الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   22 تشرين الثاني 2025

| | |
إحياء النص وإحياء الوعي: تحية لقراءة عوّاد أبو زينة
غانية ملحيس

 

الصديق العزيز عوّاد أبو زينة،

 

أحييك على هذا الاستحضار الجميل لتجربة معرفية قديمة ظلت حيّة فيك، وعلى قدرتك على إعادة تشغيل تلك الروح الحوارية النقدية التي كانت - كما وصفت - تُشكّل أساسًا للوعي والثقافة، لا لمراكمة المعلومات. واللافت أنّ المنهج نفسه ما يزال صالحًا اليوم، حتى في محاورة الذكاء الاصطناعي، لأن جوهره ليس “المحاوَر” بل الطريقة: قلب الفكرة على وجوهها الممكنة، واستنطاق النص من زواياه المخبّأة، وإشراك القارئ في لعبة السؤال والاحتمال.

 

قراءاتك لرواية إسحاق موسى الحسيني لا تعيد فقط طرح أسئلتها، بل تستعيد الطاقة التحليلية الكامنة فيها، تلك التي تتجاوز الرمزية البسيطة إلى تفكيك البنية الاجتماعية والفكرية التي كانت تتشكل في ثلاثينيات فلسطين. وقد أصبت تماما في التقاط المأزق الذي تصوغه الرواية بذكاء: ليس جهل الدجاجة، بل تردّدها؛ ليس قوة الغريب وحده، بل فجوة الوعي بين الإدراك والفعل؛ ليس عجز الشعب، بل قصور القيادة التي ترى الداخل ولا ترى الخطر الخارجي.

 

وما يميز قراءتك - ويعطيها قيمتها - أنك أعدتَ النص إلى حياة جديدة:

جعلتَ الدجاجة نموذجًا للأكثرية المتردّدة التي تعرف الحق لكنها تتردد في ممارسته خشية الاتهام أو الخسائر، والديك رمزا للزعامة التقليدية التي تحرس الداخل وتفشل أمام التهديد الحقيقي، بينما الأقلية المبصرة في الرواية تتحول - في تحليلك - إلى تلك النواة التي التقطت الخطر مبكرًا، تمامًا كما التقطه ثوار الثلاثينات قبل أن يستفيق الجميع.

 

بهذا المعنى، كان لافتا ما وصلت إليه من أن الرواية لا تفضح “جهلا جماعيا” بل تعطلا جمعيا، ومن أن الخطأ لم يكن في “اندفاع المقاومة” بل في معارضة المقاومة من داخلها، وفي تقديس أخلاق الضحية على حساب حقوقها الأساسية.

 

هذا النوع من القراءة - الذي يجمع بين الوعي السياسي والوعي الثقافي - هو ما يجعل النصوص الكبرى قابلة للعيش من جديد، ويمنح الأدب وظيفته الأخلاقية الأعمق: أن يحوّل الحكاية إلى سؤال، والرمز إلى رؤية، والقراءة إلى وعي.

 

دام هذا الحضور الفكري الرفيع،

ودام هذا الشغف الذي يعيد للنقاش قيمته، ويذكّرنا بأن الوعي - مثلما فعلتم في أيام الجامعة - يُصنع بالحفر، وبالاختلاف الخلّاق، وبالقدرة على النظر خلف الأبواب المغلقة للنص والواقع معا.

 

مشاركة: