الرئيسية » هاني المصري »   01 أيار 2010

| | |
المفاوضات غير المباشرة طوق نجاة لحكومة نتنياهو
هاني المصري

هناك تمهيد فلسطيني لقبول المقترحات الأمريكية الأخيره لاستئناف المفاوضات غير المباشرة .ظهر ذلك واضحا فيما جاء على لسان الرئيس أبو مازن في مقابلته مع القناة الاسرائيلية الثانية حين قال انه يأمل بأن يكون رد لجنة المتابعة العربية ايجابيا.

ومن المرجح أن توافق اللجنة التي تجتمع اليوم على إستئناف المفاوضات . فما دام صاحب القضية يأمل فان اللجنة لن تخيب امله . فالعرب اختاروا سياسة الانتظار لما ستنتهي اليه الخلافات الامريكية – الاسرائيلية ،و انتهت الى مقترحات قدمها جورج ميتشل في جولته الأخيره .لذا ليس أمامهم سوى قبولها . فما هي هذه المقترحات؟

مسؤول فلسطيني افاد بأن الرئيس الامريكي ابلغ الرئيس الفلسطيني في رساله ارسلها له ، عزمه على اتخاذ خطوات "ضد اسرائيل ان هي عطلت مباحثات السلام المزمع استئنافها قريبا. وتعهد له بأن الطرف الذي سيعطل المفاوضات او "يقوم بخطوات استفزازية" خلال المفاوضات غير المباشرة فانه سيواجه بالتزام امريكي باتخاذ خطوات ضدة وستتم اعادة تقييم سياسة الادارة الامريكية بحقه.

وأكد المسؤول أن من ضمن الخطوات الامريكية التي من الممكن ان تتخذ "عدم استخدام الفيتو لمساعدة اسرائيل اذا ما توجهت السلطة الى مجلس الامن!!"

وكانت وسائل الاعلام قد تناقلت اخبارا حول توصل الادارة الامريكية و الحكومة الاسرائيلية الى اتفاق سري يقضي بتجميد الاستيطان لمدة أربعة أشهر ، بدون الاعلان عن ذلك ، على أن تتخذ الحكومة الاسرائيلية سلسلة من خطوات بناء الثقة لتوفير اجواء ايجابية تساعد على انجاح المفاوضات .

قبل ان يسترسل احد في التفاؤل ، وحتى لا يبني اهرامات من الاوهام على سراب الصحراء نفى ناطق باسم الخارجية الامريكية صحة الانباء عن تهديد الادارة الامريكية بعدم استخدام الفيتو وأكد تمسكها بسياستها التقليدية بمنع ادانة اسرائيل في المحافل الدولية وضرورة التوصل الى اتفاق من خلال التفاوض .

مصادر موثوقة افادت ان اوباما كان صادقا مع الرئيس الفلسطيني في رسالته حيث، اكد على المواقف الامريكية التقليدية وتمسكها بحل الدولتين ، وتعهد بببذل كل ما يستطيعه لانجاحه واتخاذ موقفا حاسما من اي طرف يعيقه.

ولم تتضمن الرسالة أية التزامات اسرائيلية بوقف الاستيطان ، وانما بعدم القيام بخطوات استفزازية بدون توضيح ما المقصود بكلمة استفزازية .فمثلا هل بناء 100 وحدة استيطانية عملا استفزازيا ام لا .

وبالنسبة لجدول اعمال المفاوضات المقترحات الامريكية تضمنت جدولا مفتوحا للمفاوضات، اي يستطيع طرف ان يطرح ما يريد من قضايا، كما يستطيع الطرف الاخر ان يقبل او يرفض وهذا يعني ان المفاوضات ستكون بدون مرجعيه و لا جدول زمني و لا اجنده متفق عليها.

اما بالنسبة لخطوات بناء الثقة ، فلم توافق الحكومة الاسرائيلية على اتخاذها كعربون يسبق بدء المفاوضات ، وانما ستطرحها على طاولة المفاوضات، ما يعني انها ستكون محل مساومة .اي أن اسرائيل ستطلب مقابلا لها. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن ان تطلب ان يتم الانتقال الى المفاوضات المباشرة قبل تنفيذها .

بعد 9 جولات قام بها ميتشل ،و بعد الخلافات الامريكية الاسرائيلية فان المطروح هو استئناف المفاوضات بدون تحقيق المطالب الفلسطينية – العربية و اهم المطالب الامريكية خصوصا بالنسبة لوقف الاستيطان بالقدس . فالسلام في ظل الحكومة الاسرائيلية الحالية مستحيل ،و اقصى ما يمكن ان تقوم به هو تسهيلات اقتصادية و أمنية ضمن خطة السلام الأقتصادي ،و تأخير تنفيذ او التباطؤ بتطبيق المشاريع الاستيطانية الكبيرة، بينما الاستيطان سيتواصل رغم استئناف المفاوضات التي ستكون افضل غطاء له.

لقد اعلن نتنياهو منذ ايام عزمه على شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية . واعلن نير بركات رئيس بلدية القدس المحتلة عن وجود مخططات استيطانية كبيرة جدا في القدس سترى النور في القريب العاجل.

واعلن سلفان شالوم وموشيه يعلون الوزيران الاسرائيليان في الحكومة الاسرائيليه ، وسط تفاؤل اسرائيلي بقرب استئناف المفاوضات ، بان القدس لن تكون محل تفاوض ،وان غور الاردن سيبقى في يد اسرائيل في اية تسوية للصراع .

حكومة نتنياهو لا تريد، وليست في موقع المضطر، لوقف الاستيطان وقفا تاما ، لا سرا و لا علنا . فالخلافات الامريكية الاسرائيلية لم تتحول الى ضغوط جدية ، وبلعت الادارة الامريكية الموقف الاسرائيلي المتعنت مرة اخرى لأنها تعرضت لضغوط اسرائيلية و من مؤيدي اسرائيل في الولايات المتحدة ، في ظل أنها لم تحسم أمرها : هل ستواصل أدارة الصراع أم ستسعى لحله.

و يضعف موقف الأدارة الامريكية أن احزاب المعارضة الاسرائيلية لا تطالب بوقف الاستيطان ، وانما الخلافات بين الاحزاب الاسرائيلية ليست على مبدأ الاستيطان وانما على الشكل و التوقيت و الاماكن التي يستهدفها . فهناك من يريد الاستيطان في كل مكان وهناك من يطالب بالاستيطان في الاماكن الخالية من السكان بما في ذلك القدس، ما يجعل الرهان على سقوط الحكومة الاسرائيلية الحالية لا يضمن مجيء حكومة أفضل منها سواء اذا جرت انتخابات مبكرة أو تم تغيير الاحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي .

أن التغيير في سياسة اسرائيل لا يمكن أن يتم من الداخل الاسرائيلي ، و انما بضغوط خارجية شديدة على اسرائيل تجعل الاحتلال الاسرائيلي مكلفا لاسرائيل و حلفائها أكثر من الارباح التي تعود عليها وعليهم .

وحتى تتوفر الفرصة لممارسة هذه الضغوط لابد من مقاربة فلسطينية و عربية مختلفة جدا عن الاستراتيجية الحالية التي تعتمد السلام كخيار استراتيجي وحيد .

تأسيسا على ما سبق فأن استئناف المفاوضات سيتم اذا حدث ، وهذا ما سيحدث على الاغلب ، وفقا للشروط الاسرائيلية ، وذلك لأن العرب يريدون ارضاء الادارة الامريكية حتى لا تحملهم المسؤولية عن استمرار وقف المفاوضات .

ان استئناف المفاوضات في ظل الشروط الراهنة سيعني انقاذا لاسرائيل من ورطتها المتصاعدة في ظل الخلافات مع الادارة الامريكية و الانتقادات الدولية المتزايدة . كما سيعني عمليا ان المفاوضات ستكون هي المرجعية الوحيدة للمفاوضات ، ولكن بشروط اسوأ هذه المره .

فاستئناف المفاوضات يتم بعد رفض استئنافها لاكثر من 16شهرا على خلفية المطالبة بوقف الاستيطان وتحديد مرجعية لعملية السلام ما يجعل استئنافها ضمن المقترحات الأمريكية هو الحد الاقصى الذي يمكن تحقيقه ،و بالتالي يمكن التنازل عنه بعد استئناف المفاوضات ، و هذا كله يمنح الشرعية لاسرائيل لمواصلة الاستيطان و التنكر للحقوق الفلسطينية المتضمنة في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، و يمكنها من التنصل أكثر و أكثر حتى من الاتفاقيات الاسرائيلية – الفلسطينية وخارطة الطريق.

ان استئناف المفاوضات ضمن المتاح سيؤدي الى قطع الطريق على تقدم الخيارات و البدائل الاخرى ،بما في ذلك على امكانية تطور الموقف الامريكي نفسه، ويوحي بان عملية السلام حية و ما هي كذلك ، ما يعطي لاسرائيل مزايا كبرى تمكنها من مواصلة تطبيق مشاريعها التوسعية و الاستيطانية و العنصرية بشروط مريحه.

ان البديل هو الاستمرار بوقف المفاوضات و الاصرار على ضرورة تغيير قواعد اللعبة بحيث يتم الاتفاق أولا على شكل الحل النهائي و مرجعية المفاوضات قبل استئنافها.هذا سيجعل الادارة الامريكية مضطرة للانتقال من حالة الخلاف مع اسرائيل الى الضغط الجدي عليها . فلماذا يريح العرب ادارة اوباما بدون مقابل يذكر ويضيعون الفرصة التي تلوح امامهم في ظل متغيرات عربية و اقليمية و دولية مواتية لهم.

لو كان الفلسطينيون موحدين و يطرحون استراتيجية مبادرة فعاله تمكنهم من جمع و استخدام أوراق القوة و الضغط الفلسطينية و العربية و الدولية كانوا سيملكون هامشا للمناورة داخل المفاوضات ، أما عندما يذهبون الى المفاوضات وهم منقسمون و في ظل الضعف العربي ، وهم عراة تماما و بدون أوراق و أسلحة في ايديهم ، ولا أي خيارات أخرى ، فليس أمامهم سوى أن يقبلوا باستمرار المفاوضات العقيمه أو ليضربوا رؤوسهم بالحائط أنتظارا للفرج الامريكي الذي لن يهبط عليهم اذا لم يعرفوا كيف يناضلون دفاعا عن حقوقهم و مصالحهم و أهدافهم ّ!!

 

مشاركة: