تتجاوز ردة فعل قادة الولايات المتحدة الأمريكية على قرار المحكمة الجنائية الدولية في 21/11/2024 بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. والتي تشمل "استخدام التجويع كسلاح حرب والقتل والإضطهاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية"
وتتعدى حدود الحماية الاستثنائية لإسرائيل من نفاذ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي التي اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية توفيرها للمستعمرة الصهيونية من خلال استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد أي قرار يتعلق بإسرائيل (الدولة الوحيدة في العالم التي تم إنشاؤها بقرار من منظمة الأمم المتحدة). وكان آخرها استخدام الفيتو في 20/11/2024 للمرة الخامسة على التوالي منذ موقعة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/2023، لمنع وقف حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وللمرة التاسعة والأربعين (من مجموع 90 فيتو أمريكي في مجلس الأمن الدولي منذ إنشاء المنظمة عام 1945).
ويبدو أن القرار التاريخي لمحكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرات اعتقال مجرمي الحرب نتنياهو وجالانت، قد أثار مخاوف رواد الإبادة الجماعية الأمريكيون. فسارعوا فور إصدار مذكرات الاعتقال لإعلان الحرب على محكمة الجنايات الدولية وقضاتها ومقرها في هولندا، وكل الدول الأعضاء (123) إن التزموا بتنفيذ القرار.
اللافت تطابق ردود فعل الحزبين الجمهوري والديمقراطي - رغم التباين الكبير بينهما في مقاربة معظم القضايا الداخلية والخارجية، كما بدى جليا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.
ويبدو أن ما حفز وحدة موقف الخصمين اللدودين، الخوف الغامر من اقتراب انتهاء عصر الإفلات من العقاب. الذي طالما ظنته الولايات المتحدة الأمريكية من سابع المستحيلات. بل وما كانت لتنشأ ومثيلاتها كندا وأستراليا ونيوزيلندا. لولا انتهاج الغزاة المستعمرين الأوروبيين الأنجلو - ساكسونيين الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعوب الأصلانية قبل أربعة قرون. ما مكنهم من التحول إلى أغلبية ساحقة في تلك البلدان بدعم كامل من دولهم المركزية. وعندما استقروا واشتد عودهم، انقلبوا عليها واستقلوا عنها واستحدثوا دولا جديدة. ثم استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على الإرث الاستعماري للدول الأوروبية. وسيطرت على النظام الدولي الذي خاض أسلاف المستوطنين حربين كونيتين لإنشائه، اشتركت فيهما الولايات المتحدة الأمريكية عندما شارفتا على الانتهاء، للاستئثار بثمار النصر وتسيد المعسكر الغربي بعيد الحرب العالمية الثانية عام 1945. ثم الهيمنة على القيادة الدولية بعد فوزها بالتزكية في الحرب الباردة إثر تصدع الاتحاد السوفييتي وانسحابه من الصراع وتفكيك المعسكر الاشتراكي عام 1989.
بينما أخفق الاستعمار الغربي بمحاكاة ذات النماذج الاستعمارية الاستيطانية في المناطق المأهولة التي استولوا عليها في قارتي إفريقيا وآسيا: موزامبيق، وأنغولا، وزيمبابوي، وكينيا، وزامبيا، والجزائر، وجنوب إفريقيا، وفيتنام.
فانتهت جميعها بهزيمة الغزاة بعد أن كبدتهم ثورات الشعوب التحررية خسائر بشرية ومادية باهظة انتهت برحيل الغزاة المستوطنين. باستثناء جنوب إفريقيا عندما قرر بعضهم البقاء في موطنهم الجديد والمشاركة في تفكيك النظام الاستعماري العنصري، وتشارك العيش في دولة وطنية مع الشعب الأصلاني بتساو تام أمام القانون.
فيما ما يزال مشروعهم الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري في فلسطين يتعثر بعد أكثر من قرنين من التخطيط والتنفيذ، وبالرغم من سيطرة الغزاة المستوطنين الصهاينه على كامل فلسطين الانتدابية، وابادة وتهجير نصف شعبها العربي الأصلاني خارجها. وبالرغم من مواصلتهم حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير ضد من تبقى منه داخل وطنه وفي مخيمات اللجوء خارجه على مدى أكثر من قرن. واحتدام حلقتها الأخيرة الأعنف في التاريخ الإنساني قديمه وحديثه ضد البشر والحجر والذاكرة، والمتواصلة وقائعها لليوم 415 على التوالي في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطين الانتدابية ولبنان. ويهدد استمرارها وتمددها بإشعال فتيل حرب إقليمية قد تصبح عالمية. تفضي مآلاتها إلى انبثاق نظام دولي جديد متعدد الأقطاب استكمل موجبات إحلاله محل النظام الدولي الظالم أحادي القطبية. وتسرع عملية تفكيك آخر معقل استعماري استيطاني غربي عنصري في جنوب الكرة الأرضية.
يقلل البعض الفلسطيني والعربي من الأهمية الاستراتيجية للقرار التاريخي للمحكمة الجنائية الدولية - غير المسبوق في تاريخ الغرب الاستعماري - بإصدار مذكرات اعتقال ضد اثنين من قادة المستعمرة الصهيونية: بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت، لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويعتقدونه لا يتجاوز البعد الرمزي. مثل مئات القرارات الأممية الصادرة بحق إسرائيل، المحظور نفاذها بفعل الحصانة الغربية والفيتو الأمريكي).
ويغفلون أن قرار محكمة الجنايات الدولية، شأنه شأن قرارات محكمة العدل الدولية، سواء الخاص منها بقبول الدعوى القضائية التي رفعتها جمهورية جنوب إفريقيا في 29/1/2024 وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقرارها في 16/2/2024 بمطالبة إسرائيل باتخاذ تدابير طارئة مؤقتة، وإصدارها أمر آخر في 28/3/2024 بمجموعة تدابير مؤقتة، تلبي جل مطالب جنوب إفريقيا، باستثناء طلب اتخاذ تدابير إضافية بشأن اجتياح مدينة رفح وتعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. ثم انضمام كل من نيكارغوا وبوليفيا وكولومبيا، وليبيا، وإسبانيا، والمكسيك لدعوى الاشتباه بارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية. وإخفاقها في معاقبة من يحرضون على ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية". (يتضمن ملف الدعوى المقدم للمحكمة أكثر من 750 صفحة من الملاحظات و4000 صفحة من الملحقات) وما تزال الدعوى قيد الدراسة والتدقيق، ويضغط التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري بكل قواه لمنع صدور الحكم. ولا يستطيع سوى عرقلة وتأجيل إصداره. فلم يستطع منع صدور قرارعن محكمة العدل الدولية في 19/7/2024 بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وعودة اللاجئين وخروج المستوطنين ورد الممتلكات. فمؤسسات العدالة الدولية (محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية) رغم افتقارهما للآليات التنفيذية، تتمتعان بالاستقلالية. حيث القوة التصويتية للقضاة المتخصصين بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وتفتقر فيهما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون إلى الفيتو، ما يمكنهما من الإفلات أحيانا من الضغوط السياسية. دون نفي إمكانية عرقلة وتأجيل صدور الأحكام المستحقة. وتعطيل نفاذها.
لكن المؤشرات تدلل على تعذر استمرار التعطيل إلى الأبد، يدلل على ذلك بوادر بدء الإفلات من القبضة الأمريكية في المؤسسات الدولية (التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/9/2024 بأغلبية 124 على قرار يطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 خلال 12 شهرا. والتصويت في مجلس الأمن في 20/11/2024 على قرار بوقف حرب الإبادة في قطاع غزة بتأييد 14 عضو وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بمعارضة القرار واستخدام الفيتو لتعطيل صدوره).
وقد يفسر ذلك الجنون الذي انتاب المسؤولين الأمريكيين فور إعلان قرار المحكمة الجنائية الدولية في 21/11/2024 بإصدار مذكرات اعتقال لرئيس وزراء المستعمرة الصهيونية بنيامين نتنياهو ووزير حربها السابق يوآف جالانت لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
فهالهم عدم رضوخ المدعي العام كريم خان (الذي سبق لهم دعمه لتولي المنصب في مواجهة مرشحين آخرين) وقضاة المحكمة الجنائية الدولية وعدم استجابتهم للضغوط والتهديدات الأمريكية عندما قبلوا الدعاوى القضائية التي رفعتها عدة دول للمحكمة الجنائية الدولية تتهم فيها إسرائيل بالتسبب بحرب إبادة جماعية وارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين. ودفعت بالمدعي العام كريم خان إلى الإعلان في 20/5/2024 عن توفر أدلة كافيةعلى "تورط" قادة إسرائيليين وقادة من حركة المقاومة الإسلامية حماس بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب يواف جالانت. وأوضح أن التهم الموجهة لهما تتعلق بجرائم تشمل "التجويع، والقتل العمد، والإبادة الجماعية"
كما وجه الاتهام إلى ثلاثه من قادة حماس بارتكاب جرائم حرب: محمد السنوار (الذي استشهد أثناء اشتباك مع قوات الاحتلال الصهيوني في 16/10/2024 برفح، ومحمد الضيف الذي قالت إسرائيل أنها تمكنت من اغتياله باستهداف مبنى كان يتواجد فيه بخان يونس في 13/7/2024. وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي اغتالته إسرائيل في 31/7/2024 بطهران.
ووصف الرئيس الأمريكي آنذاك طلب المدعي العام بإصدار مذكرات الاعتقال بحق القادة الإسرائيليين بأنه "أمر شائن". ودافع عن موقف إسرائيل ورفض مساواتها بحماس في ارتكاب الجرائم.
كما رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن طلب المدعي العام، وأثار تساؤلات حول اختصاص المحكمه الجنائية الدولية. ولوّح بتعريض المفاوضات للخطر في حال إصدار مذكرات الاعتقال. وأرسل 12 عضو من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الجمهوريين رسالة تهديد للمدعي العام كريم خان وعائلته في حالة إصدار أوامر الاعتقال. واعتبروا أن مثل هذا التصرف سيكون تهديدا لسيادة الولايات المتحدة الأميركية، وليس لإسرائيل فحسب. وأعلن أنتوني بلينكن في 22/5/2024 أنه سيعمل مع المشرعين الأمريكيين لاتخاذ إجراءات ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية، وقاد بعض أعضاء الكونغرس حملة لفرض عقوبات على مسؤولين فيها.
ولم تكد تمض دقائق على قرار المحكمة بإصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت والضيف. حتى سارع المسؤولون في الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها في كانون الثاني/ يناير/ القادم، والمرشحون لتولي المواقع القيادية في الإدارة الجمهورية التي تتأهب لاستلام مقاليد الحكم، بشن هجوم غير مسبوق في حدته، شاركت فيه كافة أجهزة السلطة التنفيذية (السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والثقافية) والسلطة التشريعية بمجلسي النواب والشيوخ. والسلطة القضائية وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. وطال الهجوم النظام الدولي ومؤسساته وقضاة المحكمة والدول بما في ذلك أعضاء التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري.
ما يؤشر إلى أن ردود الفعل الأمريكية العنيفة على قرار محكمة الجنايات الدولية يتجاوز موضوع حماية قادة الكيان الصهيونى، كما أوضح ذلك بجلاء السناتورالجمهوري ليندسي جراهام فوجه نداء على منصة x للرئيس بايدن والرئيس ترامب وأعضاء الكونجرس الحاليين والمستقبليين بالقول "إذا لم نتحرك بقوة ضد المحكمة الجنائية الدولية بعد قرارها الفظيع بإصدار أوامر اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب ووزير الدفاع السابق، فإننا نرتكب خطأ فادحا. وأخشى أن تكون الولايات المتحدة هي التالية".
وأضاف "إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية ولا الولايات المتحدة. وتتمتع إسرائيل بنظام قانوني قوي للغاية وكذلك الولايات المتحدة. وإذا لم نقاوم هجوم المحكمة الجنائية الدولية على إسرائيل، فسيكون الأمر وكأننا نعترف بأن لديهم ولاية قضائية على الولايات المتحدة. لا يمكننا أن ندع العالم يعتقد ولو للحظة أن هذه ممارسة مشروعة للاختصاص من قبل المحكمة ضد إسرائيل. لأن القيام بذلك يعني أننا قد نكون التاليين" وأعلن أنه سيقدم للكونغرس تشريعا يتضمن إشعارا للدول أنه "إذا ساعدت وشجعت المحكمة الجنائية الدولية بعد قرارها ضد دولة إسرائيل، فيمكنها توقع عواقب من الولايات المتحدة. وإن أية دولة تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد هذه الفظاعة هي شريكة في عمل متهور ينتهك سيادة القانون".
https://x.com/lindseygrahamsc/status/1859615266621010166?s=46&t=13cVaBpSIKnHY-aFcqOhaw
ثم أعقبه في 23/11/2024 بتهديد مسجل صوتا وصورة، بعد أن أعربت بعض الدول عن التزامها بالقانون الدولي واستعدادها للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. فوجه إنذارا ملفتا " إلى كل حلفائنا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إذا حاول أحد منكم مساعدة المحكمة الجنائية الدولية وقراراتها ضد إسرائيل، فسوف نفرض عقوبات عليكم، ونحطم اقتصاداتكم".
وسارع عدد من المسؤولين الأمريكيين للدعوة إلى تفعيل قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية " الذي سبق أن أقره الكونغرس الأمريكي عام 2002 بهدف حماية أفراد القوات المسلحة الأمريكية سواء أكانوا معينين أم منتخبين.
من التعرض للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية. والمعروف بقانون "غزو لاهاي" بسبب المادة 2008 التي تنص على "السماح للرئيس باستخدام الوسائل الضرورية كافة لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية سواء كان محتجزا أو معتقلا من قبل المحكمة الجنائية العليا أو بالنيابة عنها أو بأمر منها". ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تستخدم كل الطرق، بما فيها تنفيذ عملية عسكرية وغزو المحكمة في مدينة لاهاي بهولندا (مقر المحكمة الجنائية الدولة) لإطلاق سراح أي محتجز.
وتشير حيثيات إصدار القانون إلى أن أي أمريكي يحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفقا لميثاق روما، يحرم من الحماية الإجرائية التي يحق للأمريكيين كافة الحصول عليها بموجب قانون الحقوق في دستور الولايات المتحدة الأمريكية. وينبغي أن يكون أفراد القوات المسلحة الأمريكية في مأمن من خطر الملاحقة القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما عندما ينتشرون في دول مختلفة من أنحاء العالم لحماية المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة. ويقع على عاتق حكومة الولايات المتحدة الالتزام بحماية أفراد قواتها المسلحة من الملاحقات الجنائية. فقانون محكمة الجنايات الدولية لا يشكل خطرا على أفراد القوات المسلحة الأمريكية فحسب، بل يمثل خطرا على الرئيس الأمريكي، ويتمثل ذلك في إمكانية خضوعه للمحاكمة هو وكبار المسؤولين المنتخبين والمعينين من قبل الحكومة. وينبغي أن يكون كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية في مأمن من الملاحقات القضائية التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية. لا سيما فيما يتعلق بالإجراءات الرسمية التي يتخذونها لحماية المصالح الوطنية للولايات المتحدة. وأن أي اتفاق على تعريف محكمة الجنايات الدولية لجريمة العدوان، هو سطو على صلاحيات مجلس الأمن الدولي بموجب المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة. فالمبادئ الأساسية للقانون الدولي تنص على أن المعاهدة ملزمة لأطرافها فقط. ولا تنشئ التزامات على غير هذه الأطراف من دون موافقتها. وخلص أعضاء الكونغرس في مداولاتهم إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست طرفا في نظام روما الأساسي. ولن تلتزم بأي من شروطه، ولن تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية على المواطنين الأمريكيين. أو ضد الأشخاص المشمولين بحماية الولايات المتحدة الأمريكية أو المتحالفين أو المتعاونين معها، أيا كانت جنسيتهم.
ويحظر القانون على الولايات المتحدة ومؤسساتها (المحاكم، الولايات، الإدارات المحلية أو المركزية، الوكالات…) التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، أو تلقي أي خطابات أو إنابات قضائية منها، أو توجيه أي خطابات أو إحالات عليها. كما يحظر على المحكمة أو أي وكيل تابع لها إجراء أي تحقيق أو القيام بملاحقة قضائية أو أي إجراء آخر داخل الولايات المتحدة أو في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية.
ويشدد القانون على منع تقديم مساعدات عسكرية أمريكية لأي حكومة تساند المحكمة الجنائية الدولية. وسمح بوجود استثناء يقدره ويقرره الرئيس الأميركي حسب مصالح الدولة.
ويمنع أي وكالة أو إدارة أمريكية من تسليم أي شخص من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية إلى المحكمة الجنائية الدولية، سواء أكان مواطنا أم أجنبيا مقيما في الأراضي الأمريكية. ويحظر القانون تبادل المعلومات مع المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما معلومات الأمن القومي ومعلومات إنفاذ القانون، سواء حدث هذا التبادل على نحو مباشر بالتعامل مع المحكمة أو على نحو غير مباشر بالتعامل مع جهة من الممكن أن توصلها للمحكمة. لا سيما إن كانت هذه المعلومات تسهّل عمل المحكمة.
ويحدد القانون الإطار العام لمشاركة القوات الأمريكية في عمليات حفظ السلام (وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة) أو إنفاذه (وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) دون التعرض لخطر الملاحقة الجنائية.
واستثنت المادة الأخيرة من القانون تقديم المساعدة في حالة واحدة فقط وهي " تقديم المساعدة للجهود الدولية الرامية إلى تقديم صدام حسين وسلوبودان ميلوسوفيتش وأسامة بن لادن وغيره من أعضاء تنظيم القاعدة وقادة الجهاد الاسلامي وغيرهم من المواطنين الأجانب المتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية إلى العدالة.
خلاصة القول أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت ترى أن إخضاع إسرائيل للمساءلة والمحاسبة مقدمة لإخضاع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها باعتبارها الشريكة الرئيسة لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وقد يدفع الذعر الأمريكي والإسرائيلي من انتهاء عهد الإفلات من العقاب إلى زيادة التوحش والتغول على الشعبين الفلسطيني واللبناني وشعوب المنطقة في الأيام القادمة. وقد يجر المزيد من القتل والدمار ويفاقم المعاناة الإنسانية، لكنه سيعزز التضامن العالمي في مواجهة الطغيان الأمريكي الصهيوني، وسيسرع هزيمة وانهيار التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني الذي بات أقرب من أي وقت مضى.