"وغَنّوا يا بَني أمّي/ بلادُ العُربِ أوطاني/ من الشّامِ لِبَغدانِ/ ومِن نَجدٍ إلى يَمَنٍ/ إلى مِصرَ فَتَطوانِ".
فخري البارودي
----
هل يمكن أن يتحوّل الحلم إلى حقيقة، والشعار إلى واقع؟
هل يمكن أن يعمل أبناء الشعب العربي معاً لمواجهة التحديات الجسيمة التي يواجهونها؟
وما هو الدور الفاعل الذي يمكن للمجتمع المدني أن يلعبه في هذا الإطار؟
وهل يمكن أن يستبعد المجتمع المدني ما يفرّق لصالح ما يجمع ويوحَّد؟
وإذا كان ذلك ممكناً، فما أساليب العمل والآليات على المستويات جميعها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، حتى يكون المجتمع المدني شريكاً وفاعلاً في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة؟
وكيف تلعب الذاكرة العربية دوراً رئيساً في التواصل بين الأجيال، وخدمة العمل العربي المشترك؟
كانت هذه هي الموضوعات التي ناقشها مائة وثلاثون عربياً من تسع عشرة دولة عربية، في وهران/الجزائر، من 10-15 أيلول 2022، ضمن "منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك"، من تنظيم المرصد الوطني للمجتمع المدني في الجزائر. هذا المنتدى الذي يسبق انعقاد مؤتمر القمة العربية، في الأول من تشرين الثاني 2022، والذي يتزامن مع الذكرى الثامنة والستين لانطلاق الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، والذكرى الستين لاستقلال الجزائر.
*****
بحفاوة وحب كبيرين، احتضنتنا الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، والتقينا وتحاورنا في وهران الباهية.
أحاطنا جمال آسر، وأرض خصبة مدّ البصر، ومناظر طبيعية خلاّبة، ومعمار مذهل.
أينما توجّهنا ضمن ربوع الجزائر الحبيب، كان التاريخ يسير معنا، دالاً وملهماً: تاريخ الحضارات العريقة، وتاريخ النضال الشعبي الشرس ضد الاحتلال الفرنسي، وتاريخ المشاركة السياسية الفاعلة للنساء الجزائريات، وتاريخ الانتصار على المستعمر، وتحقيق الاستقلال.
*****
حضرت قضية العرب المركزية فلسطين بقوة خلال الجلسات، كما حضرت بشكل جليّ في مشاعر العديد من الحضور، وترجمت تلك المشاعر ضمن توصيات المنتدى، التي أكّدت على "مواصلة الالتفاف حول قضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية، من خلال موقف موحّد وقوي عبر إحياء مبادرة السلام العربية، دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرّف، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس الشريف".
لكن الوفد الفلسطيني، مع عدد من المتضامنين العرب، أراد موقفاً يعبّر بشكل أعمق وأدقّ عن رأي المجتمع المدني العربي في رفض التطبيع العربي مع المحتلّ الصهيوني، خاصة أن التطبيع يخالف مخالفة صريحة ما جاء في مبادرة السلام العربية، التي تبنّاها المنتدى، والتي تنصّ على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود العام 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني.
ولذا تقدّم الفلسطينيون بمسودة إعلان فلسطين، ليكون صوت المشاركات والمشاركين العرب في الجزائر الرافض للتطبيع، والذي يؤكّد على أن فلسطين وطن الفلسطينيين، وعاصمة دولتهم القدس، وعلى الطبيعة الاستعمارية العنصرية للكيان الصهيوني، وعلى زيف الرواية الصهيونية، ويدين سلسلة الجرائم التي يقترفها الاحتلال، والتي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وآخرها تصنيف سبع من مؤسسات المجتمع المدني بالإرهابية، بعد اقتحامها وإغلاقها، ويدين التطبيع مع المحتلّ المستعمر، والذي يعتبر مكافأة له على جرائمه المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
بالإضافة إلى أن الإعلان يدعو إلى المقاطعة بأشكالها كافة، وفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية، وملاحقة مجرمي الحرب، ويطالب المجموعة العربية في الأمم المتحدة بالعمل الحثيث لحصول دولة فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
ورغم أن الإعلان وجد العديد من المؤيّدين والمتضامنين، إلّا أنه لم يعتمد رسمياً، لكنّا نأمل أن يصدر لاحقاً بين وثائق المنتدى.
*****
كان اللقاء بين الوفود مهماً، وكان الحوار غنياً، ولم يكن متوقعاً الحصول على إجابات، بل أعتقد أنها كانت محاولات للإجابة عن موضوعات تستحق التفكير العميق، كما فتحت المداخلات الغنية الباب أمام أسئلة انفتحت على أسئلة تحتاج تفكيراً عميقاً.
كان من المهم طرح قضايا مهمة للنقاش، وأهمها: لم لا نفتح الحدود بين الدول العربية؟
وكيف يمكن أن يشكّل المجتمع المدني قوة في وجه التحديات العربية الكبرى؟ وما الأدوار التي يمكن أن يلعبها حتى يحقق ذلك؟
وبرز في هذا السياق تساؤل صريح ومهم، طرحه الكاتب القطري والدبلوماسي السابق محمد صالح المسفر: هل هناك مجتمع مدني عربي؟ وإذا كان موجوداً: هل يسمح له بالعمل؟ هل المجتمع المدني الموجود في الدول العربية فاعل أم صوريّ؟ وكيف نستطيع أن نخلق مجتمعاً مدنياً بعيداً عن الأنظمة؟ حتى يستطيع أن يلعب دوراً فاعلاً لمجابهة التحديات؟ وكيف يمكن أن نخلق مجتمعاً مدنياً حقيقياً، ليس في وجه الأنظمة بل للتعاون معاً؟
*****
أدرك المحتل الصهيوني العنصري قيمة وقوة المجتمع المدني، ولذا اقتحم وأقفل العديد من مؤسّساته، واعتقل عدداً من ناشطاته وناشطيه، كما اعتقل عدداً من الصحافيات والصحافيين الفلسطينيين.
وأعتقد أنه لن تستطيع مؤسسات المجتمع المدني العربي أن تقوم بدورها الفاعل، وأن تكون قوة في وجه التحديات السياسية والاقتصادية والثقافية، دون إتاحة الحريات في المجتمعات العربية، ودون أن تقف صفاً واحداً في وجه من يمزّق الأمة العربية والصفّ العربي، وأن تسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية بشجاعة ووضوح، حيث الصديق هو الصديق، الذي يقف بوضوح في وجه الظلم والقهر والاستبداد والفساد والاستعمار، وينتصر للحق، والعدل، والحريات، ولما يجمع الأمة العربية.
والعدوّ هو العدوّ، الذي يحتلّ ويستعمر أرضاً عربية، ويمعن فيها قتلاً، وتطهيراً عرقياً، وحصاراً، واعتقالاً، واقتلاعاً للبشر والشجر والحجر، ويعلن أهدافه التوسعية في التمدّد من المحيط إلى الخليج، وهل يمكن أن يساوي احتضان العِدى "أخي جاوز الظالمون المدى"؟!
نقلًا عن جريدة "الأيام"
faihaab@gmail.com
www.faihab.com