لولا ما نقدمه لها من خدمات استخبارية، كانت ستحتاج لإنشاء خمس وكالات إضافية لما تمتلكه الآن.
2. اليهود في إسرائيل والعالم يواجهون عالما معادياً للسامية.
3. إسرائيل تقوم بمحاربة المسلمين المتوحشين الذين يشكلون خطرًا على المسيحيين واليهود نيابة الغرب المتحضر.
4. إسرائيل أكثر أخلاقية من الغرب الأوروبي، فهي على الأقل عندما تمارس الإبادة في قطاع غزة تحذر الفلسطينيين للجوء إلى أماكن لم يحن دورها في الإبادة بعد. فيما لم يفعل الأوروبيون ذلك أثناء الهولوكوست.
5. لست نبتا شيطانيّا كما يصورني الإعلام، بل مرآة عاكسة لحقيقة يهود إسرائيل؛ فـ90% من يهود إسرائيل يؤيدون محو الوجود الفلسطيني في فلسطين الانتدابية. فقد عارض 99 عضو كنيست (من مجموع 109 أعضاء يهوديًا، أي 90.8%) إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من أرض فلسطين الانتدابية.
6. السلام تصنعه القوة فقط.
7. إسرائيل ستتولى حماية الأقليات في الشرق الأوسط
8. إن لم تقم الحكومات العربية بالقضاء على كل من يشكل خطرًا من مواطنيها على إسرائيل، سواء بالفعل أو القول أو النية، فإن إسرائيل ستتولى ذلك.
9. ستأتون إلى الاتفاقات الإبراهيمية بعدما ننجز مهامنا، وها هي حكومات لبنان وسوريا التي نحتل جزءًا من أراضيها تتفاوض معنا على المستقبل، ونقترب من ذلك إن امتثلتا لشروطنا فعليًا.
10.سنقيم السلام مع الدول الإسلامية بعد أن نعيد هندستها كما فعلنا، وما نزال، مع إيران.
11.90 % من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة مؤيدون لحماس ولطوفان الأقصى، ما يعني أنهم يشكلون خطرًا وجوديًا ويستحقون بذلك الإبادة.
12.السلطة الفلسطينية فاسدة وغير شرعية وإرهابية، ولا سلطة لها لا في قطاع غزة، ولا فيما يسمى بالضفة الغربية قريبًا.
13.هذه البلاد ملك لنا وحدنا بوعد إلهي، ولا مكان لأحد غيرنا فيها، مهما أبدى جاهزيته للامتثال.
خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة لم يكن سوى مرآة لواقع مأزوم: عزلة دولية متزايدة، وعجز عن تقديم رؤية سياسية بديلة غير استمرار الحرب والهيمنة بالقوة. وبينما يراهن على الخرائط والخطابات لتسويق إنجازاته، تكشف المقاعد الفارغة في القاعة عن حقيقة أبلغ: أن العالم لم يعد شريكًا في تبرير الجرائم، وأن الشعوب ـ مهما طال الزمن ـ لن تقبل سلاما مفروضا تحت فوهة البندقية.