الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   20 تموز 2025

| | |
بين سد النهضة و” مدينة الخيام” في سيناء حين تطرح السيادة للمقايضة، وتختزل فلسطين إلى معبر
غانية ملحيس

ما كشف عنه مؤخرا حول المحادثات الأميركية-المصرية، والتي طرحت فيها “مقايضة” غير معلنة بين التدخل الأميركي لحل أزمة سد النهضة وقبول مصر بمخطط تهجير الغزيين إلى سيناء تحت مسمى “مدينة الخيام”، يفضح - مرة أخرى - المنطق الاستعماري الذي لا يرى في شعوب المنطقة سوى أدوات ضغط ومجالا للمساومة.

أن تطرح قضية الأمن المائي المصري في ميزان واحد مع حق الفلسطينيين في أرضهم، هو استخفاف خطير بالسيادة من جهة، وبالحقوق من جهة أخرى. المقايضة هنا ليست فقط غير أخلاقية، بل تشكل نموذجا مكثفا لعقلية الهيمنة الأميركية الإسرائيلية التي ترى الإقليم كله كـ” هندسةبشرية” قابلة لإعادة التوزيع على خرائط المصلحة.

المخطط الإسرائيلي: إعادة إنتاج النكبة

ما يسوّق له باسم “مدينة خيام إنسانية” ليس سوى نكبة معاصرة بوجه إنساني زائف. نقل السكان قسرا، حتى لو تذرع أصحابه بـ” الطوعية”، هو تفريغ لغزة من جوهرها الديموغرافي والسياسي، وإزاحة القضية عن مسارها التحرري. هذا ليس مشروع إغاثة، بل تفكيك ممنهج للهوية والمقاومة.

الموقف المصري: بين الرفض والاستهداف

المعلومات التي وردت في التقارير الصحفية عن رفض المؤسسة العسكرية المصرية لهذا المخطط، وتقديرها لعواقبه الأمنية والسيادية، تشير إلى إدراك داخلي بأن السماح بتنفيذه سيكون مدخلا لتفجير الحدود المصرية - الفلسطينية وتحويل سيناء إلى ساحة صراع مستدامة، وربما تفخيخ العلاقات مع أهلها.

لكن هذا الموقف - رغم أهميته - لا يغني عن ضرورة موقف سياسي وشعبي عربي واضح، يعلن أن أي حل لقضية غزة لا يمكن أن يمر عبر إزالتها من الجغرافيا الفلسطينية.

أميركا “تتكرم” على مصر

اللافت أن الإدارة الأميركية، التي تواطأت مع إسرائيل في تعطيل كل حلول سد النهضة، تعود اليوم لتطرح نفسها وسيطا! و” تتكرم” على مصر بحل لأزمتها الوجودية مقابل أن تتخلى عن بوابتها الشرقية للفلسطينيين. هذه ليست وساطة، بل رشوة استراتيجية، ترهن أمن مصر المائي بشرعنة التهجير الفلسطيني.

ما يجري ليس ملفا فنيا في العلاقات الدولية، بل لحظة اختبار شاملة:

•   للسيادة المصرية: هل تباع بثمن حل دبلوماسي مؤقت؟

•   وللقضية الفلسطينية: هل تختزل إلى لجوء جديد وخيام منزوعة المعنى؟

•   وللعالم العربي: هل صار عاجزا إلى درجة أن يتحول فيه الموت إلى بند في اتفاقيات التعاون الإقليمي؟

المطلوب ليس فقط الرفض الرسمي، بل أن يرفع الصوت الشعبي العربي عاليا:

لا غزة للبيع، 

ولا سيناء للإيجار،

ولا فلسطين للمقايضة.

العزيزة مصر… صوتك وصل، لكنه لا يكفي وحده

دمت عزيزة، يا مصر،

فقد رفضت المقايضة القذرة التي طرحت باسم “الإنقاذ” لحل أزمة السد مقابل التنازل عن سيناء،

رفضت أن تستدرجي إلى صفقة تبيع فلسطين، وتغرقك في مستنقع لا خروج منه.

لكن، وبرغم أهمية الموقف المصري الرسمي،

فإن الرفض وحده لا يكفي،

لأن ما يحضر ليس مخططا لغزة وحدها،

بل نموذجا عاما لإعادة هندسة وصياغة المنطقة العربية - الإسلامية برمتها:

بالتجويع، بالتجفيف، وبالإخضاع لإرادة “إسرائيل الكبرى” التي تدير المياه والخرائط والحدود.

اليوم فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وإيران والسودان 

وغدا مصر، والأردن، والعراق، وتركيا، وباكستان، والخليج.

من لا يقرأ جيدا ما جرى وما يزال يجري في قطاع غزة وفلسطين وجوارها العربي ويجري من تطويع شامل للمنطقة:

•   عبر الحروب

•   والخرائط الجديدة

•   والتفكيك الديموغرافي

•   ومقايضات البقاء مقابل الصمت

لن يدرك أن الجميع مستهدف،

وأن من لا يعطش اليوم، سيجف غدا،

ومن لا يرحل شعبه، قد يرحل هو بنفسه.

المطلوب الآن:

•   موقف عربي وشعبي شامل وصريح،

يرفض تجويع غزة 

ويرفض تعطيش مصر وتحويلها إلى ممر لتهجير غزة،

ويرفض تحويل فلسطين إلى مشكلة إنسانية،

ويرفض تحويل النيل إلى أداة ضغط سياسية.

•   وعي استراتيجي مشترك،

يدرك أن المشروع الصهيوني لا يقف عند حدود غزة أو القدس،

بل يسعى لتفكيك المشرق كله وإعادة بنائه على أساس التبعية الشاملة: اقتصادية، أمنية، ومائية.

مصر ردت… لكن الدور لن يقف عندها،

وإن لم ترد دول وشعوب المنطقة مجتمعة،

فسيلف الحبل أعناق الجميع،

وستقطع المياه والحدود والأنفاس،

إلا لمن يذعن لإرادة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري.

ويقبل بقيادة الكيان الصهيونى للإقليم العربي الإسلامي 

اللحظة لا تحتمل حيادا ولا صمتا.

إما أن نقف جميعا وتنجوا معا، أو نسقط فرادى والأمة مجتمعة.

 

مشاركة: