الرئيسية » هاني المصري »   07 تشرين الثاني 2006

| | |
إخراج غزة من دائرة الصراع
هاني المصري

من التبسيط الشديد النظر الى الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على قطاع غزة منذ اكثر من 15 شهراً، اي منذ فك الارتباط الاسرائيلي عنه، في سياقاتها المعلنة فقط، فلقد ارتقى منذ الانسحاب المزعوم من غزة وحتى الآن، الى العلا اكثر من سبعمائة شهيد وآلاف الجرحى، فضلاً عن الدمار والحصار وكل العقوبات الجماعية التي حولت قطاع غزة، فعلاً لا قولاً الى سجن كبير. الاعتداءات الاسرائيلية على القطاع اخذت أسماء مختلفة مثل "أيام الندم"، "سيف جلعاد"، "أمطار الصيف"، وأخيراً "غيوم الخريف"، كان لها اسبابها وملامحها الخاصة المختلفة، ولكنها تندرج في اطار تحقيق هدف مركزي واحد هو اخراج قطاع غزة من دائرة الصراع، كحلقة من حلقات تصفية القضية الفلسطينية على مراحل، تطبيقاً للحل الاسرائيلي احادي الجانب الذي اسقطت اسرائيل من خلاله الحل المتفاوض عليه، وعملية السلام، والشريك الفلسطيني. فمنذ خطاب شارون في مؤتمر هرتسليا في كانون الاول العام 2003 الذي اعلن فيه عن خطته لفك الارتباط عن قطاع غزة، وكل السياسة الاسرائيلية تدور حول تحقيق هدف واحد، اخراج قطاع غزة من دائرة الصراع، وعزلها عن بقية الاراضي المحتلة العام 1967، وإغراقها بمشاكلها الخاصة، وتحويلها الى سجن كبير. ولا يقلل ذلك من الاهداف التكتيكية التي تتمحور حول مسائل محددة طبقاً للظروف الملموسة، فعلى سبيل المثال اعلنت حكومة اولمرت ان اهدافها من اجتياح بيت حانون الذي بدأ منذ اول هذا الشهر، تتراوح ما بين الضغط للإسراع بالإفراج عن جلعاد شاليت، وتحسين شروط صفقة التبادل الجاري التفاوض بشأنها، وتبهيت الانتصار الفلسطيني من الصفقة اذا ما نفذت، عبر اعطاء الفلسطينيين درساً لن ينسوه، بتدفيعهم ثمناً باهظاً لعملية الأسر، يدفعهم التفكير مليون مرة، قبل الإقدام على عمليات جديدة،

وتنفيس الغضب الشعبي في البلدات الاسرائيلية الجنوبية التي تعرضت الى اكثر من 1500 صاروخ وقذيفة منذ "الانسحاب الاسرائيلي" من غزة، وما بين ايقاف اطلاق الصواريخ وتدمير الأنفاق ومنع عمليات تهريب السلاح وقطع الطريق على تنفيذ الاهداف الفلسطينية للاستفادة من تجربة حزب الله، والحصول على اسلحة متقدمة خصوصا في مجال الصواريخ والقذائف، بحيث تكون فعالة وأبعد مدى من الصواريخ التي يملكونها حالياً، سواء في مجال قصف جنوب اسرائيل او بإيقاع خسائر في الدبابات والمدرعات الاسرائيلية اثناء اجتياحاتها المستمرة لمناطق عديدة وواسعة في قطاع غزة. ولا يمكن ان نسقط من الاهداف الاسرائيلية من الاجتياح الحالي محاولة عرقلة وتعطيل المشاورات الفلسطينية الرامية لتشكيل حكومة وحدة وطنية. فالوحدة الفلسطينية على اساس وطني واقعي، ودون قبول صريح ولا رفض حازم للاشتراطات الاسرائيلية آخر ما تريده اسرائيل. وحتى نتيقن من ان الاهداف الاسرائيلية المعلنة، على اهميتها ليست هي الاهداف الحقيقية او الكاملة لإسرائيل، نشير الى ما صرح به رئيس الحكومة الاسرائيلية اولمرت في الاجتماع الاخير للحكومة الاسرائيلية بأنه لا يوجد "حل دراماتيكي" او "معادلة سحرية" او "جواب قاطع" عند اسرائيل للقذائف، معلناً ان العملية ستتواصل وأنها يمكن أن يكون لها "مفعول متراكم". ولكن ما اعترفت به مصادر اسرائيلية مختلفة يوضح ان هدف اسرائيل اكبر من ايقاف الصواريخ وتدمير الأنفاق ومنع التهريب، وهو اخراج قطاع غزة من دائرة الصراع. فلقد اكدت هذه المصادر والصحافة الاسرائيلية ايضاً، أن نجاعة العمليات محدودة في منع اطلاق الصواريخ، بل تحقق عكس المرجو منها، اذ انها لم تمس بشعبية حماس، بل أضعفت الانتقادات على ادائها، وأظهرتها بصورة المقاوم للاحتلال الاسرائيلي، وأضعفت موقف الرئيس عباس، وأبعدت شبح الحرب الاهلية لدرجة اقتراب المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية من النجاح. لعل ما سبق هو الذي يدفع بأوساط متزايدة في اسرائيل للاعتراف بأن لا حل عسكرياً للصراع لدرجة دفعت أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "اسرائيل بيتنا"، والعنصري والمتطرف الى المطالبة بأن يسير الحل السياسي مع الحل العسكري. والحل السياسي الذي يقصده ليبرمان هو العمل على ايجاد قيادة بديلة عميلة بين الفلسطينيين تحل محل القيادة الحالية، وإخراج قطاع غزة من دائرة الصراع يهدف الى فرض الحل الاسرائيلي المرسوم والذي أخذ أشكالاً مختلفة طوال السنوات الماضية، من محاولة باراك لفرض الحل النهائي على مقاس الشروط والاهداف والمصالح الاسرائيلية العام 2000 في مؤتمر كامب ديفيد، الى شن الحرب على الفلسطينيين لإجبارهم بالقوة على قبول ما رفضوه على طاولة المفاوضات، الى محاولات شارون لتطبيق اهداف سلفه من خلال توسيع الحرب ضد الفلسطينيين والعمل على تغيير وعهيم وقيادتهم لفرض مشروع شارون الذي كان يعرف باسم الحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل، ثم اخذ يعرف بالخطوات احادية الجانب التي بدأت بفك الارتباط من قطاع غزة، وكان من المقرر استكمالها بتطبيق خطة الانطواء في الضفة. ولا يجب أن يخدعنا حديث اولمرت عن تعليق تطبيق هذه الخطة، فمرتكزات وأهداف السياسة الاسرائيلية مستمرة، بصرف النظر عمن يحكم اسرائيل، فالاستيطان مستمر، والجدار يستكمل، وتقطيع الاوصال للأراضي الفلسطينية وجعل حياة الفلسطينيين جحيماً لا يطاق مستمر، وتهويد القدس وفصلها عن بقية الاراضي المحتلة يتعمق كل يوم. أما الخلاف بين المشاريع الاسرائيلية فهو حول المدى والاشكال والمسميات. فإذا انطوت خطة الانطواء، فهذا قد يكون مؤقتاً، واذا اصبحت الظروف مناسبة، سيصبح مشروع ليبرمان للفصل العنصري على غرار قبرص، والتعامل الاسرائيلي كما اقترح على غرار الشيشان، والسعي لإيجاد قيادة فلسطينية عميلة بديلة هو السياسة الرسمية لإسرائيل. فليبرمان قد يكون رئيس الوزراء القادم لإسرائيل. قد شجعت التهدئة المعلنة في آذار 2005 والمتضمنة في اعلان القاهرة، وما رافقها من تصريحات قادة حماس وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين عن استعداد حماس لتمديد التهدئة ووقف العمليات لمدة كافية اذا انسحبت اسرائيل من قطاع غزة، اسرائيل على الوقوع في وهم امكانية فصل قطاع غزة عن بقية الاراضي الفلسطينية المحتلة وإخراجه من الصراع كلياً. وبصرف النظر عن عدم جدوى الصواريخ والقذائف التي تطلق من غزة على جنوب اسرائيل على صعيد ايقاع خسائر بشرية، فإنها استطاعت ان تشكل تهديداً ما، يمكن أن يتحول الى تهديد استراتيجي اذا حصل الفلسطينيون على صواريخ ابعد مدى وأكثر تطوراً. هذا لا يعطي صك غفران لإطلاق الصواريخ، فهي بحاجة الى نقاش وطني، والى قرار وطني، ولكنه يظهر ان اطلاق الصواريخ ليس أمراً سخيفاً او دون فوائد، ولكن الذي لا شك فيه ان أضراره اكثر من فوائده بكثير اذا استمر على هذا المنوال. فنسبة الخسائر الفلسطينية الى الاسرائيلية بعد اطلاق الصواريخ لم تعد كما كانت قبلها 1:4 في السنوات الاولى للانتفاضة الثانية، بل اصبحت 1:50 او اكثر، لم اعد ادري. وهذا امر يستحق التوقف عنده. أرادت اسرائيل اخراج غزة من دائرة الصراع ولم تنجح ولكن الفلسطينيين لم ينجحوا في اطلاق مقاومة ذات جدوى, قادره على انهاء الاحتلال . بشرى سارة أشارت معلومات متطابقة من مصادر متعددة، معلنة وسرية، ان الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات، حكومة وحدة وطنية قد استكمل او شارف على الانتهاء. وقد تم الانتهاء من عقدة البرنامج السياسي بحيث لا تلعب الحكومة القادمة دوراً سياسياً بارزاً وتكتفي بالموافقة على خطاب التكليف الرئاسي والذي سيتضمن تعاملاً مع الشروط الدولية دون اعتراف مباشر ومجاني بإسرائيل، ودون احراج حركة حماس. كما تم الاتفاق على أن يرأس الحكومة شخصية وطنية مستقلة تسميها حركة حماس على أن تمثل حماس بـ 8 وزراء، وفتح 5، والفصائل الاخرى 4، والباقي من المستقلين. كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة سياسية لضمان مشاركة الفصائل الاخرى التي لا تشارك في المنظمة لحين اعادة تشكيل المنظمة وفقاً لإعلان القاهرة ووثيقة الأسرى. هذه بشرى سارة، ولكن أيادينا يجب أن تبقى على قلوبنا، لأن هناك مخاوف من أن تسعى أطراف محلية (متواجدة عند كل الفصائل وخارجها) وأطراف اقليمية ودولية خصوصاً الادارة الاميركية لا تريد لحكومة وحدة وطنية، لا ترفع الراية البيضاء، أن ترى النور. لذا يجب أن ندعو ونعمل لكي يوقع الاتفاق وكي يطبق، والعبرة - كما يقال - في التنفيذ. فلقد تم الاتفاق على وثيقة الاسرى ولم تر النور، وتم الاتفاق على المحددات السياسية وانهارت بعد ساعات وأيام. والاتفاق الجديد معرض للخطر، فيجب أن نهبّ جميعاً لحمايته، آملين أن يكون واضحاً وقادراً على فك الحصار، ويستند على أسس متينة لا على نصوص قابلة للتفسير ولا تنسجم مع ما في النفوس وهذا ما يجعله قادراً على الصمود والنجاح. قلنا دائماً ان الوفاق الوطني ممكن اذا توفرت الإرادة اللازمة، وتم تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة!!.

 

 

مشاركة: