الرئيسية » هاني المصري »   18 آب 2007

| | |
الديمقراطية الضحية الثانية.. "قبل أن تقع الفاس في الراس!"
هاني المصري

بعد القضية الفلسطينية بمختلف مكوّناتها (الأرض والحقوق والأهداف والانسان)، تعتبر الديمقراطية هي الضحية الثانية لحالة الانقسام التي يشهدها النظام السياسي الفلسطيني.

فاللجوء للعنف والحسم العسكري والانقلاب لحل الخلافات والنزاعات الداخلية وجّه ضربة قاصمة للديمقراطية الفلسطينية الناشئة. ومطلوب من أنصار الديمقراطية جهود جبارة لكي تستطيع أن تقف على قدميها مرّة أخرى.

وبعد تفاقم العنف الداخلي الى حد الانقسام، كان من "الطبيعي" أن نشهد سلسلة لا تنتهي من السياسات والإجراءات التي تمس بجوهر الديمقراطية، من الإعدام الميداني الى الاعتقالات والتعيينات والإقالات العشوائية، الى تجاوز وانتهاك القانون بكل شكل ومن كل الأطراف، والمساس بالحريات الفردية والعامة والقفز البشع عن حقوق الانسان، لدرجة اقتحام الأعراس لأنها تنشد أغانِيَ لا تعجب سلطة الأمر الواقع في غزة، ومنع المسيرات بحجة انها تهدد الأمن الداخلي.

 

والأهم من كل ما تقدم، أن الوضع الذي نعيش فيه غيّب تماماً المجلس التشريعي، مجلس الشعب، وشلّ دوره في التشريع والرقابة، الأمر الذي وضع كل السلطات والصلاحيات في يد الرئيس، ما ينذر -بصرف النظر عن شرعية ذلك قانونياً- بإرساء حكم فردي يتحكم فيه فرد واحد، وما يعني، إذا استمر، أن الديمقراطية ستصبح في خبر كان.. فالفرد أيّاً ما يكون، معرّض بشدة للأخطاء والخطايا، ودون نظام للمساءلة والمحاسبة والرقابة والعلنية، فإننا نسير نحو المجهول المعلوم.

إلزام المرشّحين باتفاق أوسلو إقصاء للآخرين

في سياق القضم المتدرج للديمقراطية الفلسطينية، هناك خطر عظيم يطلّ برأسه، وإذا لم يقف عند حدّه سيكون الضربة القاضية لجوهر النظام الديمقراطي في فلسطين.. فقد أشار مصدر مقرّب من الرئيس، إلى أن الرئيس سيصدر مرسوماً لتعديل قانون الانتخابات الفلسطينية السابق، وان هذا القانون سيكون على أساس التمثيل النسبي الكامل، وسيضع شروطاً سياسية على أي مرشّح الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بينها أن الأهلية للترشيح يجب أن ترتبط بموافقة المرشح على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

كما يجب أن يوافق المرشح على الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير والالتزام بإعلان الاستقلال الفلسطيني الذي تم في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام 8891.

وأضاف المصدر المقرّب من الرئيس: "إن مشروع القانون الجديد ينص كذلك على التزام مرشح الرئاسة أو البرلمان بالقانون الأساسي للسلطة، الذي يتحدث عن اتفاق إعلان المبادئ للمرحلة الانتقالية، أي اتفاق أوسلو المعقود بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل العام 3991".

أولاً: من الضروري استخلاص الدروس والعِبَر من التجارب الماضية، وأهم درس يجب استخلاصه هو ضرورة الاتفاق على المرجعية وقواعد اللعبة الديمقراطية وأسس النظام الديمقراطي قبل التوجه الى الانتخابات المقبلة، سواء أكانت في موعدها أم مبكرة.. والمرجعية لا بد وأن تتضمن رؤية استراتيجية واحدة تحدد الأهداف والحقوق وكيفية تحقيقها.. ولكن الشرط الأساسي لنجاح هذه المسألة بالغة الأهمية هو أن تتم بعد حوار وطني شامل، حوار جدّي وعميق، لا أن تفرض من طرف مهما كانت شرعيته على الأطراف الأخرى، التي لا تنحصر بحركة "حماس" وحدها، وإنما بكل الأطراف الأخرى، وبالشعب الذي هو أهم وأعظم وأبقى من كل القيادات والأحزاب والفصائل، ومصدر كل السلطات والصلاحيات والتشريعات.

