الرئيسية » مقالات » فيحاء عبد الهادي »   17 أيلول 2025

| | |
من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا إلى غزة
فيحاء عبد الهادي

في الذكرى 43 لمذبحة صبرا وشاتيلا، وفي ظلّ الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة منذ ما يقارب السنتين، وتطهير الشعب الفلسطيني عرقيًا،  في غزة، وجنين، وطولكرم، وارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري المذبحة تلو المذبحة، أمام سمع العلم وبصره،؛ هل تفيد شهادات الناجين من مذبحة صبرا وشاتيلا؟ هل يفيد التذكير بما ارتكب ويرتكب المحتلّ من مجازر منذ عام 1948؟ 

الجرح مفتوح، ولن يندمل، ما دام الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري يجثم على أنفاس الشعب الفلسطيني، ويخنقه، ويطهّره عرقيًا، ويرتكب المجزرة تلو المجزرة، لإبادته على امتداد فلسطين والشتات؟ منذ مجزرة دير ياسين، والدوايمة، والطنطورة، وسعسع، واللد، عام 1948، مرورًا بمجزرة قبية، وقلقيلية، عام 1953، وكفر قاسم، عام 1956، ومجزرة صبرا وشاتيلا، عام 1982، وحمامات الشط، عام 1985، ومذبحة الحرم الإبراهيمي، عام 1994، ومجزرة جنين، عام 2002، و2023، و2025، إلى مجزرة مستشفى المعمداني، ومجزرة سوق مخيم جباليا، ومواصي خان يونس، ودوار النابلسي، ومحرقة الخيام، ومخيم البريج، ومجازر مدارس وجامعات ومساجد  وكنائس وآثار ومكتبات غزة، منذ عام 2023.

*****

قدَّمت "ثريا الراجح"، المناضلة السياسية والنسوية، وعضو جبهة النضال الشعبي الفلسطيني/كتلة نضال المرأة، والتي هجّرت من  عتّيل/طولكرم، إلى مخيم شاتيلا، عام 1967، شهادتها الشفوية، عام 2012، حول مجزرة صبرا وشاتيلا، التي عاشتها وشهدت أحداثها، وما ميّز شهادتها حديثها عن فاعلية شابات وشباب المخيم، الذين حاولوا الدفاع عنه في وجه المذبحة.

تحدثت عن الظروف التي احاطت بالمذبحة إثر اضطرار المقاومة لمغادرة بيروت عام 1982، ووصفت خروجها من لبنان بالزلزال بل وأكثر: " الثورة الفلسطينيّة كانت معطيتنا العنفوان، والقوة. إحنا كنا عارفين بعد خروج المقاومة شو ناطرنا، أيّام من خروج المقاومة من لبنان، إجت مجازر صبرا وشاتيلا".

روت عن تفاصيل محاولة شباب المخيم، نساء ورجالًا، من الفصائل الفلسطينية كلها، الدفاع عنه: "مجموعة الشباب طلّعت السلاح المخبأ، وتشكلت حراسات داخل المخيم، إحنا كنا من ضمن الحراسات اللي كانت موجودة على أول المخيم".

روت عن الأيام الصعبة التي عاشها أهل المخيم؛ حيث انقطع التواصل الداخلي، ولم يعد هناك خبز في البيوت، الأمر الذي جعل النساء، ومنهن والدة ثريا، يعملن وجبات لا تحتوي على الخبز مثل: المجدّرة، والأرز مع الحليب، ويرسلنها للشباب الذين يحرسون المخيم.

انقطعت الأخبار، ولم يعرف الشباب تفاصيل ما يحدث داخل المخيم: "الأربعاء والخميس والجمعة والسبت، السبت بلّشت المسائل بشكلها العلني، لا كان في إنترنت ولا شيى مكشوف، لو كان بهديك الفترة، كان عرفت العالم حجم الخسائر اللي راحت ب 82، واللي تم الإعلان عنه كان كتير بسيط عن العدد الأكبر اللي راح".

وحين وصل الشباب مستشفى عكا ليل الجمعة؛ مرّوا من الحُرج، وشاهدوا الجثث، وكل ما حدث.

 وبأعجوبة، وبفارق ساعات، وقبل حضور المجرمين، خرجت ثريا و25 من أفراد المقاومة من المخيم، عن طريق الاستوديو، إلى منطقة المقاصد، وذهب الشباب إلى مستشفى غزة، الذي شهد خطف واعتقال عدد من الأطباء والممرضات والممرضين من داخله، تمامًا مثل ما حدث في مستشفى عكا.

عادت بعدها ثريا إلى شاتيلا، لتجد الجثث ما تزال بالأرض كما هي، ولتساعد مع الناس كلهم في دفن القتلى الشهداء، وساعد الإسعاف والصليب الأحمر بنقل الجثث اللي كانت منتفخة، ومعالمها مشوّهة.

روت عن اعتقال والدتها "أم محمد راجح"، وخالتها (جارتها) "أم حرب"، مع مجموعة من نساء المخيم، ومن مناطق أخرى، على يد القوات اللبنانية. وشهدت والدتها على وجود شارون، والدبابات الإسرائيلية، ودحضت شهادتها الشفوية ما قيل منذ سنوات: إن المجزرة كتائبية: "إسرائيل هي اللي ذبحت بالدرجة الأولى، وعملت أبشع المجازر بأدوات كتائبية".

روت ثريا عن نساء شاتيلا، اللواتي لعبن دورًا فاعلًا بارزًا، في حرب المخيمات، ومنهن والدتها وخالتها، حيث كنّ ينقلن سلاحًا، ومساعدات، وتطوّع العديد منهن بالهلال الأحمر الفلسطيني، للمساهمة برعاية الجرحى. 

 

تحدثت عن عدد من المفقودين من جيرانهم، الذين لم يظهر لهم أي أثر، وعن عدد من الشهيدات والشهداء، ممن تعرفهم، وروت عن المناضلة "سعاد سرور"، التي اغتصبت، وشهدت مقتل 6 أفراد من عائلتها إبان المجزرة، ونجت بعد إطلاق النار عليها، حين تظاهرت بالموت، وخرجت من المخيم بإعاقة دائمة، وبتصميم على فضح جرائم المحتلين، حيث تمكنت عام 2001 ، مع 28 ضحية من الناجين، من رفع قضية في بلجيكا ضد شارون، وجميع الإسرائيليين واللبنانيين المسؤولين عن مجازر صبرا وشاتيلا، بعد تعديل قانون "محاكمة مجرمي الحرب والإبادة الجماعية" البلجيكي سنة 1999، الذي سمح برفع دعوى للمتضررين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وللأسف "أسقطت محكمة الاستئناف البلجيكية عام 2002 القضية التي رفعتها سعاد والناجين معها، بحجة عدم اختصاص القضاء البلجيكي فيها".

*****

ما الذي يمكن أن تضيفه شهادات من عاصروا المذابح والويلات منذ سبعة وستين عامًا؟ في عالم أصمّ وأعمى؟ في عالم يسحق بعضه بعضًا، ويدمّر أجمل ما فيه من قيم إنسانية؟

ما الذي يمكن أن تضيفه في عالم ينتهك فيه القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ليل نهار، وترتكب فيه الجرائم جهارًا، ويفلت المجرم من العقاب؟

صدقت د. بيان نويهض الحوت، حين أكّدت أن ضحايا المجازر لا يقتلون فقط يوم يقتلون، بل يقتلون مرة ثانية حين يصمت الأحرار عن ذكر الحقيقة، ويمتنع شهود المذابح عن الإدلاء بشهاداتهم، ولا تتم إدانة القتلة.

هو حق الضحايا علينا؛ أن نوثق أصواتهم/ن، ثم نتيحها، بالاستعانة بوسائط إعلامية وأدبية وفنية متعددة، حتى تصل أسماع العالم، وتزيل الغشاوة عن العيون والقلوب، ويتعاظم التضامن العالمي - ليس ضد الاحتلال والاستعمار فحسب؛ بل ضد العنف، والعنصرية، والفقر، والتمييز، واللامساواة، حيث يتقاطع نضال الشعب الفلسطيني مع نضال الشعوب المضطهدة والمقهورة والمستغَلة عبر العالم - حتى يكون قادرًا على التأثير والتغيير، وإعادة الاعتبار للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، الذي يكفل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، والحرية والعدل والكرامة لكل شعوب الأرض.

 

faihaab@gmail.com

www.faihaab.com

  

مشاركة: