في زمن يختطف فيه المعنى وتحاصر فيه الرموز، تأتي رسالتك يا صمود، لا كـ ”طلب زواج”، بل كبيان تحرري كثيف الدلالة، مكتوب بحبر القلب، ومشحون بكل ما هو منسي فينا: الحرية، الصدق، الاعتراف، الحب بوصفه تحديا، والأمومة بوصفها فعلا أخلاقيا في زمن بلا أخلاق.
رسالتك إلى المناضل جورج إبراهيم عبد الله تتجاوز حدود “الطلب الشخصي” لتكون، في عمقها، إعلانا عن فشلنا الجمعي أمام ثبات فرد. جورج، الذي صمد في وجه آلة القمع الإمبريالية، ورفض كل صفقات الإذلال، صار مرآة لما لم نعد نجرؤ على أن نكونه.
أما كلماتك، فتعيد طرح السؤال على جيل بكامله: ما الذي يعنيه الانتماء في زمن الاغتراب؟
وما الذي تبقى من “الحرية” إذا صارت مجرد استهلاك رمزي في سوق الشعارات؟
أنت لم “تطلبي الزواج” من جورج، بل استدعيته بوصفه رمزا حيا للممكن الثوري، لتقولين له ولنا: إن ما تبقى من المعنى لا يستعاد إلا حين نعيد تعريف أنفسنا من خلاله.
أنت الفتاة التي “لن تمسك بيده”، ولكنك أمسكتِ بروحه، وقلبت المعادلة: صار الاعتراف (بالهشاشة، بالخذلان، بالحب، بالأمل) هو الفعل النضالي الأول، وصار الحب فعلا سياسيا في وجه الهزيمة.
في رسالتك يا صمود، نطل على مشهدين متوازيين:
• جورج، الذي خاض معركته خلف القضبان، نيابة عن كل من لا يستطيع أو لا يجرؤ.
• وصمود، التي تحمل جراح “الأم الفلسطينية اللبنانية” في وطن لا يعترف إلا بالدم الذكوري والهوية المشروطة.
أنت لم تكتبي فقط “باسم الحب”، بل كتبت باسم كل من:
• حرم من جنسية لأنه خرج من رحم خاطئ،
• وكل امرأة تحاسب على نسب لا تملكه،
• وكل أم تربي أبناءها تحت ظل ريبة الوطن الذي لا يعترف بها.
رسالتك أيضا نقد لاذع ل” الزواج” كنظام اجتماعي فقد معناه،
ولـ” الوطن” كمساحة قانونية لا تحمل من الوطن إلا القيد،
ولـ” الهوية” كتركيبة سلطوية تمحو ما هو إنساني فينا.
أما أحلامكِ - شهر العسل على متن سفينة إلى غزة، وبناء بيت من حجارة الجنوب- فهي تعيد تعريف “الزواج” بوصفه مشروعا تحرريا لا علاقة له بالعقود الرسمية، بل بالعهود الأخلاقية.
أنت تكتبين كما تقاتل الشعوب الحية: بالحب، بالوجع، وبالإصرار على ألا نسامح أعداءنا، لأن التسامح مع القتلة هو خيانة للضحايا.
وها أنت تختمين بوصية من خارج قوالب العشق:
“أحبّ نفسك… لا تسامح عدوك.”
هنا بالضبط، تقف اللغة على حافة الحقيقة. فالمصالحة مع الذات لا تكتمل إلا بمحاسبة العدو، والحب لا يصير تحررا إلا حين يمارس بوصفه وعيا سياسيا.
في زمن التخلي، رسالتك يا صمود دعوة لاستعادة البوصلة.
وفي زمن الرداءة، هي فعل استثنائي من الجمال المقاوم.