الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   07 تشرين الأول 2023

| | |
متى يصبح الشعب الفلسطيني رقما صعبا يتعذر تجاوزه
غانية ملحيس

لا يحتاج الشعب الفلسطيني إلى المعجزات ليستعيد وجوده الفاعل على الخريطة السياسية والجغرافية العربية والإقليمية والدولية.

فالمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ليس أول مشروع استعماري استيطاني غربي ينشأ  في فلسطين، التي تتموضع في مركزالوصل والفصل  الجغرافي والديموغرافي والحضاري بين مشرق المنطقة العربية – الإسلامية الممتدة ومغربها. والتي تقع في مركز العالمعند ملتقى قاراته الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وتشرف ،بذلك، على خطوط التجارة والملاحة والمواصلات والاتصالات الدولية. وتمتلك  ثروات طبيعية ومعدنية وفيرة. وتحتوي على احتياطيات – هي الأكبر عالميا – لمصادر الطاقة الأحفورية الرخيصة، التي تشكل عصبالاقتصاد الدولي. وتسكنها شعوب متعددة الأعراق والإثنيات والألوان والأديان والطوائف والمذاهب. تنتمي إلى أمة واحدة تتشارك الجغرافياوالتاريخ والثقافة والحضارة. تسيدت العالم لقرون طويلة، وأسهمت منجزاتها في إثراء الحضارة الإنسانية. وما تزال شعوبها قاطبة - رغم  واقعها  المرير وإقحامها واستنزافها في صراعات وحروب بينية وأهلية - تؤمن بوحدة المستقبل والمصير .

يضاعف من أهمية فلسطين، بالإضافة إلى موقعها الجيو - استراتيجي  الفريد خصائص رئيسية مهمة أبرزها : قدسيتها  كمركز إشعاعحضاري باعتبارها مهد الديانات السماوية الثلاث،التي يدين بها ثلثا البشرية. وصغر حجمها  الجغرافي والديموغرافي . ما جعلاستعمارها واستبدال شعبها العربي الفلسطيني الأصيل بمستوطنين أجانب، هدفا مركزيا ثابتا  في سياسات ومخططات القوى الدوليةالمتنفذة المتنافسة على  القيادة العالمية. ليس لذاتها، وإنما لأهمية توظيفها كقاعدة استعمارية أجنبية متقدمة، والانطلاق منها للسيطرة علىعموم المنطقة الجيو - استراتيجية التي تلعب السيطرة عليها دورا محوريا في ترجيح موازين القوى الدولية .

فقد سبق المشروع  الاستعماري الاستيطاني الصهيوني  القائم حاليا في فلسطين . استعمار استيطاني إفرنجي مماثل تم انشاءه قبلعشرة قرون واستظل، آنذاك، بالدين المسيحي /المشروع الصليبي/  واستدام  بقاءه قرابة قرنين . ويصادف هذا الأسبوع الذكرى الثمانمائةوست وثلاثون لهزيمته وتحرير القدس في 2/10/1187 م. فاستعصت فلسطين،آنذاك، على الزوال، واستعصى شعبها العربي الفلسطينيعلى الفناء . 

صحيح أن عدونا الصهيوني يفوقنا قوة وقدرة وحداثة. وصحيح ،أيضا، أن الشعب الفلسطيني الصغير والأعزل والمتخلف بالمعنىالحداثي-وليس الحضاري- بالغ الضعف مقارنة بعدوه :

 -   الذي يمتلك قوة عسكرية فائقة. وسلاحا نوويا خارج إطار الرقابة الدولية.واقتصادا متطورا. ووجودا استيطانيا أجنبيا يهوديا وازنا. وبنىتنظيمية ومؤسسية متطورة. ومنظومة قانونية عنصرية شاملة تمكنه من إحكام سيطرته على الجغرافيا والديموغرافيا في كامل فلسطينالانتدابية.

ويمتلك احتياطيا ديموغرافيا يهوديا متنفذا في مختلف دول العالم 

   -  ويحظى بحماية ودعم القوى الدولية المتنفذة . 

  -  وينعم، أيضا، بتواطؤ النظام العربي الرسمي وخنوعه، واستعداده للتضحية بالشعوب العربية. ولا يتوانى -من أجل إدامة بقائه- عنالقيام بدور الوكيل الاستعماري المكلف بعزل ومحاصرة شعوبه داخل حدود قطرية مصطنعة.تكريس تجزئة الأمة،وتمنعها من استعادةالتكامل الأفقي والعمودي الذي كان قائما بين اقتصاداتها، وتعمق ارتباطها التبعي بالمراكز الاستعمارية المتقدمة. بل ولا يتورع عن ارتكابالمجازر  ضدها وتوظيف اختلافات مكوناتها الإثنية والعرقية والقبلية والعشائرية والدينية والطائفية والمذهبية، وإقحامها في حروب بينيةوأهلية تستنزف قواها، لإدامة السيطرة عليها . والحيلولة دون نشوء قوى أصيلة وازنة/وطنية وقومية وإقليمية/ مؤهلة لاستعادة حرية الأمةوسيادتها ووحدتها . 

ويتحصن، كذلك، بجاهزية الأنظمة العربية للتخلي رسميا عن الشعب الفلسطيني ، كما تخلى أبناء   يعقوب عن أخيهم الأصغريوسف.
ويستقوي، أيضا، بعجز النظام السياسي الفصائلي الفلسطيني وانقسامه. وانغماس أقطابه في صراعات بينية على المصالحوالنفوذ. وبإخفاق الطبقة السياسية الفلسطينية وعجزها عن توفير نظام سياسي فلسطيني بديل مؤهل لقيادة الشعب الفلسطينيداخل فلسطين وخارجها، وتعبئته وزيادة مناعته في مواجهة عدو عنصري فاشي يحتكم إلى المعادلة الصفرية لحسم الصراع.

لكن الصحيح أيضا -كما يدلل التاريخ الإنساني المدون- أن اختلال موازين القوى لصالح الغزاة الأجانب وحلفائهم وعملائهم لم  يحل يومادون تفوق قوة الحق على حق القوة مهما طغت. عند تمسك أصحابه بإحقاقه مهما طال الزمن وعظمت التضحيات. 

فقد  سبق وهزم المشروع الاستعماري الاستيطاني الإفرنجي/ الصليبي/ وآل إلى الزوال، وبقيت فلسطين-كما كانت منذ الأمد وكما ستبقىحتى  الأزل- وطن الشعب الفلسطيني.

تماما كما لم يحل اختلال موازين القوى  دون انتصار الشعب الجزائري في 3/7/1962 على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي دام132 عام . 

ولم يمنع  هذا الاختلال  انتصار الشعب الفيتنامي على  القوة العالمية الأعظم -الولايات المتحدة الامريكية- في 30/4/1975. 

ولم يحل ،أيضا، دون انتصار شعب جنوب افريقيا على نظام الفصل العنصري في 30/6/1991، رغم  تفوقه واستقوائه بحلفائه فيالمستعمرة الصهيونىة والقوى الغربية المتنفذة. 

فقد انتصروا  جميعا  على الغزاة  الأجانب الطامعين في بلادهم، رغم الفوارق الهائلة في موازين القوى :

عندما امتلكوا الوعي المعرفي بعدوهم وأهدافه ومكامن قوته وسبل تحييدها، ومواطن ضعفه وفرص تعميقها . 
وعندما  أدركوا موجبات هزيمته ومستلزمات الانتصار عليه .
وعندما وفروا الشروط الذاتية والموضوعية، وبنوا القدرة الوطنية الذاتية، وعززوا المناعة المجتمعية، وأسسوا للنهوض على صعيد الفكروالرؤى والتخطيط والبرمجة والتنفيذ في المجالات كافة/ العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتنظيميةوالإدارية والمؤسسية/. وطوروا تحالفاتهم مع القوى المحلية والإقليمية والدولية المعادية للاستعمار والمناهضة للعنصرية، والمدافعة عنتساوي الحقوق الإنسانية الأساسية في الحياة والحرية وتقرير المصير . 
وعندما تبينوا طول أمد الصراع، وأداروه بكفاءة، وراكموا الإنجازات التي حققتها الأجيال المتعاقبة، وتمكنوا من رفع كلفة استمراراحتلال بلادهم لتفوق عوائده بما يتعذر مواصلة احتمالها. فاستحقوا النصر وبلغوه .

وأعتقد أننا جميعا ندرك أن وجود الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في بلادنا المأهولة بأصحابها الأصلانيين،المصممين على بلوغ حقوقهم الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف، يخضع لذات القواعد، ويحتكم إلى الحتمية التاريخية بزواله.   

 وجميعنا نعي،أيضا،بأن بقاء هذا الكيان وتوسعه رهن،فقط، باستمرار تفوق العوائد التي يحققها  لمنشئيه ورعاته على تكاليف دعمه. وأناختلال هذه المعادلة يعرضه للزوال. 

كما أعتقد أننا جميعا نعلم أن الحتمية التاريخية ليست ذاتية الحركة، وأن تحققها يحتاج  إلى تفعيل. 

وأن نجاح الكيان الصهيوني في البقاء ومواصلة التوسع خلال الخمس وسبعين عام الماضية، يعود أساسا إلى إخفاق الفلسطينيين والعربفي تفعيلها بجهد مؤثر واع وجاد ومتصل لهزيمته. وتقصيرهم في توفير الموجبات الضرورية  للانتصار عليه. ما وفر للمشروع  الاستعماريالاستيطاني الصهيوني، وما يزال، الفرص المواتية  التي يحتاجها لمواصلة المواءمة بين دوره اليهودي الخاص، ودوره الإمبريالي العام، ومكنه،بذلك من  : 

تأسيس إسرائيل كمركز جغرافي مسيطر للحركة الصهيونية العالمية. وتكريس هويتها كدولة  استيطانية حصرية لليهود، بمواصفاتغربية وديموقراطية، تمكنها من اجتذاب ولاء يهود العالم، وتمنع انصهارهم في مجتمعاتهم  الأصلية، وتحفظ تمايزهم عن الأغيارللإبقاء عليهم كاحتياطي استراتيجي لتجنيدهم عند الحاجة للوفاء بدوريها الخاص والعام .
توفير ملجأ آمن ومزدهر لمستوطنيها اليهود  ومن يتم تهويدهم، لضمان استقطابهم واستقرارهم وبقائهم وتطورهم في موطنهم الجديد.
تعزيز مكانة يهود العالم، ودعم تمايزهم لتعطيل انصهارهم في مواطنهم الأصلية.وتعزيز امتيازاتهم،  وتقوية نفوذهم وزيادة تمثيلهمفي مواقع صنع القرار في بلادهم لتأمين الدعم والرعاية الدولية المتواصلة للمستعمرة الصهيونبة .
بلورة هوية وطنية وقومية يهودية إسرائيلية، بتفعيل بوتقة الصهر وتقليص تأثير الفوارق الثقافية والحضارية بين مستوطنينها اليهود،لإدامة التماهي والتطابق بين الصهيونية واليهودية وإسرائيل .
الإبقاء على التعبئة العامة والجاهزية العسكرية للحفاظ على وجودها كدولة يهودية. والوفاء، بذلك، بدورها الوظيفي المزدوج: اليهوديالخاص والإمبريالي العام،  بكلفة سياسية واقتصادية وعسكرية يمكن احتمالها .

وجميعنا يتفق على أن الإخفاق  الفلسطيني والعربي في منع تحقق المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري بداية ، ووقفتوسعه لاحقا، رغم جسامة التضحيات التي قدمها  الشعب الفلسطيني  والشعوب العربية على امتداد أكثر من قرن . ناجم في الأساس عن  تضافر  وتفاعل مجموعة من  الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية،الذاتية والموضوعية، التي سبق تناولها في آلاف المقالات والكتب .

ولا أجد شخصيا حاجة لمواصلة تكرارها، وخصوصا ما يتعلق  منها بالمسؤولية الدولية والعربية عن نكبة  الشعب الفلسطيني، التي ما تزالتتابع حلقاتها للقرن الثاني على التوالي. 

ليقيني بأن تغيير المصير  الفلسطيني لن يتأتى إلا :

عندما  يتغير الفلسطينيون أولا ويستعيدون ثقتهم  بانفسهم ، وبقدرتهم على صنع مستقبلهم.
وعندما يتأهبون للنهوض ويشرعون بتوفير موجبات ذلك على صعيد الفكر والرؤى والمناهج والآليات التنظيمية والمؤسسية والقيادات. 
وعندما يبلورون مشروعهم التحرري الإنساني النقيض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري . ويدركون بأنهزيمته ممكنة ، وأنه رغم الدور المركزي المناط به، لا تتأتى بجهوده وحده، وإنما بمشاركة كافة قوى التحرر المعادية للاستعمار  والاستيطان والصهيونية والعنصرية والاستبداد /الفلسطينية والاسرائيلية واليهودية والعربية والعالمية / . 
وان بناء المستقبل لا يعنى استعادة الماضي  بإعادة عجلة الزمن للوراء. وإنما بالتعامل الخلاق مع الوقائع التي أفرزها الصراع،وأسفرت عن ربط  مصير يهود إسرائيل ومستقبلهم بمصير ومستقبل  الشعب الفلسطيني.
وعندما يحددون بوضوح :

المستقبل المرغوب بلوغه / نقطة الوصول/. والواقع القائم الذي ينطلقون منه / نقطة الانطلاق/  والخطط والبرامج  والأولويات والمهمات التي يتعين تنفيذها في مختلف مناطق تواجد الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه /كلحسب ظروفه /. بما يضمن تكامل وتتابع الإنجازات وتراكمها، للانتقال من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوصول بالسرعة الممكنة والكلفةالمناسبة. / آخذين بالاعتبار أن بلوغ المستقبل المستهدف عابر للأجيال .
والحلفاء الذين يتشاركون معه المصالح والأهداف، ويشاركونه الجهد لبلوغ المستقبل المرغوب.

ورغم أن الغالبية الساحقة من يهود إسرائيل ما تزال تعجز عن إدراك حقيقة ترابط  مصير ومستقبل يهود إسرائيل بمصير ومستقبل الشعبالفلسطيني  بنصفه المقيم داخل الوطن ونصفه الآخر  في مواطن اللجوء .

وأن  كافة نخبهم من مختلف التيارات العلمانية والدينية ، ما يزالون أسرى لذات العقيدة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية العنصرية.التيترى بالشعب الفلسطيني نقيضا وجوديا  ينبغي التخلص منه بالإبادة والاقتلاعوالتهجير التغيب. وتوظف الدين اليهودي والأساطير بوعدالخالق لشعبه المختار -الذي اصطفاه  على سائر خلقه - ومنحه حقا حصريا  في الأرض الموعودة، يبرر حروب الإبادة والتطهير العرقيالتي ما يزال يشنها ضد سكان البلاد المقيمين فيها لآلاف السنين المتصلة. ويكفل،بالتالي، استثناءه من نفاذ الاتفاقات والقوانين الدوليةوالإنسانية التي يتوافق عليها باقي البشر لتنظيم علاقاتهم على كوكب الأرض. 

 وما يزال غالبية يهود إسرائيل وجميع زعمائهم ينكرون حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، الذي يبلغ  تعداده في منتصف العام 2022 نحو  14 مليونا و300 ألف نسمة وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. ويتجاهلون حقيقة أن حوالي نصف الشعب الفلسطينينحو 7 ملايين و100 ألف نسمة يقيمون في فلسطين الانتدابية. ويشكلون 50.1% من إجمالي السكان المقيمين فيها.ويتوزعون ما بينالأراضي المحتلة منذ العام 1948/ نحو مليون و700 ألف نسمة / والضفة الغربية بما فيها القدس /  3 ملايين و200 ألف نسمة/ وحواليمليونين و200 ألف نسمة في قطاع غزة. فيما يشكل اليهود 49.9% .

والأغرب أن ذلك  التنكر والإنكار لوجود الشعب الفلسطيني، لا يقتصر  على السواد الأعظم  من يهود إسرائيل العلمانيين والقوميينوالأصوليين المتدينين المأفونين بداء العنصرية . وإنما يشاركهم  فيه علماء وفلاسفة ومؤرخين مرموقين ، أمثال البروفيسورة أنيتا شابيرا،الحائزة على جائزة إسرائيل. والفيلسوف يوفال نوح هراري ، وغالبية اليسار الصهيوني وجميع  قادة الاحتجاج ضدالانقلاب القضائي. 

فجل ما  يخيفهم  في الصراع المحتدم داخل المستعمرة الصهيونية -وفقا لأنيتا شابيرا :" عجز الصهيونية العلمانية -التي وظفتالدين والمفاهيم المسيحانية في مرحلة التأسيس لتشجيع الحملة الصهيونية بتكريس علاقة الشعب اليهودي بالأرض وإحياء الأمل بالعودةإليها- واخفاقها في كبح جماح التيارات المسيحانية  ومنع صعودها بين المجتمع الديني "، الذي نمى وتطور في المستعمرات  الاستيطانيةالصهيونية التي تم نشرها في باقي الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها عام 1967 بغية تأمين سيطرة إسرائيل على كامل فلسطينالانتدابية. 

فتفاجأوا بأن هذه القوى التي تم حمايتها وتنميتها وتعزيز قوتها  طوال نصف قرن لإرهاب الشعب الفلسطيني الأعزل  ومصادرة أراضيهوممتلكاته، وهدم مساكنه ،والتحكم بحركته، ومحاصرته داخل معازل لإخضاعه بالقوة واجباره على الاستسلام  والقبول بمقايضة حقوقهالوطنية باحتياجاته المعيشية. قد تمردت وتجاوزت دورها الوظيفي بعد فوزها في الانتخابات التشريعية أواخر العام الماضيوإحكام سيطرتها على الحكم - واستخدمت هياكل السلطة والقوة- التي راكموها طوال 56 عام - داخل الخط الأخضر/حدودإسرائيل وفقا لخطوط الهدنة لعام 1949/  واستهدفت، أيضا، اليهود الإسرائيليين. فشرعت بالانقلاب القضائي لتحقيق مشروعها التوراتيباستبدال الدولة اليهودية الغربية / العلمانية/ بدولة الهالاخا / الشريعة/ .

وما يقلق نوفال هراري وقادة المعارضة من الانقلاب القضائي يتعلق أساسا بمخاوفهم من إمكانية فقدان الحماية الدولية التي تعفي إسرائيلومواطنيها من نفاذ القانون الدولي والإنساني بذريعة استقلال القضاء فيها. وما قد يؤدي إليه انتهاء الفصل بين السطات التنفيذيةوالتشريعية والقضائية في إسرائيل من انكشاف يهود إسرائيل وقادتها وجنودها وخضوعهم للملاحقة من قبل المحاكم  الدولية، ومساءلتهم  عن حروب الإبادة وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية التي يواصلون ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني  في كاملفلسطين الانتدابية للعقد الثامن على التوالي .

فالشعب الفلسطيني غير مرئي بالنسبة لهم وللسواد الأعظم من يهود إسرائيل . وحتى بالنسبة  للعلمانيين واليساريين الإسرائيلين الذينيقودون  للشهر العاشر على التوالي حراكا ضد الانقلاب القضائي، يدافعون عن الديموقراطية الإثنية التي تقتصر على اليهود فقط . والتقدميين منهم ينظرون لفلسطينيي العام 1948 كأقلية ذات حقوق  فردية. ولم يستوقفهم  استثناءهم من المواطنة في قانون القومية.  وعندما يتحدثون عن حقوق الانسان  يتم ذكر الفلسطينين في ذيل القائمة بعد النساء  والأثيوبيين والمثليين . 

واللافت أن غالبية يهود إسرائيل العلمانيين  المحتجين الذين  يملؤون  الميادين والساحات كل سبت،  يحرصون على التبرؤ  من الفلسطينينوتجاهل مظالمهم . ويغضون النظر  عن رعاية حكومات إسرائيل المتعاقبة للجريمة المنظمة  في المدن والقرى والأحياء العربية، وتزويد مرتكبيهابالسلاح  والمال  وحمايتهم طالما بقي الضحايا من العرب. وعندما يحتجون على وحشية الشرطة  التي يوجهها  وزير الأمن القومي المستوطنايتمار بن غفير ضد المحتجين اليهود، لا يلفتهم  على الإطلاق ارتفاع معدل جرائم القتل في المجتمع العربي في إسرائيل، وتسارع وتائرهامنذ توليه وزارة الأمن القومي وحدوث 196 جريمة قتل ضد المواطنين العرب وإفلات جميع مرتكبيها. 

بل إن الصهاينه العلمانيين يحرصون أثناء فعاليات الاحتجاج على إقصاء اليهود الإسرائيلين الذين يطالبون بإنهاء الاحتلال والانفصال عنالفلسطينيين من أجل  الحفاظ على يهودية إسرائيل وديموقراطيتها.

ولا  يتعلمون حتى من  التجربة الماثلة امامهم . فلا يستوقفهم  التكامل الوظيفي بين ايتمار بن غفير  وبتسلإيل سموتريش، الذيأسندت إليه مسؤولية الإدارة المدنية في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. ويستخدم صلاحياته كوزير للماليةفي توجيه موارد الخزينة العامة  لتمكين  وتمويل وتسليح  اليمين القومي الديني الفاشي . ويتغافلون عن أن  استمرارالسماح  للفاشيين الصهاينه بالاستهداف العنصري للفلسطينيين لن يقتصر عليهم وحدهم  . بل سيطال، أيضا،  يهود إسرائيل بالتوازي إننجح الانقلاب القضائي، وبالتوالي إن تعثر إنجازه .

وعلى الرغم من قتامة الواقع  الفلسطيني القائم وتنامي الاختلال في موازين القوى في غير صالحه. 

تتوفر أمام الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية غير مسبوقة  لإعادة  فرض حضوره النشط محليا وعربيا ودوليا . يتيحها  :

   -   تصدع وحدة المجتمع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ،وتعاظم  الاهتمام السياسي والاعلامي غير المسبوق بما يجري فيإسرائيل، التي تحكم سيطرتها على كامل فلسطين الانتدابية .

تزايد اهتمام  يهود العالم على اختلاف توجهاتهم  الفكرية  والعقائدية وانتماءاتهم السياسية والحزبية بمتابعة مجريات وتطوراتالصراع الجاري بين التيارات اليهودية الاسرائيلية العلمانية والقومية والدينية. ويراقبون عن كثب تنامي سيطرة اليمين القومي الدينيالفاشي على كامل فلسطين الانتدابية وسعيه لإقامة

...

 
 
 
 
 
 
مشاركة: