في مقال بالغ الأهمية لكارتر مالكاسيان رئيس قسم التحليل الدفاعي في كلية الدراسات العليا /البحرية الأمريكية/. نشرته مجلة فورين أفيرز اليوم 20/9/2024 يلقي الضوء على أزمة الردع الأمريكية في ظل تزايد المخاطر بالانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة في الشرق الأوسط. وتنامي الجدل داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكي بشأن الخيارات الاستراتيجية.
يناقش المقال التغيرات التي طرأت على مفهوم الردع وفعاليته، فيشير إلى أن نظرية الردع لم تكن مطروحة قبل بزوغ فجر العصر النووي أواخر أربعينيات القرن الماضي. التي ترتكز على ديناميكية تعرف باسم "التدمير المؤكد المتبادل" والتي تقتصر فعاليته على الصراعات بين الاطراف النووية. لإدراكها تعذر تدمير خصمها دون تدمير نفسها.
يشير الكاتب إلى تقلص فعالية الردع عند مواجهة القوى النووية للقوى غير النووية، وتباينها عند المواجهة مع الدول، وعند المواجهة مع الجهات غير الحكومية. فيبين محدودية فاعلية الردع، رغم قلة أخطار تفجركارثة نووية.
ذلك أن قلة الخطر لا تعني إمكانية استخدام الدولة النووية للقوة غير المحدودة، كما حدث في غزو العراق عندما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية مستويات عالية من القوة مع القليل من القلق بشأن التصعيد.
إذ تظهر حالات أخرى، أن الخوف من الحرب التقليدية الشاملة ضد دولة غير نووية، قد يؤدي إلى دفع خصم نووي للمشاركة في الحرب /الحرب الكورية وحرب فيتنام/ علاوة عما يسفر عنه ارتفاع تكاليف الحرب الشاملة والطويلة، ما يجعل ردع قوة غير نووية أمر صعب/ فيتنام وأفغانستان/.
وعلى الرغم من ذلك يرى الكاتب أن الردع الأمريكي لإيران غير كاف. فهي أضعف مما ظل يعتقد على مدى عقد، في ظل ما يراه اخفاقا في هجومها بالصواريخ والمسيرات على إسرائيل في نيسان / ابريل / الماضي وإحجامها عن الرد حتى الآن على اغتيال رئيس حماس اسماعيل هنية في طهران. ويرى أن بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية إظهار قوة أكبر لردعها، بتوجيه ضربات إنتقامية مباشرة لمعاقبتها على سلوك حلفائها / الحوثيين وحزب الله وحماس والحشد العراقي/ الذين يقومون بهجمات على القوات الأمريكية / القواعد والقوات والسفن التجارية، وعلى حليفتها إسرائيل/. ويرى أن الردع قد لا يكون مجديا، إذا شعر النظام الإيراني بأنه يخوض حرب بقاء. ويعتقد بجدوى تواجد قوات وحاملات طائرات وبوارج أمريكية في الشرق الأوسط لمدة طويلة، لإظهار جدية الالتزام الأمريكي بحماية إسرائيل.
إلا أن الكاتب يقلل من فعالية الردع ضد الجماعات غير الحكومية مثل حماس وحزب الله والحوثيين. لأنهم يفتقرون إلى أهداف عسكرية ذات قيمة عالية كالتي تمتلكها الدول. ولأنهم ينتهجون أسلوب حرب العصابات، المتحركه والقادرة على إخفاء نفسها بشكل جيد، ولجاهزيتهم العالية للتضحية بالذات في سبيل بلوغ أهدافهم.
يلخص الكاتب مأزق الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بالقول
إن تطور الأحداث من شأنه أن يجبر واشنطن على
· إما التورط في حرب أكبر
· وإما التراجع. التراجع
وكلا الخيارين سيعكس فشل الردع.
ويرى أن على الولايات المتحدة الأمريكية ان تفاضل بين أولوياتها في الدفاع عن أمنها ومصالحها
· مواجهة الصين
· أو التورط في الشرق الأوسط
· وأن تدرك أن الردع يتطلب قبول مخاطرغير مريحة.
فإذا كان هدفها تجنب التورط في الشرق الأوسط، فإنها يمكن ان تتكيف مع تكاليف هذا الخيار التي تشتمل على:
· تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
· المزيد من الهجمات على إسرائيل،
· انخفاض التجارة الدولية. إذ سبق إغلاق قناة السويس (1967 - 1975) أثناء الحروب بين مصر وإسرائيل. ويمكن للولايات المتحدة أن تقبل وضعا مماثلا إلى أن تهدأ أزمة غزة. الأهم في دلالات المقال هو أن القوى المتمسكة بحقوقها الوطنية والتي تمتلك الجاهزية للتضحية من أجل إحقاقها مهما طال الزمن وعظمت التضحيات قادرة على بلوغ النصر وهزيمة أعدائها مهما بلغت قوتهم وان امتلكوا القوة النووية. وسوف أرفق ترجمة منفصلة للمقال