الرئيسية » تقدير موقف » إسلام نصر »   27 آذار 2024

| | |
إجراءات الاحتلال بالضفة الغربية في ظل العدوان على قطاع غزة
إسلام نصر

هذه الورقة من إعداد إسلام نصر، ضمن إنتاج أعضاء "منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي" الذي يشرف عليه مركز مسارات.

مقدمة

منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ارتفعت وتيرة اقتحامات جيش الاحتلال لمدن وقرى الضفة الغربية، ورافق ذلك إجراءات وسياسات مختلفة من إغلاق وتقطيع للطرق وإقامة حواجز فاصلة تعرقل عملية التنقل بين المدن والقرى والمحافظات. ويطرح ذلك العديد من التساؤلات، منها ما تأثيرات الإجراءات التي تمارسها سلطات الاحتلال في الضفة الغربية؟

تتمثل السياسات والانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية في محاصرة القرى والبلدات، والحد من عمليات التنقل، وتهجير الأهالي والاستيلاء على الأراضي؛ ما يؤثر في الجانب الاقتصادي للمواطن الفلسطيني، لا سيما في ظل قرصنة الاحتلال لأموال الضريبة الفلسطينية.

العدوان على قطاع غزة

شنت إسرائيل بعد انسحابها من قطاع غزة في العام 2005، وسيطرة حركة حماس عليه في العام 2007، العديد من الحروب والعدوانات العسكرية، ومن أهمها حروب 2008-2009 و2012 و2014 و2019 و2021 و2022، فضلًا عن حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023[1].

طوفان الأقصى

قامت كتائب القسام بهجوم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر بهجوم على مستوطنات غلاف غزة والقواعد العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وكان الهجوم بريًا وبحريًا وجويًا بطائرات شراعية وتضمن إطلاق أكثر من 5000 آلاف صاروخ وقذيفة باتجاه مواقع وتحصينات للاحتلال الإسرائيلي وجيشه، وقد أعلن عن هذه المعركة محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، باسم "طوفان الأقصى"، وقد خلّفت أكثر من 1400 إسرائيلي وإصابة أكثر من 5000 آلاف وأسر نحو 250 إسرائيليًا[2].

أعلنت الحكومة الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى حالة الحرب، وشنت هجومًا شرسًا بريًا وبحريًا وجويًا وبغارات وقنابل مدمرة طالت قطاع غزة، أدت إلى تدمير كبير للمساكن والمدارس والمشافي والبنية التحتية، وتبعه اقتحام وتوغل بري لمختلف مناطق القطاع باستثناء رفح، في ظل اشتباكات مستمرة مع قوى المقاومة[3]. وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 73 ألفًا، وفقدان الآلاف تحت الأنقاض، فضلًا عن تدمير 290 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 1.93 مليون نازح هجروا قسرًا[4].

الانتهاكات وسياسات الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية

اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى سلسلة من الإجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، شملت إغلاق ومحاصرة القرى والبلدات والمدن، وفصلها وتضييق التنقل بينها، كما جرى في حصار حوارة لأشهر عدة، إضافة إلى التنكيل بالمواطنين، وإفراغ الشوارع الالتفافية الرابطة بين المحافظات لصالح المستوطنين؛ حيث بلغ عدد حواجز الاحتلال في الضفة 567 حاجزًا، منها 77 رئيسيًا و490 حاجزًا آخر تشمل (سواتر ترابية، ومكعبات إسمنتية، وبوابات حديدية) قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وزادها الاحتلال بنحو 140 حاجزًا وعائقًا على مداخل القرى والبلدات الفلسطينية، حتى بات يقبع 3 مليون فلسطيني في الضفة بوصفهم رهائن لإجراءات الاحتلال التعسفية[5].

وأصبحت الضفة في مرمى مستمر من الاقتحامات اليومية لجيش الاحتلال، مصحوبًا بالاعتقالات والتنكيل بالمواطنين وتفتيش البيوت وتخريب الممتلكات، وتركزت الاقتحامات في محافظات طولكرم ونابلس وجنين، وشملت اقتحام المخيمات وتدمير البنية التحتية والممتلكات الخاصة والعامة، مع استخدام الطائرات لقصف للبنايات. وأسفرت الاقتحامات لمدن وقرى الضفة والمواجهات المندلعة على نقاط التماس عن سقوط أكثر من 427 شهيدًا وأكثر من 4700 إصابة، وتهجير أكثر من 198 أسرة[6]، واعتقال نحو 7530 فلسطينيًا[7]، فضلًا عن الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال في سجونه ضد الأسرى؛ حيث استشهد 10 من الأسرى في سجونه[8].

قامت قطعان المستوطنين بالضفة الغربية محمية ومدعومة من قوات الاحتلال بأكثر من 2074 اعتداء في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحده فقط، وحالت دون وصول المواطنين إلى أراضيهم التي بلغت مساحاتها 500 ألف دونم، إضافة إلى عمليات استيلاء وسرقة لمعدات زراعية وفرض تكاليف مرتفعة عليهم[9]. وعملت على مصادرة أكثر من 5382 دونمًا من الأراضي الفلسطينية تحت مسميات مختلفة، وصادقت على 4 مخططات هيكلية لمستوطنات في الضفة، فضلًا عن عمليات التهجير في العديد من المناطق في الضفة الغربية، لا سيما في التجمعات البدوية[10].

أقرت الحكومة الإسرائيلية إجراءات مالية تجاه الحكومة الفلسطينية مقتطعةً 600 مليون شيقل من أموال المقاصة الشهرية في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إضافة إلى مئات الملايين في الأشهر اللاحقة، بذريعة أن جزءًا من هذا المبلغ يشمل مخصصات لقطاع غزة من رواتب لموظفين ومصاريف تشغيلية للقطاع، وبناء عليه رفضت السلطة الفلسطينية استلام أموال المقاصة في ظل هذا الانتهاك[11]، إضافة إلى تعطل نحو 200 ألف عامل فلسطيني (مسجل رسميًا وغير رسمي)، مضطرين للعمل في الداخل والمستوطنات الإسرائيلية، للشهر السادس على التوالي[12].

مواقف الأطراف

أكد الولايات المتحدة الأميركية على توقف العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومحاسبة مرتكبي أعمال العنف، ووضعت خطوات تتمثل في منع إعطاء تأشيرة الدخول للذين يرتكبون أعمال عنف. وجاء الموقف الأميركي في سياق عام كأنه يتحدث عن وقف اعتداء المستوطنين من دون الحديث عن الإجراءات التي تمارسها سلطات الاحتلال في الضفة. كما أعربت الإدارة الأميركية عن قلقها من تجميد أموال المقاصة للسلطة، محذرة من أن يؤدي ذلك إلى توتر في الضفة[13].

وأدان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة اعتداءات المستوطنون، وأكدا أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة غير قانونية[14]. كما أدان كل من جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية وغيرها من الدول العربية التهجير القسري، وسياسة العقاب الجماعي، وأعربت عن قلقها تجاه تصاعد العنف في الضفة، وطالبت بدعم السلطة الفلسطينية وتعزيزها وتقديم الدعم المالي للشعب الفلسطيني[15].

تداعيات وتأثيرات السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية

أدى استمرار الإغلاقات المختلفة لمدن وقرى الضفة الغربية وإقامة الحواجز إلى تقطيع الضفة الغربية وتوطيد سياسات فصل المحافظات عن بعضها وتقليص التواصل بينها، خاصة أن بعض البلدات أرغم ساكنوها وأصحاب المحلات التجارية على الإغلاق؛ ما أدى إلى مأزق اقتصادي وصعوبة في الحصول على المستلزمات اليومية والغذائية، وإلى منع المواطنين والموظفين من الوصول إلى أماكن عملهم، وكذلك إلى صعوبة وصول الطلبة إلى مدارسهم وجامعاتهم.

كما أدت الإغلاقات في ظل عدم استلام أموال المقاصة وبقاء العاملين في الداخل عاطلين عن العمل إلى رفع نسبة البطالة، وإلى خسائر بنحو 3.2 مليار شيكل للأسر الفلسطينية في الأشهر الأخيرة من العام 2023[16].

يحاول الاحتلال من استمرار الاقتحامات والانتهاكات في الضفة والقدس وتدمير البنية التحتية في مخيمات جنين وطولكرم ونابلس، وفقدان الأمن للمواطن الفلسطيني، وعدوان المستوطنين على القرى الفلسطينية والمزارعين والمواطنين، تهجير الفلسطينيين، لا سيما في ظل ما أفكار بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، لخلق مساحات أمنية حول مستوطنات الضفة ومنع اقتراب الفلسطينيين منها[17]، وسعيه إلى إقرار تعديلات على ميزانية الحكومة الإسرائيلية لوزارة الاستيطان من أجل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وإقامة بؤر استيطانية عشوائية، وميزانيات لمنع بناء فلسطيني في المناطق المصنفة (ج)[18]، ويتقاطع ذلك مع خطة الحسم التي تهدف إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم[19].

وما يعزز ما سبق، ظهور بعض المنشورات من مستوطنين تدعو إلى طرد الفلسطينيين من أرضهم في الضفة الغربية وتوجهم إلى الأردن، ما ينذر بمحاولات إسرائيلية لضم الضفة والقضاء على جميع أشكال الوجود الفلسطيني.

تساهم هذه الانتهاكات والسياسات على الضفة الغربية في زيادة الخناق على الفلسطينيين، وتعمل على الحد من مظاهر الوطنية والسيادة بكل أشكالها، وإن ما يعمل عليه الاحتلال يقود إلى ضغط كبير على المواطنين، محاولًا إرغامهم على الهجرة ونبذ القيم الوطنية وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، خاصة في عمليات الاعتداءات في شمال الضفة، والتهجم على المواطنين وتدمير الممتلكات الخاصة، محاولًا إثارتهم ضد المقاومة وجدواها، حتى المقاومة الشعبية.

إن هذه السياسات تقود إلى إشعال الضفة الغربية وانفجارها ودخولها في نطاق المواجهات المسلحة، سواء بشكل رسمي أو شعبي، وهذا سيطور ويأجج الوضع الراهن؛ ما يقود إلى حيثيات مشابهة للانتفاضة الثانية؛ حيث تضرب إسرائيل البنية التحتية في الضفة الغربية والمؤسسات الحكومية.

هزيمة المقاومة وتحقيق الاحتلال لأهدافه

إن فلسطين والسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالعدوان على قطاع غزة أمام خيارين، أولهما هزيمة المقاومة وتحقيق الاحتلال لأهدافه. وفي حال تحقيق هذا الهدف سيقود إلى عملية تغول أكثر للعدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيعمل بشكل أكثر حريةً في ظل انتهاء قوى المقاومة على تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق أهدافه الرامية إلى تطهير عرقي للشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه.

في المقابل، فإن غزة ونتيجة الدمار المهول ستشكل عبئًا على إسرائيل في حال قررت البقاء فيها واحتلالها. وبناء عليه، من الممكن تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية لإدارته، أو قيام سلطة أو سلطات محلية فيه تابعة للاحتلال.

إن حدوث هذا السيناريو سيزيد من قوة إسرائيل وبطشها، ويزيد من سيطرتها على الضفة، ويضعف السلطة أكثر، وربما يدفع يعزز من فكرة التهجير.

هزيمة جيش الاحتلال الإسرائيلي وفشله في تحقيق أهدافه

أما الخيار الآخر، فهو هزيمة الاحتلال وانتصار المقاومة وصد العدوان الإسرائيلي على غزة، وهذا سيؤدي إلى إفشال الأهداف الإسرائيلية، وتحجيم دور السلطة الفلسطينية، وإلى وضع خطوط جديدة لقواعد الاشتباك، والتأكيد على قوة الردع الفلسطينية التي تجبر الاحتلال على الجلوس على طاولة المفاوضات راضيًا بشروط المقاومة، ويعزز من إيجاد حل للقضية الفلسطينية، خاصة في ظل التأثيرات الدولية المختلفة والدعم الدولي الشعبي لفلسطين.

خاتمة

يتكون في الضفة الغربية مشهد محتدم في إطار مجابهة خطوات الاحتلال الهادفة إلى القضاء على الفلسطينيين، ويظهر ذلك جليًا في التشكيلات الجديدة لأدوات المقاومة، التي أصبحت في الآونة الأخيرة ظاهرة متمثلة في مجموعات مقاومة مسلحة تركزت في شمال الضفة الغربية، تعمل على صد العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية، محاولة تشكيل قوة ردع مقابل هجمات الاحتلال.

إن السلطة الفلسطينية في ظل هذه الانتهاكات تتراجع على العديد من المستويات، وتعجز عن مقاومة هذه السياسات، سواء بمقدرتها المالية أو تجهيزاتها الدفاعية عن القرى والبلدات، وجميع ذلك في ظل استباحة أماكن سيطرتها من قبل جيش الاحتلال في مراكز المدن.

في المقابل، فإن الضفة الغربية في حالة خناق كبير، ومما سهل اقتحامات الاحتلال وفرض سيطرته هو التقسيمات التي ابتدعها للقرى والمدن بفصلها عن بعضها البعض، متفردًا بها؛ حيث يعمل على تكريس الفصل العنصري وتقييد الحركة والتنقل.

الهوامش​

[1] أبرز حروب إسرائيل على قطاع غزة، الجزيرة نت، 11/10/2022: cutt.us/vtJkG

[2] "طوفان الأقصى".. أكبر هجوم للمقاومة الفلسطينية على إسرائيل، الجزيرة نت، 27/10/2023: cutt.us/EoJg1

[3] اشتباكات بين عناصر المقاومة وجيش الاحتلال وسط غزة، الجزيرة نت، 15/11/2023: cutt.us/xhKvp

[4] التقرير اليومي لآثار العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وزارة الصحة الفلسطينية: 2u.pw/JCsRhTE

[5] تطبيق سياسة الفصل العنصري على استخدام الطرق الرئيسية في الضفة الغربية وتقيد حركة وتنقل المواطنين الفلسطينيين، معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، 19/10/2023: cutt.us/PCZyi

[6] التقرير اليومي لآثار العدوان الإسرائيلي، مصدر سابق.

[7] ملخص حملة الاعتقالات التي نفذها الاحتلال لليوم، هيئة شؤون الأسرى والمحررين، 10/3/2024: 2u.pw/deAiyi7c

[8] عشرة شهداء أسرى منذ 7 أكتوبر الماضي، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، 24/2/2024: ichr.ps/statements/9475.html

[9] 333 اعتداءً للاحتلال ومستعمريه ضد قاطفي الزيتون، هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، 22/11/2023: cutt.us/Itj92

[10] 2074 اعتداء نفذها جيش الاحتلال والمستوطنون خلال تشرين الأول، هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، 2/11/2023: cutt.us/nw8SN

[11] "المالية": أعدنا حوالة "المقاصة" والرواتب ستتأخر، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 9/11/2023: wafa.ps/Pages/Details/83992

[12] استنتاجات أولية لأثر توقف العمالة في إسرائيل على المؤشرات الاقتصادية الفلسطينية الكلية، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني - ماس، العدد 5، 15/11/2023.

[13] الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل الإفراج عن أموال المقاصة التي جمدها سموتريتش، آي 24، 31/10/2023: cutt.us/qxS8i

[14] قلق دولي إزاء عنف المستوطنين في الضفة الغربية، سكاي نيوز عربية، 15/9/2023: 2u.pw/FM69axd

[15] 9 دول عربية تُصدر بيانًا بشأن التصعيد في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، سي أن أن بالعربية، 26/10/2023: 2u.pw/pOYR4dK

[16] استنتاجات أولية لأثر توقف العمالة في إسرائيل، مصدر سابق.

[17] سموتريتش يطالب "بخلق مساحات أمنية حول مستوطنات الضفة ومنع اقتراب الفلسطينيين منها"، روسيا اليوم، 6/11/2023: cutt.us/fZcLT

[18] أزمة داخل الحكومة الإسرائيلية بسبب الميزانية، العربية، 28/11/2023: cutt.us/qMqja

[19] سموتريتش يتجه لتنفيذ "خطة الحسم" لضم الضفة، عرب 48، 17/3/2023: cutt.us/urAtb

مشاركة: