الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   10 أيلول 2025

| | |
الخيمة ليست مرثية: من مبتدأ الفناء إلى ابتداء الحقيقة
غانية ملحيس

الصديق العزيز عواد أبو زينة 

هذا ليس ردا على اليأس بقدر ما هو محاولة لتحويله إلى سؤال فعل: كيف نحول الخيمة من مرثية إلى بداية جديدة، ومن مبتدأ الفناء إلى ابتداء الحقيقة؟

أفهم تمامًا مرارة سؤالك وإحساسك بالهبوط المستمر من خيمة إلى أخرى، ومن “أخيرة” إلى “أخيرة” وكأننا في متوالية لا قاع لها.

وليس فقط أربعون عامًا كما قلت، بل ضعفها من الخيام تكفي لتجعل حتى أكثر الناس صلابة يتساءل: أهناك آخر لهذا النزول؟

لكن لعلنا إذا أعدنا النظر وجدنا أن الخيمة ليست دائما رمزا للنهاية والفناء، بل أيضا رمزا للنهوض والقدرة على الصمود في وجه العدم. النكبة الكبرى، والتي لحقتها أخرى في أقلّ من عقدين، لم تكن نهاية الفلسطيني، بل كانت مساحة أعادت إنتاجه في الشتات.

وغزة اليوم - رغم جحيمها - تعيد تعريف معنى المقاومة، وتمنح العالم كله درسا في أن الفناء ليس قدرا، بل خيارا يُفرض ويُقاوَم.

صحيح أن نزولنا يبدو بلا قاع، لكن ما يدهش العدو ويحير العالم هو أننا - برغم كل هذا النزول - ما نزال حاضرين، وحضورنا يفوق حضور أمة، ونملي جدول أعمال العالم، وما نزال أحياء: نقاتل، نكتب، نحب، وننجب. 

لو كان للنزول قاع حقا، لكنا قد انتهينا منذ زمن طويل.

التفاؤل إذن ليس رفاهية ولا إنكارا للواقع، بل هو ضرورة سياسية ووجودية. ليس لأن القادم مضمون، بل لأن تشكله رهن بإرادتنا. فإن كانت غزة، المثخنة بجراحها، المتناهية صغرا مساحة وسكانا، المحاصَرة من عدوها وأهلها وذويها برا وبحرا وجوا، قد واجهت منفردة خمس حروب مدمرة خلال أقل من عقدين، وتتعرض منذ 704 أيام لإبادة للبشر والحجر والتاريخ والذاكرة، ومع ذلك ما تزال تلهم شعوب العالم بأن الهزيمة ليست قدرا لا راد له، فذلك أكبر دليل على أن تغيير المستقبل مرهون بتفعيل الإرادة الذاتية.

الاستسلام لليأس يا صديقي هو وحده النهاية الحقيقية.

غزة قد تبدو “مبتدأ الفناء” كما قلت، لكنها في الوقت نفسه مبتدأ معنى آخر، ابتداء الحقيقة التي:

  • تفضح العدو وتعمّق صدوعه التكوينية.
  • وتكشف أعطابنا الذاتية المسؤولة عن توالي هزائمنا. 
  • وتعري العالم في زيف ادعاءاته المتصلة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. 
  • وتنبه البشرية إلى خطر العقل الأداتي ونظام الحداثة المادية العنصرية.
  • وتعيد إلينا جوهر قضيتنا.

فهل نستطيع أن نرتقي إلى مستوى تضحيات أهل غزة، ونحول الخيمة من مرثية إلى خندق، ومن “أخيرة” إلى “أولى” جديدة؟

 

مشاركة: