الرئيسية » هاني المصري »   27 آذار 2012

| | |
كهرباء غزة عنوان الفصل بين الضفة والقطاع
هاني المصري

 

فرضت أزمة كهرباء غزة نفسها بقوة على المشهد السياسي كونها مسألة إنسانية، وزادت التوتر بين سلطة غزة وسلطة الضفة، وبين "حماس" ومصر، وألقت بظلالها السوداء على المصالحة التي تشهد في الآونة الأخيرة تدهوراً غير محدود ينذر بالوصول إلى مرحلة ما قبل التوقيع على اتفاق القاهرة.

"حماس" تعتبر أن هناك مؤامرة تشترك فيها إسرائيل وحكومة سلام فياض وأجهزة أمنية مصرية؛ هدفها في الحد الأدنى دفعها للموافقة على دخول البترول لغزة من المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، وفي الحد الأقصى تسعى إلى إسقاط سلطة الأمر الواقع في القطاع من بوابة تأزيم الأوضاع المعيشية.

وتعتقد "حماس" أن الحجة لتمرير هذه المؤامرة هي الحفاظ على الوحدة الإقليمية بين الضفة والقطاع، وإحباط المخطط الإسرائيلي الرامي إلى رمي غزة في حضن مصر؛ للتخلي عن جميع مسؤوليات الاحتلال عنه المترتبة عليه في القانون الدولي، ولقطع الطريق على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية كونها لا يمكن أن تقوم دون غزة بحكم الوحدة الإقليمية، وكونها جزءاً من الأراضي المحتلة العام 1967، وما تبقى من أراضي الدولة العربية المنصوص عليها في قرار التقسيم، وارتباط التاريخ والمصير، وانسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات المبرمة بين المنظمة وإسرائيل.

حجة "حماس" لرفض المعروض عليها ولتأكيد وجود المؤامرة أن وصول البترول من معبر كرم أبو سالم أو أي معبر تسيطر عليه إسرائيل؛ يعني أنه سيكون خاضعاً تماماً للاحتلال، وأنه سيباع وفق الأسعار الإسرائيلية، أي بضعف سعره الحالي في القطاع على الأقل، وهذا يضع على سلطة

"حماس" وعلى المواطن الغزي أعباء إضافية لا قبل لهم بتحملها، كما أن هذا سيعود على السلطة في الضفة بفوائد مالية ترجع إلى أموال المقاصة التي ستجمعها إسرائيل من البترول الداخل إلى غزة، وتحوّل معظمها لها وفقاً لبروتوكول باريس الاقتصادي. وأكدت "حماس" أن قطر وغيرها من البلدان العربية وغير العربية أبدت استعدادها لتزويد قطاع غزة بالبترول مجاناً، وأن على مصر تسهيل وصوله ليتم حل الأزمة التي تهدد بالانفجار في قطاع غزة، والذي تحاول "حماس" ألا يكون موجهاً ضد سلطتها، وإنما عبر الحدود مع مصر كما حدث سابقاً حين اخترق مئات الآلاف من الغزيين الحدود إلى مصر.

بالرغم من النقطة الوجيهة في وجه نظر "حماس" المتعلقة بمضاعفة سعر البترول؛ إلا أنها تتجاهل أن دخول البترول من مصر التي تعاني من أزمة في كميات البترول يزيد من أزمتها، لأنه مدعوم من الحكومة المصرية، ولا يجوز أن تبيعه بنفس السعر الذي يشتري به المواطن المصري، كما تتجاهل تحمل جميع مسؤولياتها تجاه تسديد فاتورة البترول من خلال زيادة حصتها، لأن الحكومة في رام الله تساهم في سدادها، وهي الآن بعد تفاقم أزمتها المالية لا تستطيع كما تقول سراً بقوة متزايدة وعلناً بشكل لافت الاستمرار في دفع فاتورة "الانقلاب" في غزة، خصوصاً إذا تفاقمت الأزمة المالية، وإذا نفذت إسرائيل تهديداتها ضد السلطة.

نقطة ضعف رواية "حماس" أنها لا تقيم أي وزن للادعاء الصحيح بأن سياستها الرامية لحل كل مشاكلها واستيراد البضائع عن طريق مصر يعفي الاحتلال من مسؤولياته ويعمق الفصل بين الضفة والقطاع، في حين أن إسرائيل ملزمة وفقاً للقانون الدولي بتوفير الخدمات وحرية تنقل الأفراد والبضائع، وأنها ستبقى محتلة ما دامت تمارس أي نوع من أنواع التأثير عليه، وهي تمارس كل أنواع التأثير بالحصر والعدوان والاغتيالات واحتلال شريط في القطاع وتوسيعه كلما أرادت، إلى حد إعادة الاحتلال كما حدث في حرب الكوانين 2008 – 2009.

نقطة قوة رواية "حماس" تظهر بضرورة فحص مدى استعداد قطر أو غيرها لتمديد غزة بالبترول مجاناً، ومدى إمكانية تحقيق ذلك عملياً، من حيث هل تستطيع إسرائيل ذلك أم لا؟

المعضلة حول أزمة كهرباء غزة تظهر بأنه لا يوجد حل لها يحفظ توريد البترول والوحدة الإقليمية بين الضفة والقطاع، ويحمل الاحتلال المسؤولية إلا بإنهاء الانقسام المدمر، وهذا أمر يظهر حالياً أكثر من أي وقت مضى، بعد تجميد المصالحة على إثر "إعلان الدوحة" بأنه أمر بعيد المنال.

فما دام الانقسام في النظام السياسي ستذهب غزة بإرادة من سلطتها، وهذا هو الخطير جداً، أو دون إرادة منها إلى الانفصال أكثر وأكثر والارتماء بحضن مصر، فلا يعقل ألا تزود غزة بما تحتاجه، لأن إسرائيل تريد أن تفصل أي علاقة بينها وبين غزة، وهذه سياسة معلنة إلى حد أن بعض الوزراء الإسرائيليين يصرحون علناً بضرورة اتخاذ قرار إسرائيلي يقطع أي صلة بين إسرائيل وغزة. السياسة الإسرائيلية الممارسة هي تطبيق هذا القرار ببطء وبالتدرج؛ حتى لا تتحمل عواقبه، فلتتحمل المسؤولية عن أزمات غزة الأطراف الفلسطينية المتنازعة ومصر وليس إسرائيل.

إذا تحققت الوحدة للنظام السياسي الفلسطيني في الضفة والقطاع بكل مؤسساته ومكوناته لن يكون نفس التأثير لسياسة الفصل الإسرائيلية، بل إن الوحدة ستؤدي إلى ارتداد السحر الإسرائيلي على الساحر.

اما في ظل استمرار الانقسام وعدم الاستعداد للحل وهو استعادة الوحدة، ستسير الأمور نحو ترسيخ الانقسام وتحول سلطة "حماس" أكثر وأكثر إلى سلطة مستقلة، وهذا يجعل العراقيل التي تواجه الجهود والمبادرات الرامية إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة أكبر وأكبر وأكبر.

طبعاً لو توفرت الإرادة السياسية اللازمة لدى الأطراف المتنازعة ليتم تجاوز الخلافات، سواء بتطبيق "إعلان الدوحة" أو بالتخلي عنه وتطبيق "اتفاق القاهرة" من مختلف جوانبه، والعمل في نفس الوقت، وفي كل الأحوال؛ للتوصل إلى إستراتيجية جديدة وبرنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة، ومن دونها لا يمكن أن يكون للمصالحة معنى حقيقي، ولا يمكن للحكومة أن تقلع، ولا للمؤسسات، وخصوصاً الأجهزة الأمنية أن توحد، وأن تكون تخضع للمصلحة الوطنية العليا وسيادة القانون وبعيداً عن الحزبية.

إن عدم مبادرة القوى، خصوصاً أطراف النزاع المباشرة للحل وإنهاء الانقسام ضمن مشروع وطني يهدف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وحق العودة وحق جماهير شعبنا في الداخل بالمساواة الفردية والقومية، سيجعلها تفقد ما لها من شرعية ومصداقية وسيجعل هذه المهمة مطروحة أكثر وأكثر على الشعب الذي سيتصدى لها ويتحمل مسؤولياته، كما فعل دائماً منذ نشوء القضية الفلسطينية وحتى الآن.

فالحاجة أم الاختراع، والوحدة حاجة وضرورة لا غنى عنها وليست خياراً من الخيارات يمكن الأخذ به والإقلاع عنه. فالشعب الفلسطيني سيتحرك عاجلاً أم آجلاً.

Hanimasri267@hotmail.com

 

 

 

مشاركة: