بخجل وإحساس بالتقصير، أكتب عن إضراب الأسرى الإداريين عن الطعام، والذي صاحبته مقاطعة المحاكم العسكرية الإسرائيلية، منذ يوم 27 أيلول، وحتى 13 تشرين الأول 2022.
وبخجل شديد، تابعت حملات التضامن الرسمية معهم، ومع المعتقلات والمعتقلين جميعاً، والتي تضمّنت عبارات المساندة، والتضامن، وقطع الوعود، بمتابعة قضيتهم/ن حتى تحريرهم/ن، والتي تتكرّر مع كل إضراب يخوضه الأسرى، منفردين أو مجتمعين، دون نتيجة.
وبخجل أشدّ، تابعت نتائج جلسات الحوار بين الفصائل الفلسطينية، حول المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، في الجزائر، والتي جاءت نتائجها مخيبة لآمال المعتقلين/ات أولاً، ولعموم الشعب الفلسطيني ثانياً.
*****
ما مطالب المعتقلين الإداريين، والتي أعلنوها ضمن بيانهم، حين شرعوا بإضرابهم المفتوح عن الطعام، وحين علّقوا إضرابهم؟ ما مطالب من يعتقلون دون تهمة أو محاكمة - وبالاعتماد على ملفات سرية لا يمكن لأحد حتى المحامين من الاطِّلاع عليها - والذين يمكن تجديد أمر اعتقالهم مرات، من شهر إلى ستة شهور، قابلة للتجديد؟
مطالبهم إنسانية وسياسية بامتياز، هواء نقي، وسماء بلا قضبان، ومساحة حرية، ولقاء عائليّ على مائدة.
أرادوا الحرية بمفهومها الشامل، حريتهم الشخصية المرتبطة بشكل جدلي مع حرية الوطن. عرفوا حق المعرفة أن الاحتلال سوف ينكِّل ويبطش بهم، ويحرمهم من الزيارة، ويجرّدهم من مقتنياتهم، ويعزلهم انفرادياً، ويضغط عليهم جسدياً ونفسياً، ويعرِّضهم إلى التغذية القسرية، التي هي نوع من أنواع التعذيب، الذي يتناقض مع القوانين الدولية، كاتفاقية جنيف الثالثة، التي «تحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب»، والتي تؤكِّد على وجوب «معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات»، واتفاقية جنيف الرابعة، التي نصّت على «حظر التعذيب، بوصفه انتهاكاً لآدمية الإنسان»، وإعلان طوكيو، لعام 1975، ومالطا لعام 1991، ونقابة الأطباء العالمية، ويمنعهم أيضاً من اللقاء مع المحامين، ورغم ذلك أقدموا على هذه الخطوة، التي يأملون أن تقرّبهم من الحرية.
آمن الأسرى بأهمية العمل الجماعي، لذلك خطَّطوا كي يقوموا بإضراب جماعي. بدؤوا بثلاثين أسيراً إدارياً، والتحق بهم عشرون أسيراً بعد ثلاثة عشر يوماً، من بينهم معتقلون إداريون، وموقوفون، ومحكومون، كانوا يأملون أن تتدحرج الكرة وتمتدّ ليلتحق بهم أسرى آخرون، حتى يستطيعوا تحقيق مطالبهم العادلة.
عرفوا أنهم يخوضون معركة غير متكافئة، لكنهم تسلحوا بالإرادة والعزيمة، وعدالة قضيتهم، ليرفعوا أصواتهم ويطالبوا بضمان محاكمة عادلة، عبر إنهاء سياسة الاعتقال الإداري غير القانونية، والظالمة، وغير الإنسانية.
وحين علّقوا إضرابهم، أعلنوا أنهم حققوا هدفهم الجوهري لهذه الخطوة، حيث أعادوا ملف الاعتقال الإداري إلى الصدارة، وحدّدوا سقفاً زمنياً مدته شهران للإفراج عن المرضى وكبار السن، من المعتقلين الإداريين، كما أكّدوا أنهم مستمرّون في مقاطعة محاكم الاحتلال، ودعوا الشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده، إلى مساندة المحاصرين في شعفاط ونابلس بكل الوسائل.
*****
يتطلّع الأسرى إلى التعامل مع قضيتهم كقضية مركزية عملاً لا قولاً، حيث يتمّ تدويل قضيتهم، وإلزام الاحتلال بمسؤولياته القانونية تجاههم،، بشأن معاملة أسرى الحرب وفق اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949، والبروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1977، والتي يعتبر الأسرى الفلسطينيون بموجبهما أسرى حرب، ما يكفل لهم/ن التعامل على هذا الأساس، ويتطلعون إلى تقديم مجرمي الحرب للمحاكمة، كي لا يفلتوا من العقاب، وفقاً لميثاق محكمة الجنايات الدولية، التي وقّعها الرئيس الفلسطيني عام 2015.
*****
أعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين إضراب الأسرى، وجلسات الحوار الفلسطيني من أجل إنهاء الانقسام، التي بدأت في الجزائر يوم 11 تشرين الأول 2022.
وإذا كان الأسرى قد لخّصوا شروط انتصارهم على سجّانهم بجملة واحدة: «بإرادة شعبنا سننتصر»، فإن شروط إنهاء الانقسام تحتاج أيضاً إرادة شعبنا، وتحتاج إرادة سياسية بالضرورة.
*****
عقد الأسرى آمالاً كبرى على نتائج جلسات الحوار في الجزائر، لتحقيق المصالحة، وإنهاء الانقسام، خاصة أن الجزائر وفَّرت أجواء إيجابية جداً للتوصل إلى اتفاق تاريخي يتمّ تنفيذه خلال عام.
أملوا أن يقف طرفا الانقسام وقفة نقدية ذاتية، لمناقشة أسباب الانقسام بمسؤولية، وأن يتفقا مع الوفد المشارك في الحوار، على برنامج سياسي وطني، يمثل القواسم المشتركة، وعلى حكومة وحدة وطنية، قادرة على تنفيذ بنود الاتفاق، وعلى التصدّي لمهمات التحرّر الوطني ككل، ولإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، على أسس ديمقراطية ووحدوية.
أملوا أن تساهم مكوِّنات الشعب الفلسطيني المختلفة، في الوطن والشتات، في الحوار، وألا يقتصر اللقاء على ممثلي الفصائل، وذلك ضمن مفهوم الشراكة السياسية، والعمل الديمقراطي، الذي يضم إلى جانب الفصائل السياسية، ممثلين/ات عن مؤسسات المجتمع المدني، وعن القوى الوطنية والاجتماعية الفاعلة، ومنها الحراكات الشبابية، ولكن ذلك لم يحدث.
خاب أملهم؛ لأن الفصائل قد فوَّتت كالعادة فرصة جديدة لإنهاء الانقسام وإحياء الأمل. اعتبرت أن هناك ميزة لإعلان الجزائر، تمثلت بالاتفاق على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والإسراع في إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، في جميع المناطق الفلسطينية، بما فيها القدس، والتوافق على تشكيل لجنة عربية لمتابعة تنفيذ الاتفاق. ورغم أهمية هذه البنود، إلا أنني أعتقد أنه لا بدّ من إرادة سياسية أولاً لإنهاء الانقسام، وبرنامج سياسي متوافق عليه، وآليات عملية لتنفيذ بنود الاتفاق، حتى يمكن لعمل لجنة المتابعة العربية أن يكون مثمراً، ولا بدّ من ضغط شعبي متواصل، وبأشكال متعددة ومتنوعة لتحقيق نتائج ملموسة.
*****
«ذات المقدمات تؤدي إلى ذات النتائج». لا مفرّ من تغيير الأدوات والرؤى والوسائل، لمواجهة التحديات السياسية الكبرى، على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، ولا بدّ من تغيير جوهري، في بنيان النظام السياسي الفلسطيني، وتبني إستراتيجية كفاحية كي يستطيع الشعب الفلسطيني أن يقاوم المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، وينهض بمشروع وطني تحرري، كي يصل إلى أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال.
faihaab@gmail.com
www.faihaab.com
(نقلًا عن جريدة الأيام)