الرئيسية » هاني المصري »   26 شباط 2008

| | |
مشروع مبادرة منتدى فلسطين من أجل المصالحة الوطنية
هاني المصري

 

منذ عدة اسابيع طرح منتدى فلسطين مشروع مبادرة من اجل المصالحة الوطنية، وعرضه على كافة مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية(الاحزاب والفصائل والفعاليات الوطنية المستقلة) ، وعلى الرئيس ابو مازن والأخ خالد مشعل، ولاقت تشجيعاً من الجميع وخصوصاً منهما، يسمح بالاستمرار بالتفاعل الوطني الواسع حول المبادرة، على طريق بلورتها وتحويلها الى مبادرة وطنية يلتف حولها اوسع تيار شعبي وطني ديمقراطي يضغط ويكبر حتى يستطيع ان يفرض المصالحة الوطنية التي لا يمكن ان تتحقق بالمناشدات والتمنيات فقط، ولا بتسجيل المواقف للتاريخ، ولا بانتظار تحرك الاطراف العربية والاقليمية والدولية، على اهمية هذا التحرك، لتحقيق المصالحة الوطنية.


فالشعب الفلسطيني صاحب القضية وارضه تضيع وحقوقه تداس وحاضره يزداد سوءاً، ومستقبله يصادر. لذا هو الأولى بالتحرك وخصوصاً ان حوالي 08% من الشعب الفلسطيني، كما تشير كافة الاستطلاعات، يرون ان الاولوية يجب ان تعطى للمصالحة الوطنية لان المستفيد الوحيد من الانقسام السياسي والجغرافي هو الاحتلال الاسرائيلي الذي يستطيع ان يحقق اهدافه ومشاريعه التوسعية والعنصرية بسرعة أكبر وتكاليف أقل.

فلسفة مشروع المبادرة تقوم على ان المصالحة يمكن ان تتحقق اذا تجاوزنا الشروط والشروط المقابلة، وتعاملنا مع المبادرة كرزمة متكاملة تؤخذ كلها أو ترفض كلها، وتقبل دون ان تمر بمرحلة الحوار الوطني، بل يبدأ الحوار بعد قبولها وتكون مهمته تطبيق المبادرة المتفق عليها.

الرزمة المتكاملة تعطي لكل طرف الحد الممكن من مطالبه والمنسجم مع الشروط الوطنية والديمقراطية، بحيث تعرف حماس ان تراجعها عن سلطة الامر الواقع لن يؤدي إلى البطش بها وملاحقتها، وانما إلى قيام سلطة تمثل الجميع، واجهزة امنية مهنية بعيداً عن الحزبية والفصائلية ومراكز القوى، تحكمها عقيدة أمنية وطنية، وحكومة انتقالية من شخصيات وطنية مستقلة متفق عليها، مهمتها التحضير لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وضمان نزاهتها، وتشكيل لجنة تحقيق وتحكيم للبحث في الاسباب والجذور التي أدت إلى ما وصلنا اليه، ومعالجة ذيول الاقتتال والحرب الاهلية والانقسام منعاً للدخول بدوامات لا تنتهي من الانتقام والثأر.

وتعرف السلطة وحركة "فتح" اذا تم الأخذ بهذه المبادرة، ان مشاركة حماس بالسلطة لن تقود مجدداً الى ان تلعب دور الحكم والمعارضة في وقت واحد، لان احد اركان المبادرة التمييز ما بين مسؤوليات الحكم والتزاماته، بحيث كل من يشارك في الحكم (الحكومة) عليه ان يوافق على التزامات المنظمة والسلطة، مع ضمان حق المعارضة بأن تعارض بكل حرية، بما في ذلك حقها بمعارضة اتفاق اوسلو وكافة الالتزامات. وفي كل الاحوال على الجميع ان يتذكر ان اسرائيل لم تحترم التزاماتها في اتفاق اوسلو وملحقاته، ولكنها لم تلغه، وعلينا ان نتعلم منها بحيث لا نتعامل مع اتفاق اوسلو كنص مقدس ونسعى لتجاوزه في الوقت المناسب الذي نستطيع ان نتجاوزه دون عواقب كبرى.

في هذا السياق، تكون مشاركة حماس والجهاد الاسلامي وغيرهما من القوى والقطاعات والفعاليات التي ستشارك في المنظمة ليست انقلاباً عليها، وانما تطوير جوهري لها، ولقدرتها على القيام بدورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ومرجعية عليا للسلطة.

ومن هنا تطرح المبادرة ضرورة اصلاح المنظمة وتطويرها، عن طريق تنظيم انتخابات لكافة تجمعات الشعب الفلسطيني حيثما أمكن ذلك، لاختيار اعضاء المجلس الوطني، على ان يعرض ما يتم التوصل اليه في المفاوضات على المجلس الوطني بتركيبته الجديدة أو على استفتاء شعبي.

أما بالنسبة للمفاوضات والمقاومة، فتحاول مبادرة منتدى فلسطين ان تأخذ العبر والدروس من التجربة السابقة وتضع الأسس الكفيلة، اولاً بالشروع بمفاوضات مثمرة، وذلك عبر بلورة استراتيجية محددة للتفاوض، واعادة تشكيل اللجنة العليا للمفاوضات بحيث تضم كافة مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، وتكون خاضعة للجنة التنفيذية التي ستنتخب بعد عقد الدورة القادمة للمجلس الوطني التي يجب ان تعقد في مدة اقصاها عام.

وثانياً: تجسيد مقاومة مثمرة عبر استناد المقاومة الى القانون الدولي والشرعية الدولية اللذين يعطيان الحق بالمقاومة بكافة الاشكال لأي شعب واقع تحت الاحتلال، وعبر الاحتكام الى مرجعية وطنية متفق عليها تحدد اشكال المقاومة المناسبة في كل مرحلة، بما في ذلك التهدئة المتبادلة. فالمقاومة وسيلة وليست غاية، وبدون مقاومة لا يمكن ان يرحل الاحتلال، فالمقاومة تزرع والمفاوضات تحصد.

هناك في مشروع المبادرة الكثير مما تريده السلطة وفتح، وم.ت.ف، والكثير مما تريده حماس والجهاد الاسلامي والفصائل المندرجة في حلف معهما. وهذا وذاك مقصود لتوفير فرصة واقعية لانجاحها.

ومن يريد ان يحقق المصالحة عليه ان يفعل ذلك، لان منطق المصالحة اي مصالحة مبني على التنازلات المتبادلة، والاقرار من كل الاطراف بعدم القدرة على تحقيق كل شيء.

ومن يريد ان ينتصر انتصاراً ساحقاً ويفرض كل شروطه لا يريد ولن يسهل تحقيق المصالحة، ولم يستطع اي طرف ان يهزم الطرف الآخر هزيمة ساحقة حتى يفرض كل شروطه.

وبعد ثمانية اشهر على الانقسام السياسي والجغرافي، وبعد ان اتضح ان ليس بمقدور طرف ان يفرض شروطه كاملة على الطرف الآخر، وان الزمن يمضي دون ان نقترب من الحسم بل يتعمق الانقسام. فسلطة حماس رغم انها محاصرة وتتعرض للعدوان الاسرائيلي لم تسقط وليست على وشك السقوط. ولا توجد خطة سياسية عند السلطة والمنظمة لاسقاطها. لا خطة عسكرية ولا خطة سياسية. واذا افترضنا جدلاً بأن اسرائيل ستجتاح قطاع غزة في نهاية الامر وتعيد احتلاله بالكامل، فهذا لا يعني ان القطاع سيسلم على طبق من ذهب للسلطة، بل سيدفع الثمن باهظاً، كما ان العدوان العسكري يمكن ان يوحد الفلسطينيين بارادة قادتهم أو رغماً عنهم. ولمن يراهن على المفاوضات وعملية السلام بحيث تتوصل الى اتفاقية تقوي من السلطة بصورة تمكنها من الانتصار على سلطة الامر الواقع في غزة واهم، لان حكومة اولمرت لا تريد سلاماً، وغير قادرة على صنع السلام، وانما تحاول ان تحصل على موافقة القيادة الفلسطينية على اتفاقية سلام تصفي قضيتهم، او على اعلان مبادئ عام فضفاض يوحي بان هناك انجازاً من دون انجاز، او على الاتفاق على أسس قيام الدولة الفلسطينية قبل انهاء الاحتلال ما يحول اسرائىل كمرجعية للدولة العتيدة قبل ان ترى النور.

ان الحصيلة التي وصل اليها منتدى فلسطين تشجع على الاستمرار على طريق بلورة مبادرة المصالحة الوطنية. وسيذهب المنتدى بمشروع المبادرة الى كل المحافظات داخل الاراضي المحتلة، والى الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، لكي يساهموا في بلورة مبادرة تكون في أفضل صورة ممكنة، بحيث تصبح مبادرة وطنية تستند الى تيار شعبي وطني ديمقراطي قادر على الضغط، وعلى تحقيق المصالحة الوطنية.

كما سيذهب المنتدى بالمبادرة الى كافة الاطراف المؤثرة على القضية الفلسطينية والتي يمكن ان تعطل او تسهل تطبيق المصالحة لاقناعها بتأييد المبادرة الفلسطينية، فلا يمكن ان تتحرك اطراف عربية واوروبية لتحقيق المصالحة او لفك الحصار ويبقى الفلسطينيون مكتوفي الأيدي، او يتحركون تحركات رمزية اعلامية، لا تسمن ولا تغني من جوع، الوقت من دم والتاريخ لا يرحم، والوطن يناديكم لانقاذه قبل ان تستكمل حلقات ضياعه!!

وحتى تنجح اية مصالحة لا بد من وقف الحملات الاعلامية والتحريض المتبادل، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف كل الاجراءات التي تمس بالحريات الفردية والعامة، فيكفي موت خمسة مواطنين داخل المعتقلات الفلسطينية، كان آخرهم الشيخ مجد البرغوثي، ومن سبقوه ماتوا في السجون في غزة!!

 

مشاركة: