صباح الخير أستاذ عادل
صحوت على سياط كلماتك وأنت تستعرض واقع غزة من شهادات أبنائها أكرم الصوراني والدكتورة حكمت عليان المصري، ومن ذاكراتك في رصد الإبادة في قطاع غزة. وأوجزتهم ببراعة موجعة في الكوابيس الفردية التي تذهب بالعقول، وتحولت إلى معيش يومي:
من خيمة تهددها أفعى،
إلى طفل يتيم شهد لحظة مقتل أمه الحامل وأبيه،
إلى مأساة شعب ضاق به سطح الأرض فلم يعد يتسع له، ولم يرحمه باطن الأرض الذي ضاق به أيضًا بعد مقتله.
وبما أنك، يا عادل، استدعيت هرتزل من قبره (الذي نسب إليه صياغة الحلم الصهيوني) ليرى فيضان اللبن والعسل الذي بات أحمر قان، وسألته أن يصطحب معه صديقه رشيد بيك - العربي أو العثماني - ليرى ما فعله الأحفاد بأرض اللبن والعسل.
فقد خطر ببالي استكمال خربشتك باستدعاء الشريف حسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى أيضا، وباستعارة سؤالك ذاته:
يا شريف حسين، أما آن لك أن تنهض من نومك لتشهد كيف آل حال الأمة التي خرجت باسم استقلالها؟
وهل لك أن تصحب معك أيضا صديقك البريطاني السير هنري مكماهون، الذي وعدك بتحقيق حلمك بالاستقلال إن ساعدت بريطانيا العظمى على هزيمة الإمبراطورية العثمانية، في ذات الوقت الذي كان يتفاوض فيه مع فرنسا وروسيا القيصرية على صيغة تقاسم إرثها بعد إسقاطها (اتفاق سايكس–بيكو)، وكان وزير خارجيته يصدر وعد بلفور لاستبدال فلسطين بوطن لليهود، واستبدال شعبها العربي الفلسطيني بيهود أوروبا؟
فهل لك أن ترى ما أسفر عنه التعويل على صداقة الغرب الاستعماري من تفتيت للبلاد التي حلمت بها وباتت 22 جزءا؟ وها هم أحفادك الذين استنسخوا من رشيد بيك آلافا. وينتهجون نهجك ذاته، ويعولون على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بمعونة أحفاد هرتزل الحالمين بلبن وعسل الأرض الممتدة من الفرات إلى النيل، لاستكمال القسمة في بلادنا على الأعراق والإثنيات والألوان والطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر وحتى العائلات.
نستحلفك بالله يا شريف حسين أن ترى كيف تفوق الأحفاد، فاحتشد معظم الغرب، وفي مقدمتهم أحفاد صديقك مكماهون ذاته، في اجتماع نيويورك 20-30/7/2025، ليعدوا الفلسطينيين والعرب - كما فعل جدهم - بالاعتراف بدولة فلسطينية مجهولة الحدود، أشبه بثقوب الجبنة السويسرية، منزوعة السيادة، والقدرة، والسلاح، والموارد. مشروطة حتى من السلطة الفلسطينة الطامحة لقيادتها، باستثناء أي من أبناء الشعب يفكر بالاعتراض، ليس على حدود القسمة فقط، بل على كيفية إدارة الثقب المخصص له، والتعهد بالامتثال الكامل، وتشريعه بانتخابات ديمقراطية يشرف عليها الأسياد، لمجلس وطني يستثنى منه كل فلسطيني يحلم بمستقبل مغاير.
فهل يا ترى سيتعظ الأحفاد الأحياء من بني جلدتنا، بعد أن استدعينا الموتى من قبورهم ليروا نتائج أفعالهم، ويشهدوا ما آلت إليه الأرض التي حلموا بها؟
وهل سيوقنون، بعد كل هذا الألم والتاريخ الذي أعيد في حلقاته الموجعة، أنه لا بديل أمامهم من أن يصحوا، وأن يستيقظوا من غفلتهم، وأن يحملوا على عاتقهم مسؤولية بناء مستقبل حر، مستقل، لا يخضع فيه أحد للغير، ولا يُنسى فيه حق أو كرامة؟
وهكذا، لا تبقى غزة شهادة على مأساة الماضي والحاضر فقط، بل بداية لصحوة جديدة، قد تتبلور من رحم الألم إلى أمل حقيقي لا يغتال، ومن وعي متجدد لا يهدأ، لنكتب معا فصلا جديدا من النهوض والصمود والكفاح من أجل مستقبل أفضل.