ثانياً: هناك فرق شاسع ما بين الاتفاق على قواعد اللعبة الديمقراطية وما بين إلغاء الديمقراطية، تحت لافتة تنظيمها.. إن اشتراط موافقة أي مرشح على اتفاق أوسلو والاتفاقات التي عقدتها المنظمة مع إسرائيل، إنما يعتبر محاولة لتفصيل الديمقراطية على مقاس فريق واحد، هو من وافق ووقع على هذه الاتفاقيات. وهذا أمر خطير جداً كونه يلغي التعددية والمنافسة والتنوع، ويحصر الخلاف في نطاق ضيق هو كيفية تطبيق اتفاق أوسلو.. وما يزيد الطين بلّة أن هذا الإصرار على موافقة الجميع على اتفاق أوسلو أو إقصائهم من النظام السياسي، سيتم إذا تم، بعد أن تجاوزت إسرائيل كلياً هذا الاتفاق.. وهذا التجاوز بدأ عملياً منذ أن أطلق اسحق رابين عبارته الشهيرة "لا مواعيد مقدّسة"، وبعد أن امتنع شمعون بيريس، عرّاب الاتفاق، عن تطبيق اتفاقية الخليل، وبعد أن أجهز نتنياهو وباراك على هذا الاتفاق.. الأول لأنه اعتبره كارثة على إسرائيل، والثاني لأنه اعترض على بنود أساسية فيه وحاول تجاوز هذا الاتفاق، ونجح عندما تولى سدة الحكم من خلال دمج المرحلتين الانتقالية والنهائية.. أما شارون فقد اعتمد العدوان العسكري وخلق الحقائق على الأرض، والخطوات أحادية الجانب.. فإسرائيل لم تلغ اتفاق أوسلو رسمياً، ولكنها ألغته عملياً، وتعترف بالالتزامات الفلسطينية الواردة فيه، أما الالتزامات الاسرائيلية، فقد أصبحت أثراً من الماضي.

إن الإصرار على التزام المرشحين باتفاق أوسلو يلغي الخيارات الأخرى والبدائل التي يجب أن تبقى دائماً حتى لا يصل الشعب الفلسطيني الى طريق مسدود.

وأخيراً، يجب التفريق بين خطأ التزام المرشحين بالاتفاقات السابقة، وصحة التأكيد على التزام الحكومات القادمة بالاتفاقات التي عقدتها الحكومات السابقة، مع احتفاظها بحق مراجعتها، والإصرار على تبادلية الالتزام بها، وحق العمل على تجاوزها عندما يصبح ذلك ممكناً. السؤال؛ هل توافق كافة الأحزاب الاسرائيلية على اتفاق أوسلو قبل اشتراكها بالانتخابات، أم يرفض معظمها هذا الاتفاق؟

ثالثاً: إن الاعتراف بـ م.ت.ف ووثيقة الاستقلال والقانون الأساسي أمر ضروري للغاية قبل المشاركة بالانتخابات، ولكن هذا أمر يجب حلّه بالحوار والوفاق، لأنه من المستحيل أن نخوض التجربة الديمقراطية دون أن نتفق على الأسس الكفيلة بحماية الديمقراطية وتطويرها.. فالديمقراطية ليست عرساً ليوم واحد، ولا مجرد ضرورة عادية للفلسطينيين، بل هي حيوية للغاية أكثر من أي بلد وشعب آخر، لأنها تضمن التعددية التي كانت ولا تزال، المصدر الرئيسي لحماية القضية الفلسطينية، وإكسابها المناعة التي أبقتها حيّة حتى الآن.. إن الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط ولا أساساً، وإنما هي نظام متكامل للمشاركة والتمثيل والمحاسبة يتضمن جملة من المبادئ يجب توفيرها جميعاً من مبدأ تداول السلطة الى فصل السلطات واستقلالها، الى حرية الإعلام الى المساواة والعدالة والتنمية وسيادة القانون وضمان المواطنة وحقوق الانسان وحرياته الفردية والعامة.

وأخيراً، إذا لم نتفق على المرجعية وقواعد اللعبة الديمقراطية لحماية أسس النظام الديمقراطي، فالبديل ليس إقصاء الآخرين، بل لا بد وأن نذهب الى الانتخابات التي ستكون حينها انتخابات حول الوجهة العامة للشعب الفلسطيني، واختباراً للبرنامج الذي يحظى بالأغلبية.. وعندها يجب احترام إرادة الشعب، أيّا ما تكون!!

 

 

مشاركة: