الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   15 آب 2025

| | |
تصريح "إسرائيل الكبرى" وصعود الصهيونية الدينية: دوافعه وحدود قابليته للتحقق ورسائله إلى العرب والغرب
غانية ملحيس

في لحظة تبدو فيها الصهيونية الدينية في ذروة نفوذها داخل بنية الحكم في الكيان الصهيوني، يطل شعار "إسرائيل الكبرى" كإعلان عقائدي لا يكتفي برسم أفق استراتيجي، بل يسعى إلى احتكار تعريف المستقبل. ومع ذلك، يواجه هذا الصعود الأيديولوجي بيئة عملياتية معاكسة على الصعد العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. وهنا يتجلى التناقض البنيوي: صلابة أيديولوجية تقابلها هشاشة عملياتية في الجيش والسياسة والاقتصاد والشرعية الدولية، ما يجعل الشعار أداة تعبئة واستراتيجية خطابية أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ.

إسرائيل الكبرى: أيديولوجيا متمكنة… ومشروع متعثر

تصريح نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى" ليس انفعالا عابرا، بل التعبير السياسي الأوضح عن مشروع الصهيونية الدينية التي صعدت إلى قلب البنية الحاكمة في الكيان الصهيوني، بعد أن أنجزت الصهيونية العلمانية مهمتها في إقامة الكيان وتثبيت وجوده. كما تمكنت من مد خيوطها إلى تكتلات يمينية شعبوية و«مسيحو صهيونية» غربية.

من الهامش إلى مركز القرار: لحظة الصهيونية الدينية

منذ عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في مطلع ثمانينات القرن الماضي، بدأت الصهيونية المسيحية بالصعود التدريجي إلى مواقع صنع القرار الأمريكي والغربي، فيما تمكنت الصهيونية اليهودية قبل ذلك بسنوات قليلة من الوصول إلى مراكز القرار السياسي داخل الكيان الصهيوني. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، وخصوصاً بعد اغتيال إسحاق رابين عام 1995، تحولت الصهيونية الدينية اليهودية من كتلة مستوطنين مؤثرة إلى شريك مقرر في الائتلافات الحاكمة، مخترقة الجيش والأمن والقضاء والإدارة المدنية في الضفة الغربية.

هذا التحول أسفر عن ثلاث نتائج:

1.   تديين القرار السياسي: اعتبار الضم والسيادة على كامل "أرض الميعاد" واجبا دينيا لا خيارا سياسيا.

2.   الاستيطان كأداة دولة: توسع سريع مع شرعنة قانونية وسياسية لمشاريع الضم الزاحف.

3.   تركيبة حكم هجينة: براغماتية نتنياهو مدعومة بأيديولوجيا توسعية ترفع سقف المطالب باستمرار.

لماذا الآن… مع أن شروط التحقق ضعيفة؟

إطلاق شعار "إسرائيل الكبرى" في لحظة ضعف عملياتي يحمل حكمة سياسية مركبة:

1.   تعبئة الداخل الديني - القومي: تحويل النقاش من الفشل الميداني في غزة إلى "رسالة تاريخية" تشد العصب وتؤجل محاسبة الحكومة.

2.   الهروب إلى الأمام: رفع سقف الهدف يغطي على الخسائر الميدانية والاقتصادية، ويمنح نتنياهو صورة "قائد الرسالة" و"رسول العناية الإلهية".

3.   ابتزاز الأنظمة العربية: التلويح بأن انهيار إسرائيل سيزعزع الهندسة الإقليمية التي صاغتها القوى الغربية بعد الحرب العالمية الأولى، مذكّرينهم بأن الجميع "في مركب واحد" ويجب كبح شعوبهم الغاضبة.

4.   حشد الغرب المرتبك: ربط مصير المشروع الصهيوني بالهندسة الغربية للشرق الأوسط، وتحذير من أن عدم المشاركة قد يهدد ركائز النفوذ الغربية القائمة منذ ثلاثة قرون.

5.   إعادة تدوير السردية الحضارية: نقل القضية من إطار إبادة جماعية وصراع مسلح بين مستعمرومستعمر إلى "صراع حضاري/ديني" لاستنهاض حلفاء المسيحو صهيونية واليمين العالمي.

حدود القابلية للتحقق

رغم انسجام الخطاب مع العقيدة، فإن بيئة التنفيذ تعمل ضده:

•     عسكرياً: استعصاء غزة يكشف حدود القوة التكنولوجية أمام مقاومة لامركزية ومرنة، وشمال الكيان ما يزال مصدر استنزاف مستمر. فتح جبهات توسعية جديدة يضاعف المخاطر ويضعف الردع، حتى مع اتفاقيات وقف إطلاق النار.

•     سياسياً واجتماعياً: انقسامات حادة بين علماني وديني، وبين سياسي وعسكري، وأزمة ثقة بالقيادة، وتصدعات في العقد الاجتماعي حول الخدمة العسكرية والاقتصاد والقضاء.

•     اقتصادياً: حرب باهظة الكلفة: تباطؤ الاستثمار، نزيف في قطاعات السياحة والتقنية، وضغوط مالية تعرقل مشاريع السيطرة الممتدة.

•     قانونياً ودولياً: تصاعد العزلة السياسية وتآكل الشرعية الدولية، ونمو الإجراءات القضائية ضد قادة الكيان، ما يزيد من الكلفة السياسية لأي اندفاعة علنية.

•     إقليمياً: محور مقاوم متعدد الساحات يرفع كلفة التمدد الصهيوني، ويجعل السيطرة الدائمة على أراض عربية جديدة مغامرة محفوفة بالمخاطر.

الخلاصة: المشروع يمتلك زخما عقائديًا واستيطانيًا، لكنه يفتقر إلى شروط الحسم على المدى المنظور، ومحاولات فرضه قد تُسرع تآكل قوة الكيان الصهيوني نفسه.

الولايات المتحدة: الراعي الحاسم للمشروع بين الحماية والفرملة

منذ نشأة الكيان الصهيوني، شكلت الولايات المتحدة مظلته الاستراتيجية ومصدر قوته العسكرية والسياسية والاقتصادية. ومع صعود الصهيونية الدينية، حافظت واشنطن على معادلة دقيقة: حماية أمن إسرائيل وتفوقها النوعي مقابل ضبط اندفاعاتها التي قد تضر بالمصالح الأمريكية الإقليمية.

 القرار الأمريكي ليس مبدئيًا فقط، بل براغماتي أيضًا، إذ تفضّل إدارة الصراع دون حسمه، لضمان استمرار اعتماد إسرائيل الكامل عليها، والحفاظ على سيولة المنطقة بما يخدم الأجندة الأمريكية.

•     خط الحماية: استمرار الدعم العسكري النوعي، والتغطية السياسية في مجلس الأمن، والضغط على الحلفاء الغربيين لتبنّي الرواية الإسرائيلية.

•     خط الفرملة: منع أي خطوة توسعية كبرى تهدد الأنظمة العربية الحليفة، أو تفتح جبهات مع إيران وحزب الله، أو تستفز تركيا، أو تعرّض تدفقات الطاقة والممرات البحرية للخطر.

التناقض الزمني بين الخطاب والواقع

في اللحظة التي يبلغ فيها المشروع العقائدي الصهيوني ذروة حضوره الخطابي، سواء بلغة التعبئة الدينية أو نبرة "الحق التاريخي"، نجد أن شروطه العملية على الأرض ما تزال ضعيفة: مأزق ميداني، تصدع في الجبهة الداخلية، وانكشاف أمام المقاومة.ورفض جماهيري عربي واسع. هذا التناقض يوضح أن صعود الصهيونية الدينية سياسياً لا يعكس بالضرورة تفوقها الميداني، بل قد يكون أحيانًا تعويضًا عن فقدانه.

أولوية الرد الفلسطيني - العربي

يتطلب الرد الفلسطيني - العربي على العدوان والمشروع  الصهيوني وضع استراتيجية شاملة توحد أدوات المواجهة ضمن إطار واحد، لا تقتصر على إجراءات متفرقة. يمكن أن تشمل هذه الأدوات: حماية غزة، والمقاطعة الذكية، وتفكيك البنية الاستيطانية، في خطة واضحة المعالم تحمل اسما جامعا مثل: "خطة الردع المجتمعي الطويل" أو "استراتيجية تعطيل البيئة الحاضنة".

يتيح هذا الإطار المنظم تحويل الفعل المقاوم من ردود آنية إلى مسار مستمر يراكم الأثر ويستنزف قدرة الاحتلال على إعادة إنتاج سيطرته، محولا المواجهة إلى استراتيجية طويلة النفس عوضا عن أن تكون مجرد رد فعل ظرفي.

الرسائل المشفرة: تحذير قادة العرب والغرب

تصريح نتنياهو يستهدف المجتمع الإسرائيلي  والعالم الخارجي، موجها رسائل محددة إلى:

  1. القادة العرب: يشير إلى أن "مصائرنا مترابطة"، وأن سقوط إسرائيل سيزعزع البنية التي تحفظ أنظمتهم وحدودهم وتوازناتهم. المطلوب منهم تقديم غطاء سياسي، تمويل صامت، ومنع انفلات الشارع.

في هذا السياق، تعمل "إسرائيل الكبرى" كفزاعة إقليمية: إما أن يقفوا معها، أو يواجهوا تداعيات ما بعد سايكس -بيكو.

  1. قادة الغرب: يحذر من أن أي تقصير قد "يضرب هندستهم" الإقليمية. عليهم كبح ضغوط شعوبهم، مضاعفة التسليح، أو تحمل كلفة فراغ استراتيجي في شرق المتوسط والبحر الأحمر.

 يصبح الشعار بذلك أداة لتغليف المطالب الجيوستراتيجية وطلب الدعم والتساهل.

كيف يدار المشروع عمليا؟

حتى مع غياب شروط "الوثبة الكبرى"، تدار فكرة "إسرائيل الكبرى" عبر تكتيكات تراكمية بطيئة:

•     الضم الزاحف: توسع تدريجي في الضفة الغربية عبر القوانين، الطرق، والبؤر الاستيطانية، بدل إعلان ضم شامل.

•     إعادة هندسة ديموغرافية: تدمير مقومات الحياة، والتهجير القسري والطوعي في قطاع غزة، والطرد الناعم أو الصريح في القدس والضفة ومناطق العام 1948.

•     تثبيت وقائع أمنية حدودية: في لبنان وسوريا لاستخدامها لاحقا سياسيا.

•     تحويل الحروب الدورية إلى محطات لتحقيق النبوءة: لتثبيت القاعدة الدينية وتطبيع التكلفة على المجتمع الإسرائيلي.

تشكل هذه الإدارة "مشروعًا بلا توقيع": لا إعلان نهائي، لكن كل يوم خطوة صغيرة نحو التوسع الزاحف، مع الحفاظ على سقف الخطاب العقائدي.

سيناريوهات مقبلة

1.   الركود الصراعي المديد (الأكثر ترجيحا): استمرار الاستعصاء في غزة، واستنزاف الشمال بشكل مضبوط، مع ضم زاحف في الضفة تحت مظلة دعم أمريكي واضح ودعم غربي متردد.

2.   قفزة متهورة (أقل ترجيحا لكنها خطرة): محاولة توسعية أو ترحيلية موضعية قد تفتح جبهات متزامنة، وتفاقم العزلة، وربما تؤدي إلى أزمة داخلية حادة بسبب ارتفاع الكلفة وغموض الأفق.

3.   انكفاء اضطراري (احتمال ارتفاعه مع طول مدة الحرب): الضغوط السياسية والاقتصادية الدولية، واهتراء تماسك الائتلاف، يؤديان إلى تبريد قسري مع استمرار أيديولوجيا نشطة.

ماذا يعني ذلك للفلسطينيين والعرب؟

التحدي ليس الانجرار وراء الشعارات، بل تفكيك أدوات التنفيذ الزاحف،  وبناء شروط ردع مجتمعي- مؤسسي طويل النفس. المشروع لا يفشل بالصدام الشامل وحده، بل بتعطيل بيئته الحاضنة يوما بعد يوم، وهذا يتطلب:

•     قراءة باردة للهندسة الإقليمية: فهم ارتباط أنظمة ما بعد سايكس- بيكو بمصير إسرائيل، وفك الارتباط التدريجي عبر بدائل أمنية وسياسية واقتصادية

•     تحصين الجبهة المجتمعية: بناء مؤسسات صلبة، اقتصاد مقاوم، وإعلام قادر على كسر سردية "الحرب الحضارية".

•     تعدد ساحات الضغط: استخدام القانون الدولي، المقاومة، المقاطعة الذكية، حروب الرواية، والتحالفات العابرة للأقطار لرفع كلفة المشروع الصهيوني.

•     حماية غزة ومنع الترحيل: خط الدفاع الأساسي لإفشال أي هندسة ديموغرافية قسرية، وبالتالي تعطيل قلب مشروع "إسرائيل الكبرى".

•     إنتاج بديل تصوري: طرح مشروع نهضوي تحرري إنساني ديمقراطي تعددي يتجاوز سايكس- بيكو ووعد بلفور، ليس من بوابة توسع مضاد، بل من زاوية شعبية وحقوقية.

اليوم، مشروع "إسرائيل الكبرى" عقائدي بآلة سياسية نشطة، لكنه معلق على فراغ عملياتي. رفع نتنياهو راية المشروع لحشد الداخل وابتزاز الإقليم وحشد الغرب لا يعني أن ساعة التحقق دقت، بل أن ساعة التآكل والانهيار تقترب إن لم يجدد التحالف حوله.

الغرب واستعداده للتورط

ينظر الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا، إلى مشروع "إسرائيل الكبرى" من زاويتين متناقضتين:

1.   الدعم المبدئي لإسرائيل:

•     يعتبر الغرب إسرائيل امتدادا حضاريا وحليفا استراتيجيا في الشرق الأوسط، ويدعمها عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا منذ نشأتها.

•     تيارات اليمين المسيحي - الصهيوني في أمريكا ترى في التوسع الإسرائيلي تحقيقا لنبوءات دينية، ما يدفع نحو تغطية أي خطوات توسعية.

2.   الخوف من الفوضى والتكلفة:

•     أي محاولة لتطبيق مشروع إسرائيل الكبرى بالقوة قد تشعل المنطقة بحروب إقليمية متعددة الجبهات، مع احتمال تورط قوى كبرى وفتح جبهات مع إيران وحزب الله وربما جيوش عربية.

•     الانفجار الإقليمي قد يهدد إمدادات الطاقة وسلاسل التجارة، ويضع الغرب أمام أزمة اقتصادية واستراتيجية شبيهة أو أشد من أزمات سابقة.

الإغراءات والمخاطر

• الإغراءات:

•     تكريس التفوق الإسرائيلي لضمان استمرار دورها كشرطي غربي يحمي مصالح الطاقة والممرات التجارية ويواجه نفوذ قوى منافسة.

•     انسجام مع تيار المسيحوصهيونية المؤثر في السياسة الأمريكية، الذي يرى في التوسع خطوة نحو تحقيق النبوءات الدينية.

•     توسيع السوق الإسرائيلية لتصبح مركزا اقتصاديًا وتكنولوجيًا أوسع تحت المظلة الغربية.

•     المخاطر:

•     إشعال حروب إقليمية متعددة الجبهات تهدد استقرار الأنظمة العربية  الحليفة للغرب.

•     انقسامات داخل الغرب، خاصة في أوروبا بسبب القرب الجغرافي وأزمات اللاجئين المحتملة.

•     تعارض مع الرواية الديمقراطية الغربية، مما يحرج الحكومات أمام شعوبها.

•     العبء الاقتصادي والعسكري لتمويل وحماية أمن إسرائيل في ظل مقاومة عربية - إسلامية ممتدة.

مدى الاستعداد للتورط

•     الغرب مستعد لتوفير غطاء سياسي ودعم عسكري نوعي إذا كان التوسع تدريجيا ضمن "إدارة الصراع"، وليس "تفجيره".

•     التورط المباشر في حرب شاملة صعب إلا إذا تم تسويقه كـ "حرب ضرورة" ضد "الإرهاب" أو "تهديد وجودي".

•     الغرب يدعم إسرائيل كمبدأ، لكنه حذر من كلفة الانجرار وراء مشروع توسعي شامل، خصوصا مع البيئة الدولية المعقدة (روسيا، الصين، إيران).

مؤشرات إنذار مبكر يجب مراقبتها:

•     تشريعات إسرائيلية تسرع الضم أو توسع صلاحيات الإدارة المدنية وتقوض القضاء.

•     أنماط استيطان جديدة مفاجئة (طرق التفافية، مناطق تدريب، بؤر شرعنتها).

•     تغير الخطاب الأمريكي من "ردع التصعيد" إلى "تفهم الضرورات الأمنية الاستثنائية".

•     تحركات على الحدود (حزام أمني، قواعد اشتباك شمالًا وجنوبًا).

•     سلوك الأسواق (قفز عوائد السندات، خفض التصنيفات، انسحاب شركات تقنية).

•     ملفات قانونية دولية قد تشجع أو تكبح المغامرة.

•     القدرة الإسرائيلية على التثبيت الزاحف، لكنها ضعيفة على قفزة حدودية كبرى.

•     الغرب داعم لإدارة الطموح، متحفظ على تسريعه، والتورط المفتوح مشروط بـ "ضرورة وجودية".

•     الإقليم: ردع متبادل يرفع كلفة المغامرة ويشجع على "حرب خطوات صغيرة".

خاتمة

"إسرائيل الكبرى" اليوم مشروع عقائدي بآلة سياسية نشطة، لكنه معلق على فراغ عملياتي، وليس على أعتاب التحقق.

 بين أيديولوجيا متمكنة ومؤسسة سياسية مشغولة بتثبيت وقائع زاحفة، يقف المشروع في منطقة وسطى: قادر على إنتاج سردية حشد، لكنه عاجز عن فرض واقع شامل بالقوة.

هذا التناقض الزمني هو جوهر اللحظة الراهنة: صعود عقائدي يعوّض عن هشاشة عملياتية، ومحاولة تحويل الضعف الميداني إلى قوة خطابية. بذلك يصبح صعود الصهيونية الدينية سياسيا وعقائديا، ليس مرادفا للقدرة الميدانية.

التحدي الأكبر بالنسبة للفلسطينيين والعرب هو إدراك هذه الفجوة واستثمارها عبر تعطيل أدوات التوسع بشكل يومي، حتى تتحول ذروة الخطاب إلى بداية انحداره.

تظهر هنا أهمية الاستراتيجية الفلسطينية - العربية المنظمة، التي ترفع وتراكم كلفة المشروع تدريجيا، وتحول المواجهة من لحظة عابرة إلى صراع طويل النفس يوازن القوة والخطر.

في الختام، مشروع "إسرائيل الكبرى" اليوم قوي في خطاباته العقائدية، لكنه هش على الأرض وملزم بفراغ عملياتي واضح. الفجوة بين الزخم العقائدي والقدرة الميدانية تمثل جوهر التحدي الفلسطيني - العربي: تحويل هذا الاختلاف إلى أداة استراتيجية عبر صبر طويل، تخطيط دقيق، وتعطيل خطوات التوسع يوما بعد يوم. فقط بهذه الطريقة يمكن أن تتحول المواجهة من ردود فعل عابرة إلى قوة مستمرة تؤثر في ميزان القوى الإقليمي، وتضع حدا لطموحات المشروع العقائدي قبل أن تتحقق.

 

 

مشاركة: