الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   21 حزيران 2025

| | |
تحييد بلا ذاكرة أم تفكيك للوعي؟ تعقيب على مقال خالد عطية
غانية ملحيس

في مقاله الثري"تحييد بلا ذاكرة: هل تنجو سوريا الجديدة حين تختزل فلسطين إلى ملف أمني؟”  يتناول الأستاذ خالد عطية -كعادته في مقاربة القضايا الفلسطينية والعربية الرئيسة-  بمسؤولية سياسية  ومعرفية   عالية، لإعادة بناء الوعي الفلسطيني والعربي بأفق تحرري. ومرة أخرى أجد نفسي في خضم اشتباك نقدي مع شريك الهدف والمسار . 

في مقاله المهم ، يضع  خالد سؤال فلسطين في قلب سؤال سوريا، ضمن مقاربة نقدية عميقة  جديرة بالتوسع والبناء عليها.

ومع الإدراك بأن المقال يختلف عن البحث، وأن هدفه إيصال رسالة مركزة، أجد في مقاله مدخلا وفرصة يتعذر تفويتها، لمواصلة التفاعل النقدي التكاملي وتوسيع أفق النقاش السياسي والتحرري الفلسطيني والعربي، حول التطورات المتسارعة في سوريا، ووضعها في السياق الإقليمي الأوسع لفرض السلام الإبراهيمي. ولمواصلة الحوار المفتوح ، أجمل   الملاحظات على المقال ، رغم إدراكي بأن خالد  يعيها مثلي وربما أكثر . وقد يكون قد آثر تجاوزها في مقاله للتركيز على رسالته المركزية "من لا يذكر بفلسطين ينسى معها ".

الملاحظة الأولى تتعلق بإشارته في المقال إلى سقوط بغداد عام 2003  كنقطة تحول في الاستراتيجية الاسرائيلية . ما قد يثير ارتباكا لدى القارىء  العادي.  فيما إذا كانت فعلا لحظة تحول، أم   أنها حلقة في مسار  بنيوي بدأ منذ أكثر من قرن . فعلى الرغم من رمزية لحظة سقوط بغداد، إلا أنها في الحقيقة ليست بداية. وقد سبقتها قبل نحو ربع قرن ما يعادلها  أو قد يفوقها أهمية بتداعياتها  البنيوية ، لحظة خروج مصر من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي  عام 1979 بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. والتأسيس بذلك  لتوالي الانهيارات العربية وتسارعها. باقتلاع الثورة الفلسطينية من لبنان عام 1982 ، وتوسيع  نطاق الحرب الأهلية فيه، وانخراط النظام السوري وصولا إلى استدراج العراق لغزو الكويت بعد الاستنزاف المتبادل له  ولإيران، ثم  إنشاء أول تحالف عسكري دولي تنخرط فيه دول عربية وازنة ضد طرف عربي. ضمن مخطط استعماري غربي  طويل الجذور يمتد لأكثر من قرن .

فالتحولات الكبرى في استراتيجية “تفكيك العالم العربي” بدأت منذ سايكس–بيكو، التي لا يمكن فصلها عن استحداث الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في فلسطين . فلم  تكن  الاتفاقية لتقاسم النفوذ  في المنطقة العربية- الإسلامية الممتدة ، بين القوى الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى  فرنسا وبريطانيا. بل كانت تمهيدا لإنشاء المستعمرة الاستيطانية  الصهيونية في مركز وصلها الجغرافي  والديموغرافية والحضاري كأداة تفتيت دائمة،  تديم التجزئة، وتعمق تبعية  الجزئيات القطرية للمراكز الاستعمارية الغربية.  وتمنع إنشاء إقليم عربي وازن . وتعرقل تشكل أي مركز سيادي مستقل من المكونات الأصيلة في الإقليم . وتعطل،بذلك، نهوض الأمة وانبعاثها مجددا.

وعليه، فإن مشروع التفكيك هو استراتيجية استعمارية بنيوية مستمرة، نفذت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتحوّلت إسرائيل بموجبها إلى أداة عسكرية وأمنية واستيطانية متقدمة، ورأس حربة للهيمنة الغربية. وقد عبر دافيد بن غوريون  بوضوح عن الدور الوظيفي الموكل لإسرائيل في المشروع الاستعماري الغربي العام للسيطرة على عموم المنطقة :

•  تفكيك الخطر العربي الموحد

• التحالف مع المكونات  الإسلامية الأصيلة  غير العربية/ الأكراد وتركيا وإيران قبل الثورة الإسلامية. ومع المكونات العربية غير الإسلامية / المارونية المسيحية، والمحاولات المتنامية مع الدروز /

• التحالف مع الأطراف والهوامش العربية ضد دول المركز / إقصاء مصر وتدمير العراق وسوريا/.

•  تحويل الانقسام والتشظي العربي إلى حالة دائمة تمنع أي مقاومة ناجعة.

• ضمان التفوق النوعي الدائم على عموم الإقليم . 

ومن هنا، فإن عام 2003 هو لحظة إعادة تشكيل أدوات الهيمنة، لا نقطة انطلاقها. وتشكل وثائق “كيفونيم” و”أوديد ينون” – ركيزة لفهم الاستراتيجية التفكيكية. فهذه الوثائق مفاتيح لفهم طبيعة الاستراتيجية الصهيونية كجزء من بنية استعمارية متجذرة . فوثيقة “كيفونيم” التي أعدها الموساد في السبعينيات. وخطة “أوديد ينون” في الثمانينيات، تشكلان خريطة طريق وبرامج  تنفيذية للتعامل مع الدول العربية من خلال:

• إضعاف المراكز الكبرى المؤهلة جغرافيا وديموغرافيا وتاريخيا لإنشاء وقيادة إقليم عربي وازن ( احتواء مصر بعزلها  عن عمقها العربي،وتدمير العراق وسوريا).

• تفتيت البنى الوطنية في الأقطار العربية على أسس عرقية وطائفية ومذهبية .

•  خلق كيانات متصارعة عربية وإسلامية متوازنة في ضعفها.

•  توظيف الانقسامات العربية والإسلامية لتصفية القضية الفلسطينية.

• تثبيت إسرائيل كقوة  إقليمية مركزية مستقرة تحظى بدعم الغرب.

وعليه، فإن ما يجري في سوريا ولبنان والعراق واليمن  وفلسطين ليس شذوذا، بل تطبيق مباشر لركائز هذه الاستراتيجية.

الملاحظ الثانية تتعلق بتصفية المخيمات وتفكيك الذاكرة كسياسة ثابتة. فرغم أن المقال توقف عند المخيمات الفلسطينية في سوريا، إلا أن تصفية المخيمات استراتيجية أوسع وأسبق. فمنذ السبعينيات، بدأت عملية تصفية وتفكيك المخيمات  الفلسطينية في لبنان، فمن مجموع 15 مخيما فلسطينيا كان يسكنها  نحو نصف مليون لاجىء فلسطيني، تم تدمير  أربعة مخيمات تدميرا كاملا ( تل الزعتر وجسر الباشا والنبطية ونهر البارد) وهي عملية ما تزال تتواصل حتى يومنا هذا. وتكرر الأمر في سوريا - أثناء الحرب الأهلية شكلا والعالمية مضمونا-(تسعة مخيمات تعترف بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وثلاثة لا تعترف بها الوكالة، بالإضافة إلى مخيمي الحسينية وبرزة، فقد تعرضت جميعها للتدمير، وكان يسكنها نحو نصف مليون لاجىء فلسطيني انخفض عددهم إلى اقل من الربع ) واليوم  تتكثف عملية تصفية المخيمات في قطاع غزة، حيث  تتعرض المخيمات الثمانية  منذ السابع من تشرين الأول2023  إلى تدمير ممنهج, كما تتعرض مخيمات الضفة الغربية (23 مخيما) إلى تدمير متواصل . والهدف  -كما أشار خالد- واحد:

• محو رمزية اللجوء.

•  شطب الذاكرة الجماعية عبر تفكيك المخيمات وتفكيك المخيلة الثورية الفلسطينية، بما هي علاقة عضوية بالمكان، لا بالمجردات السياسية فقط. فالمخيم ليس مجرد مساحة لجوء، بل مختبر لتحولات الثورة، وثقافتها، وتنظيمها الاجتماعي.

•  تفريغ فكرة “حق العودة” من مضمونها التاريخي والحقوقي.

لذا فإن ما يجري في اليرموك أو خان الشيح أو غزة أو جنين أو  بلاطة أو الفارعة إلى آخره.…ينبغي قراءته ضمن منظومة استعماري  تسعى لتحييد الذاكرة الفلسطينية،  وليس فقط لقمع المقاومة. والتحييد مصطلح لغوي  رديف للمحو . بات شائعا في الإعلام الإسرائيلي والعربي لوصف تصفية المقاومين  الفلسطينيين ميدانيا ، فتحييد  المخيم (كمكان ) وتحييد المقاومة (كفعل) وتحييد الوعي (كسردية). 

إن تفكيك المخيمات ليس حدثا أمنيا فقط، بل هو بنية ضمن مشروع أوسع لتفكيك المخيّلة الثورية الفلسطينية، عبر استهداف المكان الذي يُنتج فلسطين يوميا لا في البيانات، بل في الحياة المشتركة، والثقافة الجمعية، والتنظيم الشعبي.

من هنا، فإن إعادة الاعتبار للمخيم (كفكرة وممارسة)، واستعادته كفضاء لتحشيد الذاكرة والمقاومة، هو شرط ضروري لاستعادة المخيلة الثورية، وربط فلسطين مجددا بالواقع العربي، لا بتجريده. وهو ضرورة لا غنى عنها لإعادة تسييس فلسطين ضمن مشروع تحرري عربي أشمل. 

الملاحظة الثالثة تتعلق بما وصفه المقال بالتقاطع الأميركي–الإسرائيلي. وربما يتوجب تفكيك البعد البنيوي لهذا التقاطع. فالتزامن  بين حرب الإبادة الجماعية وتصفية المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وبين الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالتوازي لتصفية وكالة الامم المتحدة  لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين/الأونروا /، والسعي  لاختزال تعريف اللاجىء الفلسطيني، بمن هجر فعليا عام 1948، لاختزال عددهم من نحو 7 مليون  فلسطيني في الشتات الى بضعة آلاف فقط ممن ما يزالون على قيد الحياة . وتحويلهم إلى رقم إداري في ملفات مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة. في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، ليس فقط كاتفاقات تطبيع، بل مشروع استعماري لفرض "السلام الإبراهيمي" يقوم على:

• إعادة تعريف المنطقة سياسيا وثقافيا.

• تحويل إسرائيل إلى مركز قيادة أمني وسياسي واقتصادي.

• إلحاق  الأنظمة والنخب العربية في سوق إقليمية تديرها إسرائيل نيابة عن التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري

• نزع السيادة الوطنية من داخل الدول ، ليس بالقوة العسكرية فقط، بل عبر السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والثقافة والخطاب الديني الجديد.

وما يجري في سوريا من إعادة إنتاج “الدولة الأمنية فعليا بغير مركز سيادي”.هو نسخة تطبيقية من هذا المشروع. فمنذ بدايات النظام البعثي ولاحقا “الأسدي”، تم تسويق النظام السوري كـ”قلعة للمقاومة”، وهو ما منح النظام شرعية رمزية في الشارع العربي، وغطاء لتحالفاته الإقليمية مع إيران وحزب الله. لكن هذه الشرعية الرمزية لم تترجم إلى مشروع تحرري حقيقي، بل كانت أداة لتكريس سلطة أمنية مغلقة تحتكر الحديث باسم “المقاومة”، وتمنع أي فعل شعبي مستقل. ومنذ  العام 2005 ( بعداغتيال الحريري والانسحاب من لبنان) بدأ النظام بالانكفاء إلى الداخل وبناء “معادلة استقرار مقابل سكوت”، خاصة مع الغرب. وبعد الثورة  عام 2011 تحول النظام إلى رهينة في تحالفات إقليمية ودولية (إيران، روسيا)، وبدأ بإعادة تعريف نفسه كدولة أمنية بلا مضمون سيادي شعبي، أي بلا مشروع وطني مستقل وتعامل مع الثورة السورية على أنها “مؤامرة كونية”، لا صرخة شعبية تحررية واستخدم أدوات الدولة الأمنية كاملة ـ القتل، التهجير، التعذيب، الحصار ـ لتدمير المجتمع السوري وتمزيق نسيجه، وهو ما أضعف إمكانية تشكل بديل وطني سيادي حقيقي. وبالتالي أنتج سوريا مفرغة من شرط الفاعلية التاريخية، مهيأة لأن يعاد تشكيلها خارجيا . فلسطين كانت حاضرة رمزيا في خطاب النظام، لكنها كانت مغيبة سياسيا فعليا . بعد 2011، تم تفكيك المخيمات أو تحويلها إلى ساحات حرب، مثل اليرموك في دمشق، وخان الشيح ودرعا ، وحندرات في حلب ومنع سكان مخيمي السبينة والحسينية من العودة إليهما، وتصفية أطر فلسطينية شعبية كانت قائمة داخلها. وهذه المخيمات كان يسكنها أكثر من ثلثي اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين أجبروا على البحث عن مكان آخر داخل سورية أو خارجها.  وغض النظام النظر (وربما سهل) تدخل الفصائل الفلسطينية الموالية في قمع الشعب  الفلسطيني والسوري، ما حوّل “المقاومة” إلى أداة ضد شعوب المنطقة، لا ضد العدو . وأعاد النظام إنتاج سرديته الداخلية وفق نموذج: “الدولة الأمنية مقابل مكافحة الإرهاب” وهذا النموذج أصبح مطابقا لمقاربة الولايات المتحدة وإسرائيل في إدارة الشرق الأوسط الجديد: تفكيك المجتمعات إلى مكونات إثنية وطائفية، وحكمها عبر وكلاء أمنيين محليين ضعفاء. وإلى جانب النظام، لعبت فواعل أخرى دورا حاسما في تعميق مأزق الثورة السورية وانحراف مسارها، وفي مقدمتها المعارضة المسلحة التي تحولت، بفعل التشرذم وغياب القيادة الوطنية الجامعة، إلى مجموعات متنازعة تابعة لقوى خارجية، ففقدت شرعيتها أمام جمهورها. وانزلقت تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وبعض التشكيلات السلفية، إلى خطاب تعبوي ديني على حساب مشروع وطني ديمقراطي، وساهمت، بوعي أو دون وعي، في تغذية الطائفية وإضفاء طابع عقائدي على الثورة، ما أفاد سردية النظام. وعلى المستوى الإقليمي، شكلت التدخلات الخليجية عاملاً تفجيريا إضافيا، إذ تنافست دول دول الخليج على استقطاب الفصائل، مدفوعة بصراعاتها البينية، دون اكتراث باستقلالية القرار الوطني السوري. وبدأت تركيا، بتقديم نفسها كحاضنة للثورة، وتحوّلت سريعا إلى طرف وظف المعارضة لخدمة أجنداته في الشمال السوري، متحالفة خصوصا مع تيارات الإسلام السياسي. وفي المقابل، شكل الحضور الإيراني في سوريا ركيزة أساسية في استراتيجية طهران الإقليمية، فلم تتعامل إيران مع سوريا كحليف في أزمة داخلية فحسب، بل كموقع متقدم في صراعها الطويل مع الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب عموما. فبدل أن تدفع نحو تسوية وطنية تحفظ الدولة والمجتمع، سعت إلى تثبيت نفوذها العسكري والأمني والعقائدي، وأطلقت يد ميليشياتها العابرة للحدود، ما عزز من الطابع الطائفي للصراع وأفقد النظام ما تبقى له من استقلالية. وهكذا، تحولت سوريا إلى ساحة مفتوحة للتجاذب الإقليمي والدولي، وسط غياب الفاعل الوطني المستقل القادر على بلورة مشروع تحرري جامع.

 واليوم يعاد تشكيل سوريا الجديدة في غياب العقد الاجتماعي، فلا توجد أي مشاركة شعبية في القرار، لا برلمان فاعل، ولا نقابات، ولا قضاء مستقل. وتحكم أمني مطلق: أجهزة أمنية متعددة، لكل منها مرجعية خارجية مختلفة ( أمريكية، تركية، روسية، إيرانية،  وحتى إسرائيلية) ما يجعل من سوريا  الجديدة ساحة صراع لا دولة موحدة.  بل جهاز أمني موسع وظيفته تأمين استقرار الحد الأدنى وفق متطلبات الخارج، وليس تحقيق سيادة داخلية أو تنمية. واقتصاد حرب، لا اقتصاد دولة تهيمن  عليه شبكات طائفية  وعائلية وأمراء الحرب ورجال أعمال موالين . وتفكك مجتمعي بتهجير ملايين السوريين وإعادة هندسة ديمغرافية وتقسيم فعلي لمراكز القوى.  لتأهيل سوريا للانخراط في “السلام الإبراهيمي ، تحييدها عن الصراع مع إسرائيل  عبر وقف دعم ومحاصرة أي مقاومة فلسطينية فاعل ، وتأمين الحدود مع الجولان، وتنسيق “غير معلن” حتى الآن مع إسرائيل. وفتح الاقتصاد السوري عبر الخليج على السوق الإبراهيمية ، دون الحاجة إلى اتفاق تطبيع رسمي في المرحلة الأولى . والقبول التدريجي بإسرائيل كأمر واقع، يتم بتواطؤ صامت من النظام، خاصة مع تراجع الخطاب الرسمي عن أي مطالب بتحرير الجولان، وغياب أي حراك شعبي حول فلسطين. ولم يعد النظام السوري مجرد ضحية لمشروع استعماري خارجي، بل أصبح جزءا وظيفيا منه. أعاد إنتاج الدولة الأمنية وفق نموذج يحاكي الاستراتيجية الصهيونية-الغربية في الشرق الأوسط: تفكيك السيادة، تحييد فلسطين، وإبقاء الشعب في حالة إنهاك دائم يمنع تشكل مشروع تحرري جديد.

وعليه ،  فإن أي مشروع تحرري فلسطيني أو عربي لا يمكنه تجاوز سوريا. لكنه، أيضا،  لا يستطيع التعويل على سوريا  الجديدة كحليف، بل يجب التفكير في أي مشروع  تحرري فلسطيني عربي تضمين تحرير سوريا كجزء من تحرير فلسطين، وفهم دور الدولة الأمنية المعاد إنتاجها كمشكلة مركزية في وجه أي مقاومة ناجعة. وفي هذا السياق، لا يكفي نقد “الدولة الأمنية” باعتبارها جهازا قمعيا  تابعا، بل ينبغي تفكيك تموضعها الجديد: كيف تحولت إلى بنية فوق-سيادية، تتجاوز المركز، وتعاد إنتاجها حتى في غياب الدولة. وهذا يفتح سؤالا نظريا وسياسيا: كيف نواجه سلطة أمنية لا تحكم باسم الأمة، ولا تحتكر السيادة، لكنها تمارس كل أفعال الدولة؟

 

مشاركة: