يأتي هذا المقال في أعقاب انعقاد " المؤتمر اليهودي الأول لمناهضة الصهيونية" في فيينا في الفترة 13- 15 /6/ 2025، وأثار اهتماما واسعا بسبب حضور شخصيات يهودية مناهضة للصهيونية، ومداخلات وصفت بأنها غير مسبوقة في حدة نقدها لإسرائيل والصهيونية.
وسط هذا الزخم، تعالت أصوات فلسطينية وعربية تحتفي بالحدث وتتجاوز حدوده. في هذا السياق، يقدم المقال البحثي الموسع قراءة تحليلية معمقة تسعى إلى وضع الحدث في سياقه البنيوي، وتفكيك العلاقة بين معاداة الصهيونية والتحرر الفلسطيني، دون انجرار خلف التهويل أو التهوين. لا يكتفي المقال بتحليل المؤتمر، بل يسعى لتفكيك الأوهام السياسية والمعرفية التي أحاطت به، ويقترح بديلا تحليليا واستراتيجيا يعيد ترتيب العلاقة بين النقد والتحرر.
ولأن المقال موسع وموجه في المقام الأول للباحثين وصناع السياسات، نقدم هذا الملخص التنفيذي لتيسير الاطلاع، مع الإشارة إلى توفر النص الكامل للراغبين في التوسع.
يرصد المقال التحليلي تصاعد التيارات اليهودية والغربية الناقدة للصهيونية، خاصة في ظل جرائم الإبادة الجارية في فلسطين، ويتناول العلاقة المعقدة بين مناهضة الصهيونية والتحرر الفلسطيني. ويطرح إشكالية مركزية: هل يمكن لهذا النقد، رغم عمقه أحيانًا، أن يشكل رافعة حقيقية للتحرر الفلسطيني، أم أنه يعيد إنتاج أنماط الهيمنة عبر وسطاء “أخلاقيين” جدد؟
أولًا: مناهضة الصهيونية داخل الأوساط اليهودية – استعادة الضمير أم إعادة تموضع؟
تشير بعض التيارات الفكرية اليهودية، الدينية واليسارية، إلى ضرورة تحرير اليهودية من اختطاف الصهيونية، من خلال العودة إلى بعدها الأخلاقي والروحي. يُطرح هنا نموذج “اليهودية–الضمير” مقابل “اليهودية–الدولة”، في محاولة لفك الارتباط بين الإيمان اليهودي والمشروع القومي العنيف.
لكن هذا النقد لا يخلو من قلق وجودي وتجريبي؛ فهو ما يزال ظاهرة محدودة، تصطدم بجدار اللوبيات والمؤسسات التي تدّعي احتكار تمثيل “الهوية اليهودية الجامعة”. رغم ذلك، يسعى هذا التيار إلى إعادة تعريف الهوية والتاريخ اليهودي خارج مركزية الدولة القومية والهولوكوست، باعتبار أن الصهيونية انحراف عن اليهودية، لا امتدادًا لها.
ثانيًا: حدود تأثير هذه الموجة على النضال الفلسطيني – التضامن لا يساوي التحرر
رغم أهمية هذه الأصوات، إلا أن اعتبارها قاطرة للتحرر الفلسطيني هو افتراض مضلل. فالكثير منها ينطلق من أخلاقيات ليبرالية أو هوياتية، دون التزام جذري بالقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني من استعمار استيطاني إحلالي. غالبًا ما تكتفي هذه التيارات بالدعوة لـ” إنهاء الاحتلال” أو “حل الدولتين”، دون المساس بالبنية الاستعمارية نفسها.
الخطير أن يُستدعى اليهودي النقدي كشاهد إثبات في الفضاء الدولي، بينما يُقصى الفلسطيني من موقعه كصاحب رواية وحق. هذا يعيد إنتاج التراتبية الاستعمارية، ولكن هذه المرة باسم التعاطف أو “التضامن الأخلاقي”.
ثالثًا: ضرورة فصل المسارين – من أجل تحالف ندي لا علاقة تبعية
ينبّه المقال إلى أهمية الفصل الواعي بين مساري التحرر الفلسطيني واليهودي ما بعد الصهيوني، لا من باب القطيعة، بل لتأكيد الاستقلال المعرفي والسياسي. فبينما يناضل الفلسطيني من موقع الشعب الواقع تحت استعمار عنيف، ينطلق النقد اليهودي من محاولة تصحيح داخلي لهوية دينية/سياسية مشوهة. لا يمكن إخضاع المسار الفلسطيني لتجربة الآخر اليهودي أو ربط شرعيته بها.
هذا الفصل هو شرط أساسي لبناء تحالف تحرري ندي، يقوم على الاعتراف المتبادل، لا على وساطة رمزية أو تمثيل أخلاقي من الخارج. لذا فإن الفصل بين المسارين ليس رفضا للتقاطع، بل شرط له
رابعا: من التقدير الرمزي إلى الفعل السياسي – شروط تحالف المستقبل
إن بناء تحالف فعال بين الفلسطينيين واليهود المناهضين للصهيونية لا يمكن أن يستند إلى التقدير الرمزي أو النوايا الحسنة، بل إلى ثلاثة شروط رئيسية:
1. الاعتراف الكامل باستقلال الرواية والمشروع الفلسطيني.
2. تفكيك الامتياز اليهودي–الغربي داخل دوائر التضامن نفسها.
3. احترام المسافة بين المسارات التحررية المختلفة دون دمج قسري.
بناء على هذه الشروط، يمكن أن تتأسس جبهة نضالية أوسع تتجاوز الثنائية اليهودية–الفلسطينية نحو تحالف أممي من شعوب الجنوب، والمضطهدين في الهامش الغربي، وحركات السكان الأصليين، وكل القوى المقاومة للعولمة الاستعمارية. فالتحالف الرمزي يمنح الصوت للآخر، أما التحالف الندي، فيؤسس لفعل جماعي مستقل ومتعدد الأصوات.
خامسًا: من نقد الصهيونية إلى تفكيك بنية الهيمنة
يرى المقال أن الصهيونية، في صورتها الحديثة، ليست مجرد مشروع استيطاني محلي، بل ترتكز أخلاقيًا وقانونيًا داخل بنية الهيمنة العالمية. لذلك، فإن أي نقد فعال لها يجب أن يتجاوز إسرائيل إلى مساءلة البنية الإمبريالية، النيوليبرالية، والعنصرية الغربية التي تدعمها.
وفي هذا السياق، لا تصبح فلسطين قضية استثناء إنساني فقط، بل مرآة كاشفة للبنية العالمية ومختبرًا لإعادة تعريف العلاقة بين العدالة، السيادة، والهوية.
سادسًا: تحرر الفلسطينيين لا يُمنح، بل يُنتزع
التحرر الفلسطيني لا يمكن أن يُبنى على تغير المزاج الأخلاقي في الغرب أو على شهادات المتضامنين، بل على الفعل الفلسطيني الذاتي، التنظيم، واستعادة المبادرة المعرفية والسياسية.
فكما لا يمكن تحرير فلسطين بأدوات المستعمر، لا يمكن إعادة تعريف النضال الفلسطيني من خلال سرديات مناهضة الصهيونية وحدها.
سابعًا: خاتمة – من نقد الآخر إلى إعادة بناء الذات
يخلص المقال إلى أن نقد الصهيونية ضروري ولكنه غير كافٍ، وأنه لا يمكن أن يشكل بديلًا عن مشروع تحرري فلسطيني جذري ومستقل. الفصل بين المسارات ليس رفضًا للتقاطع، بل شرط له، وهو ما يمكّن من بناء تحالفات أممية ناضجة تعيد كتابة معنى التحرر نفسه.
فلسطين لا تحتاج إلى من ينقذها، بل إلى من يتحالف معها بندية كاملة، ومن ينخرط في النضال ضد البنية التي أنتجت الصهيونية، لا فقط في نقدها.
تمثل هذه الخلاصات أرضية لتحفيز نقاش فلسطيني داخلي حول شروط بناء تحالفات دولية دون تكرار التبعية الرمزية، ولتطوير استراتيجية مقاومة تبنى على السيادة المعرفية والفعل الذاتي