الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   12 تموز 2025

| | |
رسالة مفتوحة إلى الهيئات القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى الهيئات الشعبية، والمؤسسات الحقوقية، والمثقفين والكتاب الفلسطينيين والعرب،
غانية ملحيس

 

               حول نزع صفة اللاجئ الفلسطيني في سوريا

 

في هذه المرحلة المصيرية، لم يعد الطغاة يكتفون بإبادة الإنسان والمكان والذاكرة، كما يحدث في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطين الانتدابية، بل امتد عدوانهم إلى تفكيك المعنى، وتزوير الصفة القانونية والتاريخية للاجئ الفلسطيني، كما يحدث الآن في سوريا.

ففي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت الإشارات المقلقة بشأن إصدار وثائق رسمية لمواليد فلسطينيين في سوريا، تعرفهم بـ” فلسطيني أجنبي” بدل “فلسطيني لاجئ” أو “فلسطيني سوري”. وهو انزياح خطير، ينذر بتحول إداري–سياسي مقنع، يعبر في جوهره عن محاولة تدريجية لاغتيال صفة اللجوء، ونزع الصفة السياسية والقانونية عن أصحابها، وتحويلها إلى تعريفات مبهمة وعائمة.

ما يجري ليس مجرد إهمال بيروقراطي أو خلل مؤقت، كما يروج، بل هو نموذج صامت من الحرب على الفلسطيني، تدار بأدوات التجاهل والتعتيم، لتمرر كأمر واقع لاحقا.

وإذ ندرك عمق العلاقة التاريخية بين الشعبين الفلسطيني والسوري، وما قدمته سوريا - بلدا وشعبا - للاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948. 

فإننا في الوقت ذاته نحذر من أن استغلال انشغال العالم بحرب الإبادة في غزة، لتفكيك تدريجي لصفة اللجوء في سوريا، قد يتحول إلى سابقة تستخدم في بلدان لجوء أخرى، ويخدم مشروع “إعادة تعريف الفلسطيني”، تمهيدا لتصفية قضية اللاجئين، بل وتقويض القضية الفلسطينية برمتها.

وعليه، فإننا نطلق هذا النداء المفتوح وندعو إلى:

1.    التوقف بحزم أمام هذا التطور الخطير بوصفه مسألة وجودية، لا إدارية ولا محلية.

2.    مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية ــ رئيسا ولجنة تنفيذية ومجالس وطنية ومركزية وسفارات ــ بتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية في حماية هوية اللاجئين الفلسطينيين، والتصدي العاجل لأي محاولة لتصفيتها أو تمييعها.

3.    إطلاق نقاش فكري–قانوني–ثقافي معمق حول معاني هذا التحول، وما ينطوي عليه من تهديد مباشر للذاكرة الفلسطينية، وللرواية التاريخية التي تستند إليها القضية الفلسطينية.

4.    إنتاج مقالات ونصوص ومداخلات تعيد مركزية صفة “اللاجئ” في خطابنا التحرري، وتفكك محاولات محوها أو إعادة تعريفها.

5.    الضغط على الأونروا وهيئات الأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية لتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الانزلاقات، واعتبار نزع صفة اللجوء انتهاكا لقرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الخاصة باللاجئين.

6.    تنظيم حراكات شعبية ومدنية حاشدة، للتعبير عن الرفض الصريح لهذه المحاولات، وكسر جدار الصمت المريب المحيط بها.

أيها الحقوقيون والمثقفون والنقابيون والكتاب،

أنتم حراس اللغة والهوية والمعنى.

وما ينتزع من الوثائق الرسمية اليوم، سينتزع غدا من كتب التاريخ، ومن وعي الأجيال.

فلا تسمحوا لهذا الانزلاق أن يعامل كأنه تفصيل.

كونوا صوت الذين يعاد تعريفهم دون إذنهم،

واكتبوا عن الخطر قبل أن يتحول إلى قاعدة.

إن مواجهة هذا الانحراف الخطير لا تكون بردود الفعل العابرة أو الإدانات العامة، بل بإعادة تمركز الوعي حول صفة اللاجئ كجزء لا يتجزأ من البنية الكفاحية الفلسطينية، ومحط تماس لا يمكن التهاون في تجاوزه تحت أي ذريعة.

إن ما هو مطلوب اليوم هو انخراط جماعي ومسؤول يعيد لهذه الصفة معناها القانوني والرمزي، ويحولها من خانة إدارية إلى موقع مقاومة،

وألا تمر هذه الخطوة لا تحت التبرير، ولا التعتيم، بل أن تواجه بما تستحق من وضوح وصرامة، على مستوى الفعل السياسي، والنقاش القانوني، والإنتاج الثقافي

التحول ليس حيادا، بل مشاركة في جريمة بطيئة ترتكب باسم الواقعية.

لا واقعية في ان يتحول اللاجئ إلى أجنبي ولا في ان يصبح الحق هوية سائلة.

إن صفة اللاجئ ليست مجرد توصيف قانوني، بل شهادة على مظلومية تاريخية، وجزء من الحق الفلسطيني غير القابل للتصرف، كما هي ركيزة قانونية في القرارات الدولية، لا تسقط إلا بتحقيق العودة، لا بتغيير التعريف.

 

مشاركة: