الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   18 كانون الثاني 2025

| | |
الهدنة المرتقبة: حقائق وتحديات
غانية ملحيس

  لعل أبرز دلالات اتفاق الهدنة، الذي يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ بعد غد الأحد. ما كشفته حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، التي ما يزال يشنها التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري وأتباعه ضد الشعب الفلسطيني للقرن الثاني على التوالي. وأكثرها وحشية وهمجية حلقتها الأخيرة المتواصلة منذ خمسة عشر شهرا ضد أهلنا الصامدين القابضين على الجمر في قطاع غزة، المحاصر من أعدائه وأهله وذويه على السواء. وما بينته من حقائق دامغة. يمكن إيجازها بما يلي: -

أولا: انكشاف محدودية وحدود القوة المادية مهما بلغت قدرتها التدميرية.

ثانيا: تبدد الأوهام التي روجها العدو وسكنت الوعي العربي والإسلامي الرسمي والشعبي حول الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والقوة الاستخباراتية الصهيونية التي لا تقهر. فأمن عقودا بعد ان شل الخوف الأمة. إلى أن أثبت طوفان الأقصى، باختبار استكشافي محدود لكنه واضح الدلالة. أن هزيمة إسرائيل ممكنة، لكنها رهن بتفعيل الإرادة الذاتية الفلسطينية والعربية أساسا، وبالشروع جديا في توفير موجبات ومستلزمات هزيمتها.

ثالثا: قدرة المقاومة وصمود الحاضنة الشعبية على تحويل مجرى الصراع. فقد أظهرت المقاومة الفلسطينية الباسلة والصمود الأسطوري لحاضنتها الشعبية- رغم ضآلة ومحدودية الإمكانات والفوارق الهائلة في موازين القوى، والوحشية غير المسبوقة في التاريخ قديمه وحديثه- على رفع كلفة الاحتلال بشريا وسياسيا، واقتصاديا، ودبلوماسيا، وقانونيا، وأخلاقيا. وهو ما أثبت التاريخ أنه الفاعل الرئيس للتأسيس لإنهاء أي احتلال مهما عظمت قوة المحتل.

رابعا: تكشف تعذر استمرار وبقاء الكيان الصهيوني في منطقتنا - مهما امتلك من قوة - دون حماية أمريكية وغربية. ولعل هذا ما قصده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بممارسته الضغط لإلزام نتنياهو بقبول الهدنة. فقد أراد أن يفهم قادة الكيان الصهيوني- كما فعل مع أقرب حلفائه في كندا والاتحاد الأوروبي – أن الدعم الأمريكي للحلفاء والوكلاء مشروط بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية. وما يعنيه ذلك من انتهاء الزمن الذي كان بإمكان قادة الكيان الصهيونى المناورة بإقامة علاقات مع خصوم الولايات المتحدة. كما فعل نتنياهو عبر تعزيزعلاقاته الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية مع الصين. والعبث - عبر تصدير الأسلحة - دون إذن أمريكي. وأن استقلال القرارلأي من حلفاء واشنطن المعتمدين على دعمها محدد ومحدود بأولوية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاوبه مع سعيها لتأكيد عظمتها وإدامة تفردها بالقيادة العالمية.

خامسا: أن التفاوض مع العدو له قواعد ملزمة تقترن بفعل مقاوم ميداني مؤثر في المجالات كافة: العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والقانونية والثقافية الخ…

سادسا: تعذرإمكانية القفزعن الشعب الفلسطيني في أي ترتيبات مستقبلية، عربية أم إقليمية أم دولية. فلا أمن ولا سلام ولا استقرار دون أن ينعم الشعب الفلسطيني بحقوقه الأساسيه المشروعة غير القابلة للتصرف ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير على ارض وطنه.

سابعا: وليس أخيرا، أن الهدنة المرتقبة ليست سوى مرحلة مؤقتة، لن يتوانى العدو عن خرقها إذا استشعر عجز السياسة وتوظيف أدواته المحلية والعربية والإقليمية عن بلوغ النتائج التي استهدفتها الحرب العالمية على الشعب الفلسطيني لإخضاعه. وعليه فإن المرحلة الصعبة التي ربما يراها البعض قد انتهت بالهدنة. ليست سوى بداية للمرحلة الأصعب فور دخول اتفاق وقف إطلاق النارفي قطاع غزة حيز التنفيذ العملي. وبدء تدفق المتآمرين والمتواطئين لتقويض المكتسبات التي حققتها المقاومة وحاضنتها الشعبية لمقايضتها بمكاسب فئوية وشخصية لا علاقة لها بالوطن والشعب.

مشاركة: