الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   28 أيلول 2025

| | |
بين وجع الحقيقة وبصيص اليقين
غانية ملحيس

الصديق العزيز عادل الأسطة 

أتمنى لك سرعة التعافي والعمر المديد.

لتشهد بعينيك غزّة تنهض وتزهر من جديد.

ولتَرَ الأمة وقد صحَت من غفلتها،

وفلسطين تستعيد ألقها وبهاءها،

والإنسانية وقد وعت وشُفيت من آفة العنصرية.

أعرف، كما تعرف، أن وجع الفلسطيني أمام عقلٍ أداتيّ، تحرّكه قوة شرّ خالص، لا يردعه رادع، ولا تحدّه حدود،

هو وجع العجز والخذلان أمام أمة مرتجفة وعالم ظالم.

هذا نصف الحقيقة.

النصف الذي يثقل القلوب ويجعلها تنزف في كل لحظة.

لكن النصف الآخر يا عادل 

هو ما حاول مقالي أن يضيئه.

ذلك العدو، رغم الدم المسفوك،

ورغم إبادة البشر والشجر والحجر،

ما زال عاجزًا عن أن يرى في كل ذلك انتصارًا.

يقوده مريض بالذهان مسكون برهاب الأغيار يراهم جميعا أعداء، أعجز طبيبه النفسي الذي أدرك كيف نشر مريضه الذهان بين شعبه فبات وباء، ولشدة يأسه من استعصاء العلاج آثر الانتحار ولم ير في ذلك نذيرا، يعتلي منصة في قاعة فارغة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. يصرخ بأنه يمثل 90% من شعبه المسكون بعقدة الفناء، ويخاطب أتباعه الغارقين في دماء أهل غزة عبر سماعات نشرها وسط الخراب،

ليشدّ أزر جنده الذين يعتمرهم ذعر من عواقب ما يقترفونه من جرائم حرب فاقت ما عرفته البشرية عبر تاريخها قديمه وحديثه.

ذعر من أطفالٍ مثخنين بالجراح، بطونهم خاوية، وعيونهم شاخصة،

ولا يرون فيهم سوى “عماليق” تتعقب القتلة.

وريث شمشون يتوعّد العالم. لكنه، من حيث لا يدري، يفضح بلغة الجسد والخرائط التي يستعين بها هزيمته الداخلية.

خطاب مهزوم فقد عقله، يلوّح بظلال نيرون وهتلر، متناسيًا أن شمشون ونيرون وهتلر جميعًا اندثروا،

وبقيت شعوب الأرض حيّة، تصنع المستقبل رغم الخراب.

ولعل في هذا ما يعيد إلينا بعض اليقين:

أن الشرّ، مهما انتشر،

لا يُكتب له أن يخلّد.

مع خالص المحبة والتقدير، ودعائي أن تبقى دائما حاضرا بيننا بقلمك ووجدانك، فنحن نحتاج إلى صدقك، كما تحتاج الأرض إلى المطر.

 

مشاركة: